المحيطات الّتي تغطّي 70 % من مساحة الأرض، أصبحت مكبًّا كبيرًا بسماء مفتوحة حيث تتراكم نفايات البشرية من البلاستيك. هذا هو الجدول القاتم الذي ظهر في مجلّة PLOS ONE يوم 10 ديسمبر من خلال دراسة دولية واسعة (الولايات المتّحدة ونيوزيلندا والتشيلي وفرنسا وجنوب إفريقيا وأسترليا).
وتقدّم هذه الدراسة للمرّة الأولى، تقديرًا شاملًا لتلوّث المساحة الجملية للبحار من هذه القمامة. الأرقام مذهلة: 269 ألف طنّ من أكثر 5 آلاف مليار من الجسيمات من مختلف الأحجام. ويشير المؤلفون إلى أنّ تقديراتهم “حذرة جدًّا”، ويمكن أن تعتبر كـ “الحدّ الأدنى”.
التراكم في المحيطات لحطام البلاستيك ـ شظايا من الأكياس والقوارير والعلب والحاويات الأخرى وأيضًا الكريات الصناعية ـ العائمة والّتي وُجّهت من الأرض بفعل الرياح أو الوديان أو تمّ تصريفها في البحر من قبل السفن، عرف منذ أواخر السنوات الـ 1990.
مناطق تجمّع ضخمة تسمّى “الدوّامات المحيطية” تمّ اكشافها في شمال المحيط الهادي ـ ركام من 3.4 مليون كم يسمّى بـ « Great Pacific Garbage Patch » أو “القمامة الكبرى للمحيط الهادي” ـ وأيضًا في جنوب المحيط الهادي وشمال المحيط الأطلسي وجنوبه والمحيط الهندي. ولكنّ كل بحار الأرض ملوّثة. “المواد البلاستيكية والميكروبلاستيكية موجودة في جميع محيطات العالم”، كما يلاحظ الباحثون.
المناطق الساحلية متضرّرة جدًّا
الفريق ـ بقيادة ماركوس أريكسن من معهد Five Gyres Institute في كاليفورنيا ـ قام بتجميع المعطيات الّتي حصل عليها خلال 24 حملة لمسح المحيطات أجريت بين 2007 و2013 في 5 مناطق من “الدوّامات المحيطية”، وأيضًا قرب السواحل الاسترالية وخليج البنغال والمتوسط ثمّ قام بتمثيلها وتحليلها. وقد استخرج العلماء بشباكهم العينات في أكثر من 1500 موقع بالنسبة للفضلات الصغيرة أو قاموا بملاحظات بصرية للأكبر حجمًا.
وتمكّنوا من قياس التلوث من البلاستيك الّذي يمسّ “جميع المناطق المحيطية بما في ذلك الأكثر بعدًا”، ويبدو في الواقع أنّ النفايات لا تتركز فقط في مناطق التجمع حيث إنّ كثافتها “أقلّ من المتوقّع”، ولكنّ المناطق الساحلية أيضًا “متضرّرة جدًّا” خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسّط.
كما تمّ التأكيد على ظاهرة أخرى: التناثر القوي للفضلات، المتفرّقة بسبب الرياح أول التيّارات البحرية. وهكذا حجم الفضلات العائمة على نصف الكرة الشمالي والنصف الكرة الجنوبي نفسه في حين أن الأول ـ الأكثر تصنيعا ـ يستقبل أكثر نفايات. “هذا قد يعني أنّ التلوّث جراء البلاستيك ينتقل أسهل بين الدوّامات المحيطية ونصفي الكرة الأرضية أكثر ممّا ظننا سابقًا”، حسب الباحثين.
أين مرّت الفضلات الدقيقة؟
استنادًا إلى الكمية الجملية المنتجة من البلاستيك حول العالم ـ 288 مليون طنّ في سنة 2012 ـ حجم النفايات الّتي وصلت إلى سطح الماء ـ ألف مرّة أقلّ ـ “ليس كبيرًا جدًّا”، حسب فرنسوا غلغاني من المعهد الفرنسي لبحوث استغلال البحار، والمشارك في هذه الدراسة. هذا يعني أنّ هناك إذن “كمية كبيرة جدًّا في قاع المحيطات”.
ولكن العدد الكبير للجسيمات البلاستيكية العائمة على الموج مقلق؛ لأنّ هذه ستصبح “ناقلات تعزّز نقل الكائنات البحرية ـ البكتيريا ومسببات الأمراض ـ لمسافات طويلة مع عواقب غير معروفة حتّى الآن”.
بقي هناك أمر غامض. إذا ما تمثّل الفضلات الدقيقة (الأصغر من 4.75 مم) 90 % من العدد الجملي للجزيئات البلاستكية، ستكون 100 مرّة أقل ممّا يتصوّر الباحثون. أين مرّت؟ هناك عدّة فرضيات: التحلّل بواسطة الأشعة فوق البنفسجية أو التحلل العضوي أو ابتلاعها من قبل كائنات حيّة بحرية أو إلقاؤها على الساحل وغيرها.
ما هو مؤكّد هو أنّ البلاستيك المتواجد منذ مئات السنين يلوّث “النظم الإيكولوجية للمحيطات جميعها بما في ذلك الكائنات البحرية والعوالق الحيوانية والأنواع الّتي تعيش في الرواسب”، حسب ماركوس اريكس. وأضاف أنّ بإمكانها “تركيز الملوّثات العضوية وتغيير سير وظائف السلسلة الغذائية”.
وبيّنت دراسات سابقة أنّ فضلات البلاستيك المجزّأة والمختلطة مع المياه، يتمّ استهلاكها من قبل المئات من الكائنات (السلاحف والأسماك والطيور والثدييات)، مما تسبّب في الإصابات والتسمّم والاختناق.
المصدر: جريدة لوموند