تفنيت: شيوخ الحنطة يبكون الماضي .. والأرقام تحكي تقهقر الحاضر

0
Jorgesys Html test

الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، عجلات السيارة تلتهم الطريق الضيقة المتجه إلى شاطئ تفنيت، التي تستقبل زوارها بضبابها الكثيف وأمواجها الصاخبة، فتتزايد الحركية بين مصطافين وأصحاب المقاهي، وهواة ركوب الأمواج ومهنيي الصيد، حيث ينتهي بنا المسير عند باب قرية الصيد التي كان العاهل المغربي قد أعطى انطلاقة تشييدها خلال شهر يناير من سنة 2011، بكلفة إجمالية بلغت 42.5 مليون درهم، في إطار المشروع الوطني لتنمية قطاع الصيد التقليدي، بهدف دعم هذا النوع من الصيد، لتحسين ظروف عيش وعمل المشتغلين فيه، بالإضافة إلى المساهمة في تطوير وإعادة هيكلة القطاع، عبر خلق قطب مندمج في محيطه الاقتصادي والاجتماعي.

مرفأ “تفنيت” نافذة شتوكة أيت باها على إقتصاد البحر

أصبح شاطئ تفنيت يستقطب الكثير من السياح المغاربة والأجانب للاستمتاع بالأجواء الصيفية، وممارسة بعض الرياضات البحرية (ركوب الامواج). كما تضافرت الجهود من اجل تهيئة قرية الصيد لتلائم تطلعات البحارة، خصوصا بعد إنشاء نقطة تفريغ تضم مرافق للمكتب الوطني للصيد وكدا للوقاية المدنية والقوات المساعدة، اضافة  لمقر تعاونية بحارة تفنيت، وسوق جملة تعرض فيه المنتوجات السمكية المصطادة.  كما تعزز شاطئ تفنيت بسرية للدرك الملكي لحفظ الأمن  بهده المنطقة.  فيما تزخر تفنيت بأربع جمعيات أخرى  تشتغل بقطاع الصيد ومنها جمعية بحارة تفنيت.

وتعرف قرية الصيد مجموعة من الصراعات بين المهنيين وإشكالات بالجملة، تحد من مردوديتها كأثمنة المنتوجات البحرية داخل سوق الجملة وخارجه بسوق الدلالة، والتي تبقى ضعيفة مقارنة مع باقي أسواق المملكة. هذا دون إغفال ضعف التجهيزات، وافتقار المنطقة لمرسى متكاملة الخصائص، ترقى بقطاع الصيد البحري،  وتكون سببا في تنظيم المعاملات بين المهنيين والرفع من مردودية الانتاج.

كما تبقى هناك العديد من المشاكل التي يتقاسمها جل العاملين في قطاع الصيد البحري بالمنطقة رهينة اللحظة تؤرق بالهم، كانعدام شبكة الانترنيت و غياب للمعاملات البنكية في المنطقة و عدم دعم الوقود، بالإضافة إلى مشكل انعدام الحاجز الوقائي بقرية الصيد الذي يقف حاجزا أمام العاملين في القطاع من خلال بحثهم عن البديل.

شيوخ البحر بتفنيت حسرة على الماضي وبكاء على حاضر الحال

غير بعيد عن نقطة التفريغ رصدت عدستنا رجل مسن تروي ملامح وجهه، وانتفاخ رجليه ويديه تفاصيل تجارب مريرة مع البحر والصيد. الصبار لحسن القاطن بدوار بن كمود بسيدي بيبي، دخل مهنة الصيد البحري مند سنة 1976. و تنقل الأب لثلاث أطفال، بين بوجدور و الداخلة، قبل أن يستقر به الحال بتفنيت، التي إختارها والده لإمتهان الصيد بالقصبة. يسترجع لحسن ذكريات الماضي القريب، وما كانت تجود به مصايد المنطقة  من خير عميم.

بحسرة كبيرة يتحدث عن الفرق الكبير بين ما كان يحصله في الماضي، وضعف ما يجنيه اليوم. فالظروف حسب الرجل، أضحت صعبة  عن ما كانت عليه أيام زمان، حتى أنه لا يزور بيته الا بعد 4 أيام فما فوق، يقضيها في رحلة الصيد مع احد قوارب الصيد التقليدي، أو داخل قرية الصيد بتفنيت.

بدأنا هذه المهنة منذ نعومة أضافرنا بتعلم المقذاف أولا، يقول أحمد فكراش دو 70 سنة من دوار تكاظ بجماعة سيدي بيبي. بعد ذلك تعلمنا استخدام المحركات وكيفية الصيد بالشباك لاصطياد الكلمار، وباقي أنواع الأسماك، أما حاليا فتوقفت عن الاصطياد  بحجة كبر السن، ولم تعد لدينا القدرة على الاصطياد حسب إدارة الصيد. كنت سابقا أستفيد من التغطية الصحية، إلى أن تم توقيفي عن العمل الذي كنت أزاوله هنا لمدة أربعين سنة منذ 1964.

