لن يختلف إثنان بأن كل سلعة تمتد لها يد الوسيط ترتفع أثمنتها تماشيا مع منطق العملية التجارية، لكن لا يمكن التعميم بأن كل وسيط هو شناق كما يحلو للبعض توصيفه، فهناك من يقنع بالقليل وهناك من يطمع في الكثير حسب طبيعة كل وسيط. لكن ما يجب الوقوف عنده أن أثمنة الأسماك غير مسعرة ومحفوفة بحرية الأسعار والمنافسة، وبالتالي يحكمها قانون الطلب والعرض، الناجم بالدرجة الأولى عن عدم إستقرار الوسط البحري ، فالسردين الذي إجتاحت منشوراته مواقع التواصل الإجتماعي بأثمنة وصفت من طرف البعض انها ضرب من الجنون بين 4 و5 دراهم، حولت منطق الحقائق ، واصبح صاحبها بطلا شعبيا تجري في مقصده الركبان. ببل أن ما ينطق به أصبح يكتسي طابع الحقيقة ، وجعل منه البورصة التي توجه الأثمنة ، وهي وضعية غير صحيحة ، وللإشارة فنحن هنا لانحاسب أحدا ولا نحرض ضد أحد، كما لا نجرم فعلا ، وإنما ما يهمنا هو الظاهرة في عمقها وإمتدادتها .
فقد أجمع المهنيون أن أثمنة المواقع مجرد سحابة صيف، وحالة إستثناء، إذ في عرف الفقهاء الشاد لا يقاس عليه ، وبالتالي فأثمنة 5 دراهم التي تقوقعت في بعض المناطق مع بداية الشهر الفضيل، تطورت إلى 8 و10 و13 درهما بل أنها وصلت إلى 20 درهما في كثير من المناطق وقد تكون تجاوزت ذلك، وهي وضعية، لن تكون دائما ناجمة عن جشع الوسطاء، بل ان السردين يخرج من مجموعة من الموانئ بأثمنة مرتفعة، نتيجة السياقات المصاحبة ، كما هو الشأن للجودة والظروف الجوية التي عاشت على وقائعها السواحل المغربية، في هذا الأسبوع ، والتي كان من إمتداداتها إغلاق بعض الموانئ ، بل منعث الكثير من الأطقم من الإبحار في موانئ أخرى، إتقاء للظروف الصعبة وحماية للأرواح والمكتسبات، وبالتالي العرض سيتراجع والأثمنة ستلتهب.
السؤال المطروح اليوم، إلى أي حد سيستطيع النقاش الدائر اليوم حول الأسماك تزامنا مع الشهر الفضيل. والذي أصبح الشغل الشاغل لكل المتتبعين والمهتمين بما في ذلك نواب الأمة بالبرلمان وأهل الساسة والسياسة، الصمود لتحفيز إصلاح جوهري يمر عبر تسمية الأمور بمسمياتها، بعيدا عن التراشق بالتهم بين هذا الطرف أو ذاك، فالواقع يؤكد أن الفساد يعيس في جلباب الفوضى، وأن منطق الريع تغلغل في الأعراف ، بالنظر للكثير من الإنفلاثاث الحاصلة على مستوى سلسلة القيمة، وهي وضعية ناجمة في جانب عنها تقديم بعض التنازلات على مستوى البيع الأول في الموانئ وتوهج العلاقات بين المراكب والتجار، إذ أن كثير منها يربطها الزواج العرفي الذي يبقى صداقه الصناديق البلاستيكية، وما يصاحب ذلك من بيع ثاني داخل الميناء، ناهيك عن غياب النصوص المنظمة ما بعد البيع الأول، على مستوى تجارة الجملة والتقسيط ، والتفصيل في ماهية وطبيعة الفرقاء المنشطين للعملية التجارية في مختلف المراحل التي يتطلبها هذا النشاط ، وتحديد معطياتها التقنية، وحدودها الجغرافية، التي تختلف بين المحطات الثلاثية المذكورة.
ويبقى السؤال المطروح هل تملك كتابة الدولة المكلفة بالصيد الجرأة في تحريك المياه الراكضة ، ومعها المكتب الوطني للصيد، والخروج من محطة الجملة والنزول لأسواق التقسيط، بما يتطلبه ذلك من إرادة تشريعية ومشاريع مهيكلة، في شراكة مع الوزارت المتدخلة والجماعات الترابية، تضمن تتبع سلسلة القيمة من الميناء وصولا إلى المستهلك. إذ يحفز هذا السؤال ما كشفته، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري مؤخرا في تفاعل مع سؤال برلماني، أن الجهات المختصة تسهر حاليا على تنفيذ برنامج لإنجاز 7 أسواق للبيع بالتقسيط في بعض الأقاليم.
وتروم هذه الخطوة في عمقها ضمان تتبع سلسللة البيع من المصايد إلى المستهلك، خصوصا وأن الكثير من الأصوات ظلت تؤكد على ضرورة تدارك الفراغ الحاصل على مستوى تدبير عمليات تجارة السمك ما بعد أسواق الجملة. حيث يرى الفاعلون أن التوجه نحو تعزيز البنيات التحتية لأسواق الإستهلاك ، وإحاطتها بالإهتمام اللازم، لاسيما على المستوى التشريعي، بما يضمن تتبع العملية التجارية من البيع الأول تم أسواق الجملة تم أسواق الإستهلاك، سيختزل على الفاعلين المهنيين والمنتسبين الكثير من الجهود على مستوى سلسلة القيمة، كما سيعزز شفافية المعاملات، ويتصدى للسلوكيات الشادة التي ظلت تخدش جهود الإصلاح سواء في الموانئ أو أسواق الجملة وما بعدها وصولا للمستهلك.
ويتوفر المغرب حالياً على 70 سوقاً للبيع الأولي للأسماك بالجملة، منها 14 سوقاً من الجيل الجديد، بالإضافة إلى 10 أسواق للبيع الثاني بالجملة، وسوقين في طور الإنجاز. فيما يطالب الفاعلون المهنيون الجهات المختصة بتتبع قناة التسويق وصولا لأسواق الإستهلاك، لمحاربة المظاهر السلبية التي تضر بالبيع بالتقسيط.