الصيد الساحلي قطاع مغبون لم تنصفه السياسات المتعاقبة

0
Jorgesys Html test

محمد-عكوريرغم اهميته ‏في تحريك عجلة التنمية، لم يحظ قطاع الصيد الساحلي ومنذ استقلال المغرب بالتفاتة واعية ومسؤولة من طرف مختلف الاوصياء الذين تعاقبوا على سير دواليبه، وقد أدى توالي الارتجال والعبث عن قصد وبنية مبية أو بسبب الجهل وضعف الخبرات – إلى تدهور القطاع، وتفاقم مشاكله وتشابكها على نحو يجعل الحلول صعبة خصوصا في غياب نظرة او تصور شمولي يراعي خصوصيات الصيد الساحلي كقطاع اجتماعي باعتباره عدد شغيلته الذي يتعدى 400 ألف، وكقطاع اقتصادي يساهم بفعالية في إغناء خزينة الدولة. مع استحضار حجم التحديات التي تواجهه  والعمل على مواجهتها بتدابير عملية بدل أساليب أنصاف الحلول التي اورثت القطاع هذا الواقع المأزوم على أكثر من صعيد.

  لقد ظل هذا القطاع في الدرجة الثانية من اهتمام الوزارات التي تولت مسؤوليته دون أن يكون هناك أدنى مبرر منطقي لذلك، فالمقارنة – حتى المقارنة – بينه وبين قطاع الصيد في أعالي البحار، لا تصح ولا تجوز ولو روعيت أهمية اسهام كل من القطاعين في التنمية.

إن هذه الدرجة الثانية التي أعطيت للقطاع ترجمت على أرض الواقع يجعل من الصيد الساحلي قطاعا ذا أهمية ثانوية، لا يحظى من تفكير المسؤولين على شأنه إلا بالتهميش واللامبالاة حتى أصبح الحرفيون يعتبرونه قطاعا لم يعرف بعد الإستقلال اي تطور، مادامت ترسانة من القوانين التي تنظمه تعود إلى عهد الحماية.

وقد كان القصد من وراء سنها آنذاك هو تفقير المجهزين المغاربة وإرغامهم على بيع مراكبهم، فهل القصد نفسه هو ما جعل وزارات ما بعد الاستقلال تبقي على تلك القوانين؟ … ومادامت القسوة والمنطق الآمر وسياسة الأمر الواقع هي ما يطبع العلاقة بين العاملين بالقطاع والادارات الوصية عليه، وقد كان القصد من وراء القسوة زمن الاستعمار وهو إذلال الحرفيين المغاربة وترهيبهم، فهل القصد نفسه هو الذي جعل هذه العلاقة تتكرس حتى بعد الاستقلال؟

لقد كان لهذه الوضعية أسوء الأثر إن على القطاع أو على العاملين فيه أو حتى على المؤسسات التي تربطها علاقة عضوية بالصيد الساحلي. وهكذا بدل أن يواصل هذا القطاع اسهامه في استيعاب اليد العاملة وامتصاص البطالة المؤهلة أصبح بصورة مباشرة أو غير مباشرة يساهم في تخريج أفواج من العاطلين: بحارة أو عمال بمعامل التصبير أو غيرها. ومن المؤكد أن استنزاف الثورة السمكية لبلادنا – وبصورة مستفزة للمشاعر الوطنية – من طرف الأساطيل الأجنبية تحت مظلة الاتفاقيات والمعاهدات والعقد … قد عجل بتعميق أزمة القطاع والمؤسسات الانتاجية المرتبطة به.

إذا كانت حكومة التناوب قد تشبثت بموقعها الرامي إلى عدم تجديد الاتفاقية مع الدول الاتحاد الأوربي إدراكا منها لمدى الضرر الذي أصاب شواطئ المغرب جراء الاستنزاف الأجنبي، فإنها بذلك تكون قد دشنت مرحلة جديدة في عهد الصيد الساحلي حافلة بالتحديات ومفتوحة على احتمالات عدة. ولذلك فهي تستدعي ولا شك، تغيير نظرة المسؤولين إلى القطاع وخلق تمثيلية حقيقية له في الغرف البحرية . كما تستدعي ايضا الاعتماد على التخطيط العلمي للخروج من الأزمة وإعادة هيكلة القطاع ثم الانفتاح على المستقبل.

وعلى مدى السنين الماضية اتضح أن الوزارات السابقة كانت وصية على القطاع لم تكن تمتلك سياسة واضحة المعالم وهو ما جعلها تتخذ تدابير لم تنفع القطاع في شيء بقدر ما أضرت به وعطلت مسيرته التنموية. وهو أمر كان متوقعا خصوصا وأن تلك الوزارات قد دأبت على السير في اتجاهات كانت تعلمها وحدها. مستبدة باتخاذ القرارات في غياب ممثلي القطاع. حيث كانت تعتمد كل الاعتماد على توجيهات المكتب الوطني للصيد البحري الذي لم يكن مند انشائه مخلصا بما فيه الكفاية للصيد الساحلي، وإنما ركز كل جهوده على قطاع الصيد في أعالي البحار. فإستحق بذلك أن يسمى المكتب الوطني للصيد في الأعالي بدل تسميته الحالية التي لا تعبر عن حقيقة اهتماماته ولا تعكس طبيعة الوظائف التي يقوم بها.

 لهذه الأسباب ولأخرى غير معلنة سدت الوزارات المتعاقبة أبوابها في وجه الصيد الساحلي وانشغلت بالتعامل مع الدول الأجنبية المتلهفة على العمل في مياهنا الاقليمية، مبررة ذلك بوجود منافع ومصالح مشتركة كنا ندرك أنها بالفعل موجودة ولكن ليس بالشكل الذي حاولت تلكم الوزارات اقناعنا به. لقد كانت هناك مصالح مشتركة ليس بين المغرب والدول الأوربية وغيرها، إنما بين هذه الأخيرة ونخبة من المتخمين المحظوظين الذين سخروا الوزارات ومكاتبها لخدمة أهدافهم الضيقة ومصالحهم الشخصية، التي لا تخلو من شبهة على كل حال.

ويستوي هنا الحديث عن الصيد الساحلي وفي الأعالي. فإدا كان الأول نتيجة هذه السياسة الخرقاء ظل قطاعا تقليديا جل مراكبه تعتنق أساليب عتيقة في الصيد لم تمكنه من تنمية مردوديته وتطوير انتاجه وتعزيز رغبة المستثمرين في انعاشه، مما انعكس على الاستهلاك الداخلي للأسماك نظرا لكون اثمانها تفوق القدرة الشرائية للمواطن. وليست في متناول الأغلبية الساحقة من المغاربة وبالأخص ساكنة البوادي، الذين لا يستفيدون من ثرواتنا البحرية. فإن الثاني ظل حكرا على مجموعة من المحظوظين بما في ذلك الأجانب بالأساس في وقت رفضت فيه طلبات المستثمرين المغاربة.

وكنتيجة لهذه السياسة التي انبنت على الارتجال ومصادرة رأي الحرفيين وفرض الأمر الواقع، نقف اليوم أمام حقيقة ما عاد بالإمكان التكتم عليها أو البحث عن تبريرات لها. فسياسة من هذا القبيل كان منتظرا منها أن تؤدي – كما هو الحال اليوم – إلى استنزاف الثروة السمكية وإلى هشاشة البنية التحتية للموانئ. وأيضا إلى تأزيم الوضعية الاجتماعية لرجال البحر وهو ما يعني في نهاية المطاف ارتداد الصيد الساحلي عن أداء وظيفته الاجتماعية والاقتصادية.

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا