لم تمر عمليات التفتيش التي باشرتها سلطات المراقبة بميناء أكادير مرور الكرام على سفن الصيد بالتجميد، حيث نجحت لجان التفتيش في ضبط عدد من الشباك غير القانونية المعروفة محليًا بـ”الطرابا”، على متن بعض السفن، مما وضعها في مواجهة عقوبات تأديبية صارمة طبقًا للقوانين المنظمة لقطاع الصيد البحري.
وتندرج هذه العملية في إطار حملات المراقبة الاستباقية التي تقودها مصالح مندوبية الصيد البحري، مدعومة بأطر مركزية، والتي تستهدف سفن الصيد قُبيل انطلاق موسم صيد الأخطبوط. وتهدف هذه الحملات إلى التصدي لمختلف الممارسات المخالفة، خصوصًا ما يتعلق بمعدات الصيد، في وقت شددت فيه كتابة الدولة المكلفة بالصيد على أنها لن تتساهل مع المخالفين، مهددة بعقوبات قد تطال الربابنة، والشركات المالكة، وحتى السفن ذاتها، في مشهد غير معتاد مقارنة بالمواسم السابقة.
السفن المتورطة ستخضع لمساطر تصالحية، إلا أن حيازة هذه الشباك المحظورة تعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون، وتستفز بشكل مباشر مجهودات المراقبة، إذ أن بعض الربابنة لا يترددون في الإقرار باستخدامهم لشباك”طرابا”، رغم محاولات آخرين التستر على الأمر. غير أن تفريغ أنواع محددة من الأسماك يُعد في حد ذاته دليلاً كافيًا على استعمال معدات مخالفة، كما تؤكد تصريحات متطابقة لعدد من الفاعلين في القطاع. ومع ذلك، فإن الإثبات المادي يظل مشروطًا بالعثور على الشباك على متن السفن و المراكب.
وفي ظل تزايد حالات الضبط، تتجه أصابع الاتهام نحو الجهاز الوصي والمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، لتحمل مسؤولية وضع حد لاستخدام الشباك مزدوجة الجيب “الطرابا” بالسواحل المغربية. فعديد من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية أبرزت أن الواقع الميداني يشهد استعمالًا واسعًا لهذه الشباك، خصوصًا أن بعض الأصناف السمكية لا يمكن اصطيادها بالشباك القانونية الحالية، والتي تفرض فتحات ذات قياس كبير لا تتناسب مع تلك الأنواع.
ويعمد بعض المهنيين إلى “خياطة” شباك مزدوجة، حيث يتم دمج شبكة قانونية مع أخرى ذات عيون صغيرة جدًا، في عملية تتحايل على القانون وتضر بمنظومة الاستدامة البيئية للثروة البحرية. وبهذا الصدد، سبق للهيئات المهنية أن راسلت الوزارة الوصية مطالبةً بمراجعة مقاييس الشباك المعمول بها حاليًا، مقترحةً تقليص حجم العيون إلى 60 ملم كحد أقصى لصيد أعالي البحار، و50 ملم للصيد الساحلي. ويؤكد الربابنة أن هذه الخطوة أصبحت ضرورية للخروج من دائرة الاستعمال غير القانوني، وإلغاء الحاجة لاستخدام شباك “الطرابا” التي وُصفت من طرف الفاعلين بـ”الورم السرطاني” الذي يهدد مستقبل المصايد المغربية.
وكان المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري قد وعد إبان مديره السابق عبد المالك فرج، بدراسة هذه التوصيات بمعية الإدارة، آخذًا بعين الاعتبار مختلف الأبعاد المرتبطة بها، سواء من حيث الكلفة البيئية والطاقية، أو من الجانب الاقتصادي والاجتماعي. حيث يبقى السؤال المطروح بإلحاح: هل تلتقط إدارة الصيد البحري إشارات الفاعلين المهنيين؟ وهل ستشهد المرحلة المقبلة مستجدات تنظيمية حقيقية على مستوى معدات الصيد، في ظل النقاش المتصاعد حول مستقبل المصايد المغربية؟
يذكر أن هناك إجماع على المستوى المهني أو مسؤلي الحنطة على أن القطاع هو اليوم أمام لحظة حاسمة، يتطلب خلالها استحضار مبدأ الاستدامة، والاعتماد على البحث العلمي لمواكبة تحديات الواقع البحري، من خلال تقنيات صيد جديدة تراعي الحفاظ على الكتلة الحية وتضمن استمرارية النشاط المهني للأجيال القادمة.