أما الآن يقول البحار الذي تلاعبت السنين بجسده وتكالبت عليه الظروف بعد توقفه عن العمل، “انا اليوم لا أعمل شيئا وأكتفي بالجلوس هنا بقرية الصيد بتفنيت. حتى وانا على اليابسة هنا بالشاطئ، فإن قلبي ودهني منشغلان بالأميال البحرية. أخالني دائما في رحلة صيد، أشم رائحة الموج، فأعرف نوع الصيد الذي ستعود القوارب محلة به، لأن البحر علمنا الكثير”.

“البحر خيره لا ينتهي… ولن يعيدك فارغ اليدين” يقول بحار آخر، مشيرا أن الثروة السمكية قد تراجعت بالمنطقة التي كانت محجا لقوارب الصيد القادمة من مواقع مجاورة كأكادير وتغازوت وحتى الصويرة، كما ان وجوها بحرية إشتهرت بها المنطقة قد وارتها التراب. في ما مضى يضيف الرجل، “كنا نصطاد في اليوم ما بين 50 و70 كيلوغرام من “أزفان”. أما اليوم فغالبا ما لا تتجاوز الكمية المصطادة ثلاثة أو أربعة كيلوغرامات، فالأسماك أصبحت قليلة جدا بسب “الباريخات” التي تعيد عشرات الأطنان إلى البحر”.

بحارة  تفنيت بين شح البحر وتوافق التجار

رغم الصيت الذي حازته قرية الصيد تفنيت، فإن ذلك لم يستطع أن يرقى بالواقع الإجتماعي لبحارة المنطقة، خصوصا بعد أن ظلت أثمنة الأسماك محدودة، ولا ترقى للمجهودات المبذولة على مستوى البنيات التحتية للقرية، في غياب سياسة تسويقية واضحة المعالم، حيث أن تجار السمك يعمدون حسب عدد من البحارة الذين إلتقت بهم البحرنيوز بالقرية، إلى الإتفاق على الثمن بين التجار قبل وصول قوارب الصيد إلى القرية، والتوافق على عدم الزيادة  كميثاق شرف بين التجار. وهو ما يجعل البحارة لا يستفيدون من كل ما يجنونه خلال رحلة الصيد، بل يضطرون إلى بيع مصطاداتهم في كثير من الأحيان بأثمنة بخسة، بالكاد تغطي نفقات الرحلة، فضلا عن مصاريف الجرافة و البنزين وغسل القارب. هذا فيما يختار بحارة آخرون تصريف مصطاداتهم في السوق السوداء هربا من الإقتطاعات، أو بيعها للعموم دون الدخول بها إلى سوق السمك.

وحسب الصبار الحسن أو “دا الحسن” كما يحلو للبحارة تسميته، تشريفا وتقديرا لخبرته ومكانته ضمن المنظومة المهنية البحرية داخل القرية، إن صيد الأخطبوط وكلمار يعاني من تدني قيمتهما في السوق مقارنة بالأسواق الأخرى، بسبب ما اسماهم ب (الشناقة)، إضافة لشح البحر وقلة المصطادات. فيكون المجهود المضني للبحار في مهب الريح. ولا يجني من رحلاته البحرية إلا المرض والأعصاب. يقطع الحسن كلامه ويكشف عن ساقيه، ليظهر إنتفاخهما ويشير إليهما قائلا، هذا ما نجنيه هنا، فما يوفره البحار بالكاد يغطي مصاريف الصيدليات، ما يتسبب في عجز  مادي و كدا العطل عن مزاولة المهنة.

وتشير الأرقام إلى كون القيم المالية للمصطادات  إتجهت نحو الانخفاض بعدما سجلت على مستوى الوزن 134 طنا سنة 2015 و بقيمة مالية تقدر ب 5562 مليون الدرهم مقارنة مع سنة 2014 التي سجلت 154 طنا حجما  بقيمة مالية قدرها 7440 مليون الدرهم.

و كانت قرية الصيد تفنيت قد سجلت تراجعا على مستوى مهني الصيد و كدا في عدد التجار الدين ينشطون بالمنطقة، هؤلاء الذين إستقر عددهم في 10 تجار سنة 2015 بعد أن كان العدد يتجاوز  18تاجرا سنة 2014، سيما بعد تقهقر قوارب الصيد التي إنخفضت من  214 قاربا نشيطا سنة 2014 إلى 134 قاربا سنة 2015.

البحرنيوز خاص : محمد معلوف /زينة أوتيان

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا