أزمة اليد العاملة في قطاع الصيد البحري: الأسباب والحلول المقترحة

0
Jorgesys Html test

يشهد قطاع الصيد البحري في المغرب، رغم طابعه الاستراتيجي ودوره المحوري في الاقتصاد الوطني، أزمة حقيقية تتجلى في النقص الحاصل في اليد العاملة، خاصة في صفوف البحارة. هذه الأزمة لم تعد مجرد مشكل مهني عابر، بل تحولت إلى مهدد وجودي، يُعيق استمرارية الإنتاج ويُضعف مردودية الأسطول الوطني، وهو ما يفرض وقفة تأملية جماعية تعيد ترتيب الأولويات، وتُحيي روح المهنة في أوساط الشباب.

إن الحديث عن هذه الأزمة لا يكتمل دون الوقوف على الأسباب البنيوية التي أفرزتها، وعلى رأسها ضعف جاذبية المهنة في أوساط الأجيال الجديدة. فمهنة “البحار” أصبحت مرادفة في المخيال الشعبي للشقاء والتعب وهو وضع تنتصر له التصنيفات الدولية التي تضه مهنة البحار ضمن الأصعب والأخطر ،. ففي ظل محدودية الحماية الإجتماعية، وتدني الأجور، وغياب أفق الترقّي المهني. فكيف يمكن لشاب أن يختار البحر، بينما “الترند” و”الريل” و”البوز” على منصات التواصل الإجتماعي تُغريه بمكاسب سريعة في بيئة أكثر راحة؟

تُفاقم الصورة السلبية، من خلال  ممارسات سماسرة المهنة،  الذين أصبحوا يتحكمون في مصير البحارة كأنهم “وسطاء عبور”، فيبيعون اليد العاملة كما تُباع السلع، ويُقصى الربان أو المقاول الصغير الذي لا يملك “معارِف” في هذه الشبكات. الأسوأ من ذلك، أن عددًا من الشباب يُشتغلون كمياومين، خاصة في المناطق الشمالية، دون دفتر بحري، ولا تأمين صحي، ولا حقوق قانونية، ما يجعلهم قنابل بشرية موقوتة، قد تُفجر مأساة إنسانية ومهنية في أية لحظة ، خصوصا بعذ أن تسربت للقطاع سلوكيات شادة، من قبيل مع وقع مع ملف مركب الصيد ليكلونين قبل أسابيع …

أما الجانب الإداري، فلا يقل تعقيدًا. فالحصول على الدفتر البحري، الوثيقة الأساسية لمزاولة المهنة، يُعد بمثابة “رحلة عذاب” بسبب البيروقراطية، والبطء، وهيمنة المركزية. يضاف إلى ذلك محدودية التأطير والعرض التكويني في المعاهد ، وغياب برامج مرنة تُواكب الواقع المهني المتغير للموانئ والمراكب. فبالرغم من وجود إجتهادات بمعاهد تتكنولوجيا الصيد البحري، إلا أن العرض التكويني لا يزال محدودًا من حيث الكم والتخصصات، كما أن البرامج الحالية لا تواكب دائمًا حاجيات السوق البحرية، ما يخلق فجوة بين التكوين ومتطلبات المهنة.

إن معالجة هذه الأزمة لا يمكن أن تتم بإجراءات ترقيعية أو حلول ظرفية، بل تحتاج إلى مقاربة شمولية تُزاوج بين التكوين والتحفيز والإصلاح العميق. وذلك عبر مجموعة من التوصيات  يبقى منها إعادة تأهيل صورة المهنة، عبر حملات إعلامية ذكية تُبرز أهمية الصيد البحري، ودور البحار في السلم الغذائي والسيادة الاقتصادية. لماذا لا تكون هناك سلسلة وثائقية على القنوات الرسمية، أو محتوى رقمي موجّه للشباب، يربط بين المهنة والهوية الوطنية؟

كما يجب تبسيط مساطر الحصول على الدفتر البحري، وتسريعها عبر الرقمنة واللامركزية، مع ربطها ببرامج التكوين النظري والعملي الميداني في الموانئ. فالمهنة لا تنتظر، وسوق العمل في البحر يُفرغ بسرعة. إلى ذلك ومن التوصيات، يبرز مطلب  إطلاق برامج تكوينية قصيرة ومكثفة لفائدة الشباب غير المشتغلين، في المهارات البحرية الأساسية، تقنيات الصيد، الصيانة، السلامة، وتثمين المنتوج على ظهر المركب.

وبالإضافة إلى ما سبق ذكره،  فلابد من تحفيز المهنيين على استقطاب اليد العاملة عبر دعم مباشر (مادي ولوجستي)، وتسهيلات ضريبية، وربما عقود شراكة بين معاهد التكوين والمقاولات البحرية. فيما تبقى الدولة مطالبة بإعادة الإعتبار للبحار كمواطن له حقوق، لا مجرد أداة إنتاج. فـتحسين ظروف العمل والإقامة والتغذية على متن السفن، وتحديث الأسطول البحري، وتطوير مؤسسات مثل “دار البحار”، من شأنها أن تعيد للمهنة بعضًا من جاذبيتها وبريقها المفقود.

هي كلها توصيات تنسجم مع كون اليد العاملة ليست رقما في تقارير قطاعية، بل هي نبض البحر، وركيزة الاقتصاد الأزرق. واستمرار هذا النزيف في الموارد البشرية يُنذر بما لا تُحمد عقباه، ما لم تتحرك الجهات الوصية بجدية، وتُنصت للمهنيين في الميدان. لأن التحدي اليوم ليس فقط إنتاج السمك، بل إنتاج الثقة في المهنة. والثقة لا تُبنى إلا بالكرامة، والحقوق، والمستقبل الواضح. فهل نمتلك الإرادة السياسية والاجتماعية لإحداث هذا التحول؟

Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا