بقلم : عبد الخالق جيخ
بعد حادثة اختفاء مركب “لاكلونتين”، ها نحن نُفاجأ مجددًا بواقعة أكثر خطورة تمثلت في اختطاف مركب “الحسين” واستغلاله للوصول إلى جزر الكناري، وسط أنباء عن إحباط محاولة أخرى حين اعترضت البحرية الملكية مركبًا مشبوهًا من نوع الصيد بالخيط. هذه الوقائع، التي تتوالى بوتيرة مقلقة، لم تعد حوادث معزولة يمكن تجاهلها أو التقليل من خطورتها، بل تحولت إلى مؤشرات دامغة على وجود اختلالات عميقة داخل المنظومة البحرية، اختلالات تضعنا أمام سؤال مؤلم ومفتوح: من سيكون الضحية القادمة؟
لقد سبق أن نُبّه إلى خطر انزلاق بعض الجهات نحو استغلال مراكب الصيد الساحلي في أنشطة غير قانونية، بعد أن كانت هذه الظاهرة مقتصرة على قوارب الصيد التقليدي، لكن الواقع تخطى التحذيرات، وانفلت من عقال التوقعات. فالأمر لم يعد يقتصر على تهديد مادي أو مهني، بل بات يمسّ أمن الموانئ، ويقوّض استقرار القطاع، ويشوّه صورته لدى الرأي العام الوطني والدولي. إنّ استمرار هذا المسار ينذر بتحول الموانئ إلى منافذ غير آمنة، ويجعل من البحر المغربي ساحة مفتوحة أمام أنشطة قد تتطور نحو أشكال أكثر تنظيماً وتعقيداً.
تكرار مثل هذه الحوادث في ظرف زمني وجيز يكشف عن هشاشة في الحوكمة البحرية، وارتباك في آليات الرقابة، وغياب لليقظة المؤسسية. وعوض الاكتفاء بالمسكنات أو البحث عن كبش فداء، فإن الضرورة تقتضي مبادرات فعلية، تبدأ بعقد دورة استثنائية ومفتوحة لغرف الصيد البحري لمناقشة هذا الوضع الاستثنائي وتقديم مقترحات عملية تتجاوز منطق رد الفعل إلى منطق البناء الوقائي.
كما أن تفعيل الالتزامات القانونية لجميع الأطراف، من سلطات ومجهزين ومهنيين، لم يعد خيارًا، بل واجبًا لا يمكن التساهل معه. فتنظيم حركة المراكب، وعدم السماح لها بمغادرة الموانئ أو الولوج إليها دون ترخيص رسمي واضح، يجب أن يُصبح قاعدة ملزمة، تمامًا كما هو الحال في المطارات. وإذا كنا جادين في صون المجال البحري، فإن تسريع إخراج “مدونة البحر” إلى حيز التنفيذ لم يعد ترفًا تشريعيًا، بل أولوية أمنية واستراتيجية.

الخطير في هذه الأحداث ليس فقط حدوثها، بل التجاهل المستمر لتحذيرات المهنيين والفاعلين، وكأن الأمر لا يعني أحدًا، رغم أن تداعياته قد تتجاوز حدود القطاع لتتحول لتهديد حقيقي للمنظومة الأمنية. لذا فإن من الواجب تقنين حركة المراكب داخل الموانئ بشكل صارم، ومواكبة ذلك بتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للبحارة وحُرّاس المراكب، فهم لا يمثلون فقط الحلقة الأضعف، بل خط الدفاع الأول عن الثروة البحرية، ولهم الحق في الاستفادة من الأرباح المتزايدة لقطاع ارتفعت فيه أسعار الأسماك دون أن ينعكس ذلك على أوضاعهم.
ولن يكون ممكناً حماية المجال البحري ما لم تتم معالجة الأزمة البنيوية التي يعيشها قطاع الصيد برؤية شمولية، تنقذه من التحول إلى قناة موازية للهجرة السرية أو أنشطة التهريب. فالمطلوب ليس فقط رقابة أمنية، بل مشروع متكامل يحصّن القطاع من الداخل، ويعيد الاعتبار للعاملين فيه، ويضع الأسس الصلبة لموانئ آمنة ومنتجة.
إنّ حماية الثروة البحرية لا يمكن فصلها عن حماية من يعملون عليها، وتأمين الموانئ ليس تفصيلاً إداريًا، بل عنصرًا جوهريًا من عناصر الأمن الوطني. ما يتطلب ممارسة مسؤولة، وقرارات تُصان بها أرزاق الناس ويُحمى بها استقرار القطاع. وفي هذا الظرف العسير، لا يسعنا إلا أن نواسي أصحاب المراكب المتضررة، ونتمنى أن يُعوّضهم الله خيرًا، ونأمل أن تُتدارك هذه الاختلالات قبل أن يتعمق الجرح أكثر، وتصبح الكلفة أفدح مما نتصور.
* عبد الخالق جيخ فاعل كنفدرالي سابق في قطاع الصيد الساحلي ومدون مهتم بقضايا القطاع
*البحث والتقصي وبذل الجهد يجلب النزاع.*
الشركاء والفاعلون في القطاع، يتجنبون ذلك ويعيشون بسلام تحت سقف لغة الخشب الظليلة.
بخلاف ذلك يعتبر الوضوح مؤذياً وقد قال أفلاطون إن الحقيقة جاءت عارية فرفضها الناس. يبدو أن لغة الخشب هي حجاب للحقائق الموجعة بغرض تجنب تسميتها.
يقول فيلسوف يوناني قديم “يبدأ درس الفكر بدرس اللغة، ومن فاته درس اللغة فاته درس الفكر”.
ما أخطر أن تتعطل وظيفة اللغة في أي قطاع منتج. في الحياة اليومية، صارت لازمة ” إن شاء الله” تعني أن الوعد لن يتحقق.
وهكذا يتم تحميل المسؤولية لضمير الغائب، من يدمن لغة الخشب واثق دائما أنه على حق.