بقلم: عبد الخالق جيخ
كشف مجلس المنافسة في تقريره الذي صدر يوم 9 ماي 2025 عن وجود ممارسات منافية لقواعد السوق في قطاع السردين الصناعي، امتدت لأزيد من عشرين سنة. حيث إستنتجت تحقيقات المجلس وجود اتفاقات سرية بين عدد من المهنيين للتحكم في الأسعار والإنتاج والتوزيع، بما يخلّ بمبدأ المنافسة الحرة، ويضرب في العمق مصالح الصيادين والمستهلكين، وحتى الصناعات الوطنية وفق إفادة المجلس.

وقد وجّه المجلس تبليغات رسمية بمؤاخذات قانونية إلى 15 هيئة مهنية، تشمل مجهزين بحريين، ووحدات صناعية لتحويل السمك، وتجار جملة في البيع الأول للمنتجات البحرية فيما غابت الإدارة عن المساءلة.. فرغم أهمية هذه الخطوة في اتجاه تفعيل المراقبة الدستورية على السوق، إلا أنها تطرح سؤالًا محوريًا، حول من يتحمل المسؤولية الكبرى في هذه القضية التي استمرت لعقدين؟ فالمسلمات تقول أن المهنيين الذين وقعوا على تلك الاتفاقات، فعلوا ذلك – في كثير من الحالات – من أجل الحفاظ على السلم الأهلي داخل الموانئ، والخروج من حالات الإحتقان والإضرابات التي كانت تعرقل النشاط الاقتصادي. وغالبًا ما كانت هذه الإتفاقات تُبرم بعد موجات من الإضرابات والمشاكل الإجتماعية.. لكن هذه المبررات لا تمنح الشرعية للإتفاقات ما لم تكن هناك مواكبة إدارية، تمنح الضوء الأخضر للهذه المعاملات، خصوصا وأن تفعيلها يتم بأليات مؤسساتية.
فمن المتعارف عليه أن في صلب اختصاصات ، الوزارة الوصية بصفتها السلطة التنفيذية المشرفة على تطبيق القانون، يدخل تطوير التسويق والتثمين كخيارات ضمن الإستراتيجية القطاعية، وهي التوجهات التي تدبر في كثير منها من طرف الدرع التسويقي للوزارة الممثل في المكتب الوطني للصيد، بإعتباره المسؤول على تدبير البيع الأول داخل الموانئ ، حيث تقوم الوزارة بتتبع نشاطات هذا المكتب والتأكد من مدى التزامه بالأنظمة والتعليمات المعمول بها في قطاع الصيد البحري. و تضمن الوزارة تطبيق القوانين واللوائح المتعلقة بالصيد البحري، بما في ذلك تلك التي تهدف إلى الحفاظ على الثروة السمكية وتهيئة قطاع الصيد البحري. وتتمتع الوزارة بالسلطة الرقابية على المكتب الوطني للصيد، وله الحق في إتخاذ الإجراءات اللازمة، في حالة عدم الإلتزام بالقوانين أو التقصير في الأداء.

إن المكتب الوطني للصيد، يعد الجهة صاحبة اليد العليا حسب القانون، في تدبير عمليات البيع الأول في المواني، وليس المهنيين أو التجار والصناعيين والبحارة كما يسوق دلك تقرير مجلس المنافسة، لأن المهنيين أو التجار يحدد وضعهم كـ(شركاء) أو مرافقين)في منظومة سوق السمك. وبالتالي فالمكتب الوطني للصيد البحري يضطلع بعدة مهام رئيسية منها الإشراف على مركز فرز السمك الصناعي (CAPI) حيث يتم بيع الأسماك السطحية الصغيرة ضمنها السردين. وضبط عمليات البيع للحد من المضاربة، وتحقيق أسعار عادلة للمنتجات البحرية. ومن هناك تظهر مسؤولية المكتب الوطني للصيد ، بإعتباره المشرف الأول على تدبير عمليات البيع الأول في أسواق السمك ومراكز الفرز، ويملك أدوات تقنية وقانونية لضمان النزاهة، من كاميرات مراقبة إلى نظم معلوماتية. ومع ذلك، استمرت “التواطؤات” كما سماها مجلس المنافسة، لعقدين داخل فضاءات يُفترض أن المكتب يشرف عليها ،ويؤطرها.
كما أن الوزارة كذلك، لا تخرج من دائرة المسؤولية. فهي من المفروض أن تضع السياسات وتتابع تنفيذها وتقيّم نتائجها. فهل كانت تجهل ما يجري، إن كان الجواب نعم، فذلك يدل على فشل في الرصد والتتبع. وإن كانت تعلم وسكتت، فالمصيبة أعظم لأن ستصنف في خانة التواطأ. لدى فمن المؤسف أن يكون خطاب مجلس المنافسة، ميالًا إلى تحميل المهنيين كامل المسؤولية، وكأنهم يشتغلون في فضاء منعدم الرقابة.. فالمهني لا يعمل خارج القانون، بل ضمن منظومة تنظيمية يُفترض أن تراقبه وتوجهه. وبالتالي فالتحقيق لا يمكن أن يتوقف عند الهيئات المهنية ، وإنما وجب أن يمتد لذوليب الإدارة ، حتى يتم إستكمال مختلف الخيوط الكفيلة بتقديم قناعات، بخصوص قانونية التدبير من عدمها، لاسيما وأننا في قطاع يحاصره العرف في تمدداته المختلفة.
*عبد الخالق جيخ : فاعل كنفدرالي ومدون مهتم يشؤون الصيد البحري