التنافس الإسباني البرتغالي حول المصايد المغربية

0
Jorgesys Html test

بعدما تحدث الذكتور محمد البزاز في الجزء الأول من مقاله التاريخي “التنافس الإسباني البرتغالي للصيد في المياه المغربية بين القرن الخامس عشر والقرن التاسع عشر” عن اقتصاد الصيد المغربي وبداية الأطماع الأيبيرية، حيت رصد التراء الذي كان يتميز به الساحل المغربي ليرد بذلك على مجموعة من الإدعاءات المرتبطة بعلاقة المغاربة بالصيد البحري والمنتصرة اساسا لجفاء وفقر هذه العلاقة . وهو الأمر الذي دحضه محمد البزاز مؤكدا على وجود نشاط بحري تؤرخ له مجموعة من الرسومات وكدا الموانئ التي كانت منتشرة على طول السواحل المغربية المتوسطية والأطلسية،  بالإضافة إلى الصناعات السمكية التي إزدهرت سيما بمصبات الأنهار. وهي كلها أمور مكنت المغرب من إقامة علاقات تجارية مهمة وذلك بفضل وجود بنيات تحتية مهمة الشي الذي جعل المغرب في مصب الأطماع الإستعمارية الإبيرية التي افلحت في إخضاع عدد من الموانئ المغربية، ومن تمة   القضاء على الحياة البحرية النشيطة بالمغرب. وبعد هذا الحديث سينتقل  بنا الذكتور محمد البزاز إلى رصد التنافس البرتغالي الإسباني حول المصائد المغربية.

التنافس الإسباني البرتغالي حول المصايد المغربية

الدكتور محمد البزاز*
الدكتور محمد البزاز*

منذ القرن الخامس عشر أصبحت مكانة القوى البحرية خاصة البرتغال وإسبانيا تتعزز، في حين كان المغرب يعيش أزمة خلافة، تحول الأمر بعدها إلى وصول الدولة الوطاسية إلى الحكم. ولم تكن هذه الظروف لتساعد المغرب على الوقوف في وجه التحرشات البرتغالية والإسبانية ضد المدن والشواطئ المغربية.

وقد تنوعت العوامل التي شجعت البرتغاليين والإسبانيين على محاولة الاستيلاء على نقط في السواحل المغربية. فإذا كان للعامل الديني والعامل السياسي دور كبير في بداية الأمر، فإن العامل الاقتصادي لم يقل أهمية بل تزايد دوره مع مرور الوقت واتساع المد الاستعماري. وبالإضافة إلى شهرة المغرب بموارده الفلاحية كالقمح، وانتشار الأخبار عن الكميات الكبيرة من الذهب التي تجلبها القوافل المغربية من السودان القديم (أفريقيا الغربية)، فإنه تَمّ «التعرف على أن سواحل الأطلسي المغربية غنية بالأسماء التي تحتاجها أوربا»([18]).

ومما لا شك فيه أن اكتشاف الموارد البحرية الهامة التي تزخر بها المصائد المغربية قد أجج الأطماع  الاستعمارية لاحتلال مراكز على السواحل المغربية، بالإضافة إلى ذلك سيكون هذا العامل الاقتصادي أصل التنافس الجامح بين البرتغال وإسبانيا، وبالرغم من ذلك فإن البرتغاليين هم أول من سيهتم باكتشاف أسراب السمك الموجودة في المجالات البحرية المغربية خصوصاً الجنوبية([19]).

وحسب Vicomte De Santarem (عالم جغرافيا برتغالي)([20]) فإن البحارة المنتمين إلى Algave وLagos (مقاطعات برتغالية)، قد ذهبوا سنة 1444 للصيد في سواحل رأس بوجدور ورأس غير ووادي الذهب.

إضافة إلى ترجمة بعض المصادر التاريخية المغربية مثل كتاب “وصف أفريقيا”، لاكتساب معرفة بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب. فإن من شأن المذكرات les mémoires والروايات lesrelations التي كان ينشرها المستكشفون آنذاك أن تزيد من اهتمام الأوربيين، وفي مقدمتهم البرتغاليين، لكي يولوا وجهتهم نحو المصائد المغربية.

