احتضن مقر المكتب الوطني للصيد البحري بالدار البيضاء، اليوم الأربعاء 3 شتنبر 2025، اجتماعًا هامًا بين المديرة العامة للمكتب وممثلي الكونفدرالية الوطنية لتجار السمك بالموانئ والأسواق المغربية، يتقدمهم عبد اللطيف السعدوني، رئيس الكونفدرالية، وعدد من الفاعلين في تجارة السمك الصناعي المؤطرين في الكنفدرالية، وذلك لمناقشة التحديات الراهنة المتعلقة بتفعيل نظام الدلالة بمراكز الفرز، خاصة فيما يخص صنف السردين لاسيما بعد التطورات التي عرفها هذا الملف لدى مجلس المنافسة.
اللقاء الذي وُصف بـ”الجاد والمسؤول” يأتي في ظرفية دقيقة، بالنظر إلى الإكراهات التي يعرفها القطاع، وعلى رأسها التحديات التنظيمية واللوجستيكية التي تحاصر تفعيل عملية الدلالة. وقد شكل مناسبة لطرح مجموعة من الإشكالات التقنية والقانونية والعملية التي تؤرق المهنيين، كما عبّر عن ذلك السعدوني، الذي شدد على أن اللقاء كان ثمرة عمل استباقي انطلق من لقاء تحضيري بأكادير، حيث تم الاتفاق على عدد من النقاط بإجماع الفاعلين المهنيين .
أسئلة حارقة وإشكالات مركبة
أجمع التجار خلال الاجتماع وفق السعدوني على أن الظروف الحالية لا تسمح بتفعيل ناجع للدلالة، نظراً لعدة عوامل، من بينها ضعف الإمكانيات الداعمة بمراكز الفرز، وتحديات الرقمنة على مستوى المزادات ، وتعدد الإشكالات المرتبطة بالجودة، والضمانات المالية، وأيضًا غياب ميثاق داخلي منظم يُحتكم إليه من طرف كافة المتدخلين.
ومن بين القضايا المطروحة بقوة: يؤكد رئيس الكنفدرالية الإشكال القانوني في تفعيل الدلالة بموانئ الجنوب، والاختلالات التي تعرفها عمليات البيع الأول، لا سيما ما يتعلق بالتمييز في تطبيق الدلالة بين موانئ مختلفة، وبالخصوص سفن RSW ومفرغات الأسماك السطحية ببوجدور. حيث أن تففعيل الدلالة من المفروض أن تطال مختلف الأساطيل وكذا كل الموانئ التي تعرف تفريغ الأسماك السطحية الصعيرة .
كما أثار التجار عملية البيع بعد البيع الأول على مستوى مركز الفرز، بالنظر لعدم إنسجام الأحجام والجودة في المفرغات، ما يضع التجار أمام حتمية هذا النوع من التجارة ، إلى جانب إشكالية “الخاوي” أو الصناديق البلاستيكية، والتي تُعد ركيزة لوجستيكية أساسية في عمليات والتسويق. وطالبوا بضرورة توفر التاجر على صناديقه الخاصة، معتبرين أن البطاقة المهنية وحدها لا تكفي لضمان الجدية والمهنية في الممارسة التجارية. كما تم التأكيد على تحصين الممارسة المهنية بضمانات مالية في غاية الأهمية تكون مفتاحا لولوج مركز الفرز ، لمنع أي إنفلات أو خرج عن النص .
رقمنة المزادات… بين التحدي والضرورة
الجانب الرقمي كان بدوره محط نقاش حاد يقول السعدوني ، حيث عبّر المهنيون عن رفضهم القاطع للممارسات التي تُربك سير المزادات، وعلى رأسها المشاركة عن بعد بطريقة غير قانونية، من خلال تسريب كلمات مرور التطبيقات الخاصة للمزاد الرقمية لتجار آخرين الحاملين للبطاقة المستخرجة، وهو ما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص ويُضعف الثقة في المنظومة.
كما تطرق الفاعلون وفق ذات المصدر إلى التحديات التي تواجه التجار في إستعمال هواتفهم الخاصة في المزادات الرقمية ، وما يواجهها من صعوبات تقنية طارئة . وفي هذا الصدد، اقترح التجار اعتماد جهاز رقمي خاص بكل تاجر ، يستعمله بشكل حصري والإحتفاظ به داخل المركز ، لضمان الشفافية وتفادي التشويش، مع التزام المشاركين بالحضور الفعلي داخل المركز. حيث قدم التجار وعود بتحملهم أعباءه المالية.
