بقلم: مصطفى وغزيف
لم يعد المحيط الأطلسي مجرد مسافة جغرافية تفصل بين أكادير وجزر الكناري، بل يتحول اليوم إلى جسر أزرق واعد، تُعبّد مساراته بدبلوماسية جهوية نشطة يقودها مجلس جهة سوس ماسة برئاسة كريم أشنكلي. فزيارة الرئيس الكناري فرناندو كلافيخو المرتقبة في يناير 2026 إلى عاصمة سوس، ليست مجرد لقاء بروتوكولي، بل هي الإعلان الرسمي المنتظر، عن انطلاق مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية التي تم هندستها بعناية لتكون شراكة واعدة حيث لا مكان للصدفة، بل للتخطيط المحكم.
لجنة ثنائية: غرفة محركات لتحويل الطموحات إلى واقع
ويتجاوز جوهر ما تم الاتفاق عليه، التصريحات التقليدية، ليؤسس لآلية عمل دائمة ومبتكرة: “لجنة ثنائية” ستكون بمثابة غرفة المحركات لهذا التحالف. هذه اللجنة ليست مجرد هيئة تنسيقية، بل هي طاولة عمل سيجلس عليها خبراء الجامعات وفاعلو القطاعات الحيوية من كلا الجانبين، لتحويل الطموحات إلى مشاريع ملموسة. فالشراكة لم تعد محصورة في القمم، بل تم إنزالها إلى مستوى الخبراء والفاعلين الحقيقيين القادرين على تحقيق النتائج على أرض الواقع.
هذا القرار، يأتي تتويجاً للزيارة المؤسساتية التي قام بها وفد كناري رفيع المستوى هذا الأسبوع إلى جهة سوس ماسة، ضم كلاً من نائب مستشار رئاسة حكومة جزر الكناري، أوكتافيو كارابايو، والمدير العام للعلاقات مع إفريقيا، لويس باديلا. وخلال أجندة عملهم، عقد الوفد لقاءات موسعة مع رئيس مجلس جهة سوس ماسة، كريم أشنكلي، وفريقه، حيث تم وضع حجر الأساس لهذه الآلية العملية.
وقد شدد المراقبون على أهمية هذه الخطوة لتوثيق الروابط وفتح فضاء للتعاون، يستفيد من القرب الجغرافي والتحديات المشتركة. فإنشاء هذه “اللجنة الثنائية” سيمكن من المضي قدماً بشكل منظم وبنتائج ملموسة.
خارطة طريق متعددة الأقطاب: من الاقتصاد الأزرق إلى مونديال 2030
ستناط بهذه اللجنة مهمة تحديد مقترحات ملموسة في قطاعات استراتيجية تشمل الاقتصاد الأزرق، وتدبير المياه، والربط الجوي والبحري، والسياحة، والثقافة، والرياضة. ومن بين المقترحات المطروحة، يبرز إنشاء برنامج مشترك للتكوين السياحي، مستلهم من تجارب ناجحة سابقة، لدمج قدرات المنطقتين وتنويع العرض السياحي ليشمل السياحة الطبيعية والبيئية والثقافية.
وفيما يخص الثقافة والرياضة، تم اقتراح تعزيز الروابط في مجالي الصناعة التقليدية والإنتاج الفني، وإقامة تحالفات بين الفرق الرياضية. ويشكل تنظيم كأس الأمم الإفريقية 2025 بأكادير، وكأس العالم 2030 التي ستكون غران كناريا إحدى مقراتها، إطاراً مثالياً لإبراز هذه التحالفات. إلى جانب ذلك، كشف ممثلو جهة سوس ماسة عن عزم وفد من الجهة التنقل إلى فويرتيفنتورا للمشاركة في المنتدى الدولي للماء والطاقات المتجددة “Africagua”، كخطوة عملية أولى في هذا المجال الحيوي.
أبعاد استراتيجية لتحالف يتجاوز الجغرافيا
وتكتسي هذه المباحثات أهمية استراتيجية بالغة، تتجاوز مجرد التعاون التقليدي، حيث تعكس نجاعة دبلوماسية الجهات كرافعة للتنمية، وهو ما يتماشى مع التوجه الوطني نحو الجهوية المتقدمة. فقيادة جهة سوس ماسة لمفاوضات مباشرة مع حكومة جزر الكناري يمنحها دوراً فاعلاً في رسم مستقبلها الاقتصادي.
كما أن الاتفاق يفتح قناة مباشرة لنقل الخبرة والتكنولوجيا الكنارية في قطاعات مصيرية كتحلية مياه البحر والاقتصاد الأزرق. علاوة على ذلك، يمثل هذا التعاون استثماراً ذكياً للأحداث الرياضية الكبرى (كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030) لتحويلها إلى منصات لبناء تحالفات اقتصادية وثقافية مستدامة.
هذا التقارب إذن يجسد، بشكل عملي، رؤية جلالة الملك محمد السادس للواجهة الأطلسية كفضاء للتكامل، حيث يخلق محور التعاون بين سوس ماسة وجزر الكناري منطقة ازدهار مشترك، ويعزز من موقع المغرب كبوابة لأوروبا نحو إفريقيا، ويرسخ مكانته كفاعل محوري في الفضاء الأورو-إفريقي. الزيارة المرتقبة في يناير المقبل لن تكون نقطة الوصول، بل هي نقطة الانطلاق الرسمية لرحلة تم رسم مفاصل خريطتها، بوضوح، في أكادير.