وهكذا قدم Cadamasto سنة 1456 معلومات ثمينة عن اكتشافاته في المغرب (أفريقيا)([21])، فعند حديثه عن مصائد الساحل المغربي يقول: «نجد على طول الساحل صيد الكثير من الأسماك المختلفة الأنواع جميلة ورفيعة بعضها يشبه الأسماك التي يتم اصطيادها في البندقية Venise والبعض الآخر ذات أشكال مختلفة».

كما يخصص الرحالة البرتغالي Pacheco Duarte Pereira بعض فصول كتابه “L’esmaraldo de situ orbis للحديث عن المغرب([22])، فعندما تطرق إلى السواحل المغربية أشار إلى الثراء السمكي لبعض المناطق المغربية، مثل سبتة وأزمور. ويعتبر المنطقة الممتدة من أزمور إلى ماسة من أكثر المناطق ثراء بالصيد الكبير.

منذ أواخر القرن الخامس عشر عمد البرتغاليون إلى إنشاء عدة مستعمرات على الساحل المغربي، وكان الدافع الأساسي إلى إقامة الكثير منها هو استغلال الموارد البحرية المغربية([23]). وهكذا مثلاً يذكر مارمول كاربخال أن استيلاء البرتغاليين على مدينة أزمور يعزى إلى أن: «صيد الشابل والتون وغيرهما من أصناف السمك كان يجلب إليها عدداً من تجار أوربا (…) وعندما أطلع التجار البرتغاليون المقيمون بأزمور ملكهم على سهولة احتلال المدينة ووفرة إيراد صيد السمك بها، أمر الملك حاكم مدينة أصيلة (دوم يوحنا دي مينيزيس)… لمحاصرتها…»([24]) ليتم بعد ذلك الاستيلاء عليها سنة 1513([25]).

كما أن الأميرال البرتغالي Diego Lopes de Sequera الذي مكنه إبحاره إلى الهند سنة 1518 من ملاحظة وفرة السمك في المناطق المجاورة لرأس غير، قد أثار انتباه الملك Don Emanuel إلى الفوائد التي يمكن أن تؤمنها المصائد الموجودة في هذه المناطق، التي أسس فيها مغامر برتغالي مؤسسة من قبل. وانضافت إلى هذا العامل العوامل السياسية التي كانت تحرك المشاريع الاستعمارية البرتغالية آنذاك في أفريقيا، هي التي حملت ملك البرتغال إلى بناء حصن أغير chateau d’Aguer (قرب مدينة أغادير)، وهو المكان المعروف في المصادر التاريخية البرتغالية بـ Santa Cruz de Cap d’Aguer على مصب نهر سوس لحماية المصائد البرتغالية في عين المكان([26]).

وفي الواقع سمحت المستعمرات البرتغالية في المغرب بانفراد الصيادين البرتغاليين بالمصائد المغربية والاستحواذ على خيراتها، إلا أن هذا لم يمنع في بعض الأحيان من استفادة الصيادين الإسبان بدورهم من هذا الوضع. وكما يتبين من رسالة بعث بها Louis Loureiro حاكم Santa Cruz de Cap d’Aguer إلى الملك جان الثالث Jean III بتاريخ 10 سبتمبر 1537 يقر فيها Loureiro بوجود صيادين إسبان أغلبهم كناريين (نسبة لسكان جزر الخالدات) يمارسون الصيد على ساحل سوس وفي ناحية موغادور (مدينة الصويرة حالياً)، كما يشير إلى إبرامه لمعاهدة مع بعض الحكام المغاربة بالمنطقة لتمكين البرتغاليين والإسبان من الصيد بأمان بين رأس سيم Cap Sim ونهر درعة([27]).

إلا أن الإسبانيين لم يريدوا أن يظلوا عالة على البرتغاليين، ذلك أن استقرارهم النهائي في جزر الخالدات بعد نزاع مع البرتغاليين وتعود الصيادين الإسبان والكناريين على استغلال المصائد المغربية القريبة، شجع إسبانيا على احتلال مركز بالأرض المغربية المقابلة لتلك الجزر حتى «تتمكن من استغلا ل خيرات البحار المغربية، لأن أساس تغذية الشعب الإسباني كان ولا يزال هو السمك، ومن أجل ذلك أنشأت إسبانيا برجاً بمصب وادي الشبيكة أطلقت عليه إسم Santa Cruz de Mar Pequena وكان ذلك سنة 1476»([28]).