المديرة العامة: المكتب الوطني معني بخدمة الجميع
عبرت المديرة العامة للمكتب الوطني للصيد البحري، في ردها على تساؤلات المهنيين، يقول رئيس الكنفدرالية، عن تفاعل إيجابي مع المطالب المطروحة، مؤكدة أن المكتب حريص على توفير مناخ أعمال منصف وعادل، يخدم مصالح جميع الفاعلين في السلسلة الإنتاجية من مجهزين وتجار ووحدات صناعية، وصولاً إلى المستهلك.
وقد قدمت المديرة العامة يضيف المصدر الكنفدرالي، توجيهات مباشرة للأطر التقنية والتجارية بالمكتب من أجل تفعيل توصيات الاجتماع، والانكباب على معالجة الإشكالات المرتبطة بالجودة، والرقمنة، والولوج إلى مراكز الفرز. مع إقتراح إنعقاد اجتماع كل أسبوعين لتتبع تفعيل المخرجات ، وخلق الأجواء المناسبة للدلالة ، لاسيما وأن المكتب يجد نفسه مرغما على تفعيل هذا الخيار، لتلافي عقويات مجلس المنافسة .
الدلالة: مبدأ لا خلاف عليه.. ولكن بشروط..!
عبد اللطيف السعدوني شدد على أن التجار لا يعارضون مبدأ الدلالة، بل يؤمنون بأنه أساس الشفافية والنزاهة في المعاملات. إلا أن تنزيل هذا النظام يتطلب مقومات واقعية، وتدبيرًا منصفًا يأخذ بعين الاعتبار كافة الشروط، خاصة في ظل تغير المعطيات المرتبطة بالسوق، ومنها شح المفرغات وتفاوت العرض بين الموانئ.
وأوضح السعدوني أن الدلالة، حين تم اعتمادها تاريخيًا، كانت وسيلة لحماية المنتوج البحري وضمان عائدات المجهز والبحار، في وقت كانت فيه الطاقة الاستيعابية للمصانع ضعيفة مقارنة بحجم العرض. وهو ما جعل المهنيين آنذاك يتوافقون على أثمنة مرجعية لحماية التوازن في السوق، وليس للتحايل على القانون.
وسجل المصدر أن إعتماد اثمنة مرجعية، فرضته الضرورة ، خصوصا وأن العقود الماضية كانت تعرف وفرة في المفرغات، وهي وضعية كانت تتسبب في إنهيار الأثمنة غلى أدنى مستوياتها ، كما أن غالبية المفرغات في حالة الوفرة ، كانت تجد طريقها لمعامل الدقيق، وبالتالي فالتوافق على اثمنة مرجعية ، كانت بغية حماية مصالح المجهزين والبحارة على الخصوص من تهاوي الأثمنة وكذا وجهة دقيق السمك .
دعوة إلى ميثاق داخلي وتخليق الحياة التجارية
دعا رئيس الكونفدرالية إلى تفعيل ميثاق داخلي صارم داخل مراكز الفرز، ينظم العلاقات التجارية ويمنع الممارسات غير المهنية، مثل “رفع الأثمنة فقط لعرقلة المنافسين” أو “الشراء الوهمي” ما يفرض إعتماد ضمانات مالية قادرة على تخليق الممارسة. كما شدد على ضرورة تطهير المهنة من الدخلاء وضمان الولوج وفق شروط واضحة، أهمها الضمانات المالية واللوجستيكية، بما يعيد الاعتبار لمراكز الفرز كفضاء منظم وشفاف.
وعرف الاجتماع، الذي شهد تفاعلاً لافتاً من المديرة العامة للمكتب الوطني للصيد، جملة من التوصيات والتعهدات ، أبرزها إعادة النظر في شروط الولوج لمراكز الفرز، ومعالجة إشكالية الصناديق، وتفعيل رقمنة المزادات بشكل قانوني وآمن، مع ضرورة إشراك كافة الفاعلين في بلورة حلول عملية.
وكان السعدوني قد أشار أن الكونفدرالية تضع يدها في يد المكتب الوطني للصيد من أجل خدمة القطاع، لكن بالمقابل تطالب بتدبير شفاف، يراعي العدالة بين التجار والجهات، ويضمن استقرار المنظومة، بما يخدم الاقتصاد الوطني ويحافظ على الثروات البحرية.