وهنا تجب الإشارة إلى أن البرتغال لم تر بعين الرضا تدخل إسبانيا في الجزر الخالدات وبالتالي في الشاطئ المغربي، لأنها كانت تعتبر بلاد المغرب بمثابة منطقة نفوذها وتوسعها، الأمر الذي جعلها تعلن الحرب على إسبانيا أكثر من مرة. وفي نهاية كل حرب كانت تفرض عليها معاهدات كلها تنازلات من طرف إسبانيا عن “حقوقها” بالمغرب، نذكر منها معاهدة “الكاصوباس” ليوم 4 سبتمبر 1479 ومعاهدة “طوردزياس” ليوم7 يونيو 1494 ومعاهدة “سينطرا” ليوم 15 سبتمبر 1509. والمكانة البارزة للموارد السمكية في السياسة الاستعمارية للبلدين كانت واضحة بالخصوص في اتفاقية “طورديزياس”، حيث يتنازل فيها البرتغال لإسبانيا بالسيطرة على مدينة مليلية الموجودة في الساحل المتوسطي، مقابل تخلي إسبانيا عن حق الصيد في المنطقة الواقعة بين رأس بوجدور ووادي الذهب على الساحل الأطلسي المغربي([29]).

ولم يتوان المغاربة في التصدي لهذه المحاولات الاستعمارية لإفشالها، مما أسفر عن طرد الإسبان نهائياً من حصن Santa Cruz de Mar Pequena سنة 1527([30]). كما قام المغاربة بالهجوم على مركز SantaCruz de Cap d’Aguer وأجبروا البرتغاليين على التخلي عنه سنة 1541، وبعد هذه الهزيمة وسلسلة الهزائم التي تلتها فقد البرتغاليون كل مستعمراتهم على الساحل المغربي([31]). ورغم فَقْد إسبانيا لحصنها على الساحل الأطلسي، فإن الهزائم المتتالية التي لحقت بالبرتغال جعل مصالح الصيد الإسبانية في المنطقة تتقوى بشكل كبير مستغلة موقعها الاستراتيجي القريب من المصائد المغربية، لا سيما وجودها في جزر الخالدات.

وحسب رواية الألماني هانس ستادن Hans Standen الذي أقام بعض الوقت في مدينة أغادير، قبل توجهه نحو البرازيل سنة 1547 فإنه أشار إلى ممارسة العديد من الصيادين القشتاليين وكذلك الكناريين لنشاطهم في سواحل أغادير، كما أن الأندلسيين كانوا يأتون إلى هذه السواحل من قبل([32]). كما أن إسبانيي خليج بيسكاي Biscay (شمال إسبانيا) لم يكونوا أقل مغامرة من البرتغاليين حيث مارسوا الصيد في سواحل رأس غير وترددوا على جزء من الساحل المغربي منذ منتصف القرن السادس عشر تقريباً([33]).

بيد أن هذا الصيد الكبير الذي تعاطى له فيما مضى البحارة البرتغاليون والصيادون المنتمون لمنطقة الأندلس وبيسكاي، فإن هذا الصيد أصبح مع مرور الوقت في يد صيادي جزر الخالدات: فسكان هذه الجزر عرفوا كيف يستغلون موقعهم في منطقة غنية بالأسماك، فأسطول الصيد الكناري كان يتردد على سواحل رأس بوجدور والرأس الأبيض ثمان إلى تسع مرات في السنة، ويشجعه على ذلك وفرة السمك والرياح المعتدلة والمنتظمة وكان يقوم باصطياد عدة أنواع من الغادسيات gadidés وأنواع أخرى من الأسماك التي تحضر عن طريق عملية التمليح والتجفيف([34]).

وفي الواقع فإن اعتياد الصيادين الإسبان، خصوصاً الكناريين، على الصيد في المياه المغربية، واحتلالهم السابق لنقطة على الساحل المغربي، كل ذلك أصبح ذريعة في يد إسبانيا للمطالبة بحقوق خالصة لاستغلال المصائد المغربية بل ولتبرير احتلالها لجزء من التراب المغربي. وقد توصلت إسبانيا إلى تحقيق أهدافها رغم مضايقتها من طرف دول أوربية أخرى التي حاولت بدورها الاستفادة من استغلال الثروات السمكية التي تزخر بها المياه المغربية([35]): وكما تكشف عن ذلك الأرشيفات الأوربية، فإن الأطماع الفرنسية في استغلال الموارد البحرية للسواحل المغربية تعود إلى سنة 1664، حيث أشار André François Thrubert في مذكرته، إلى الصيد الهام من المرجان الموجود بسواحل مدينة الحسيمة([36]).

وفي سنة 1689 كتب قنصل فرنسا بمدينة سلا Jean Baptiste Estelle مذكرة، والتي هي عبارة عن تقرير عام عن حكم السلطان مولاي إسماعيل وقوته السياسية والعسكرية، وعن طبيعة المغرب وخصوبة أرضه ونشاط التجار الفرنسيين، ولم يفته أن يشير إلى الكمية الكبيرة من السمك في ميناء أغادير (رأس غير) ([37]).

كما أن أول محاولة للإنجليز تعود إلى منتصف القرن الثامن عشر عندما قام ملاح اسكتلندي معروف يدعى جورج غلاس George Glass.

                                                                                                                            يتبع
………………………………………….

هوامش:

([18])     ب. ج. رورجرز، تاريخ العلاقات الإنجليزية – المغربية حتى عام 1900، ترجمة لبيب رزق، دار الثقافة، 1981، ص. 31.

([19])     وهذا ما تؤكده المصادر الأوربية مثل سابان برتلو Sabin Berthelot, De la pêche sur la cote occidentale d’Afrique et des établissements les plus utiles aux progrès de cette industrie, Paris, 1840, p. 24.

           إن سابان برتلو الذي عمل لمدة عشر سنوات كقنصل فرنسا في عاصمة أرخبيل الخالدات Ténériffé وقد مكنته إقامته الطويلة بالأرخبيل من التوثيق بشكل دقيق والاستخبار عن صناعة الصيد الإسبانية والمصائد الإفريقية التي يرتادها الصيادون الإسبان وعلى رأسها المصائد المغربية.

([20])     Ibid., p. 24.

([21])     Ibid., pp. 25-26.

([22])     أنظر: مقتطفات من هذا الكتاب مترجمة من اللغة البرتغالية إلى اللغة الفرنسية عند:

Robert Ricard, «La cote atlantique du Maroc au début du 16° siècle d’après des institutions nautiques portugaises», in Hesperis, 1927, pp. 225-259.

([23])     مثل مدينة سبتة والقصر الكبير وأصيلة وطنجة وآسفي ومازغان (الجديدة) وموغادور (الصويرة)، وسانتا كروز دي اغوير (أغادير) وأزمور.

([24])     مارمول كاربخال، أفريقيا، ترجمة عن الفرنسية محمد حجي وآخرون، ج 2، صص. 87-88.

([25])     حول تفاصيل عملية احتلال أزمور، انظر: مارمول كاربخال، المرجع نفسه، ص. 89-97.

([26])     S. Bérthelot, op. cit., p. 27.

([27])     Robert Ricard, Etudes Hispano-Africaines, Tetuan, 1956, pp. 144-146.

([28])     محمد بن عزوز حكيم، السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المغربية، ج 1، ص. 11-12.

([29])     Sources inédites de l’histoire du Maroc, Première série, Portugal, T. 1, pp. 203-212.

([30])     ابن عزوز حكيم، المرجع السابق ونفس الصفحة.

([31])     خاصة بعد خروجهم من سبتة سنة 1541 وآسفي وأزمور سنة 1550 وقصر الصغير وأصيلة وهزيمتهم في معركة وادي المخازن سنة 1578.

([32])     S.I.H.M première série Portugal, T. 4, p. 211.

([33])     S. Berthelot, op. cit, loc. Cit.

([34])     Ibid, pp. 29 et s.

([35])     في مقدمة الدول التي اتجهت أنظارها إلى استغلال الموارد البحرية المغربية نجد فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وغيرها من الدول الأوربية التي كانت كلها تنظر بحقد إلى انفراد إسبانيا باستغلال الثروات السمكية في المناطق المغربية.

([36])     S.I.H.M deuxième série, France, T. 1, p. 85.

([37])     انظر: S.I.H.M deuxième série, France, T. 4, p. 703

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا