شكل الحضور القوي للتمثيليات المهنية وهيئة التكوين البحري في إستقبال الوزير محمد صديقي أمس الإثنين على مستوى المعهد العالي للصيد البحري بأكادير، لحظة فارقة في تاريخ قطاع التكوين البحري العالي، بما يحمله ذلك من إشارات قوية، تؤكد الإجماع الحاصل على مستوى الإرتقاء بالتكوين وإعطاءه دينامية جديدة في إتجاه جعل هذا الورش المفتوح، المحرك الأساسي للقطاع، بما يحمله ذلك من توجهات إسترتيجية إنسجاما مع الخطاب الملكي الآخير الذي دعا إلى تحفيز الإستثمار في قطاع الصيد والإقتصاد الأزرق.
ولأن أكثر المتفائلين حسب تصريحات محسوبة على أسرة التكوين بالمعهد لم يكن يتوقع حضور مسؤل بهذا المنصب رغم الوعود السابقة قياسا على العقدين الآخيرين، لاسميا بما حمله هذا التواجد من إمتداد زمني غاية في الأهمية والإشارات، فنحو اربع ساعات من الزمن قضاها الصديقي في حضرة المعهد وأسرة التكوين، هي خطوة تحسب له كرجل سياسة، لأن هذا المشهد لم يتكرر كثيرا على مستوى المعهد العالي في العقدين الآخيرين، وهي الزيارة التي زاد من إشعاعها الحضور الإداري القوي تتقدمه الكاتبة العامة لقطاع الصيد زكية الدريوش وكذا الحضور المهني اللامع، ما أكسب الزيارة حق التأسيس لمرحلة جديدة تنسجم مع التموقع الذي أصبح يحتله المعهد العالي. هذا الآخير الذي يعتبر حاليا حسب الوزير محمد صديقي، ضمن مؤسسات التعليم العالي الرائدة في مجال تكوين أطر عليا على المستوى الوطني والافريقي والدولي، في المجالات المرتبطة بقطاع الصيد البحري، في جوانبه المتعددة المتعلقة بالتكنولوجيا والإدارة وتقنيات الصيد وتثمين المنتجات البحرية، وكذلك تربية الأحياء المائية.
وقد شكلت الساعات الأربع على مستوى المعهد محطة للنقاشات المرتبطة بالتكوين، بمعية والي الجهة ورئيس الجهة، وبالحضور القوي لرئيس جامعة غرف الصيد البحري بمعية فؤاد بنعلالي رئيس غرفة الصيد البحري الأطلسية الوسطى، والمستشار البرلماني عن قطاع الصيد البحري كمال صبري، وتوفيق الجندي رئيس جمعية مجهزي الصيد في أعالي البحار، ومحمد أمولود رئيس الكنفدرالية الوطنية للصيد الساحلي، وعبد الكريم فوطاط رئيس الكنفدرالية المغربية للصيد الساحلي وعبد الله بليهي رئيس الكنفدرالية الوطنية للصيد التقلدي، إلى جانب ثلة من أعضاء الغرفة الوسطى وعدد من المسؤوولين رفيعي المستوى والمستثمرين في قطاع الصيد ..
وتم التأكيد ضمن المباحثاث التي عرفتها الزيارة على الدور الإسترتيجي الذي يلعبه المعهد، وكذا الوقوف عند الإنجازات والتقدم الذي تم تحقيقه لرفع مستوى التكوين، فضلا عن الرؤية الاستراتيجية لتجويد منظومة التكوين من خلال الإصلاح الهيكلي، وخاصة إعادة هيكلة شبكة مؤسسات التكوين المهني البحري من أجل تدبير وحكامة جيدة، والعمل على تطبيق بنود المواصفة والمعايير الخاصة بجودة التكوين داخل المؤسسات(ISO) وكذلك رقمنه عملية التكوين (Digital learning).
ولم يتوقف هذا النشاط الذي مر في جو طلابي وبرتكولي يحكمه القانون الداخلي للمؤسسة، وتتخلله السعادة والفرح التي أشهرتها مكونات المعهد، لم يتوقف عند مجرد تسليم الشواهد للخريجين والجوائز للمتفوقين، بل عكس بحق الصورة الحقيقية للتكوين العالي في قطاع الصيد، من خلال طريقة تقديم الحفل، حيث أبداع كل من الطالب والطالبة الذين كلفا بهذه المهمة وفق سياسة مقاربة النوع في تنسيق الفقرات وتقديمها ، بشكل خال من الرهبة وبحضور وكاريزما تستحق التنويه، ما يؤكد أن المعهد يعتمد أساليب مهمة في تعزيز التواصل والخطاب، كما ان الحفل تضمن التوقيع على أربع إتفاقيات غاية في الأهمية بالنظر لأطرافها، والتي من المنتظر ان يكون لها الأثر الإيجابي في سياق الإرتقاء بالمؤسسة التكوينية، وتوفير فرص للتدريب سواء على مستوى سفن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، أو بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة ، وفتح فرص للخريجين للإنفتاح على مواصلة التكوين العالي من خلال الإتفاقية الموقعة مع جامعة إبن زهر، بل أكثر من ذلك فهناك إتفاقية رابعة تهم الغوص وإكتشاف الأعماق. وهي كلها معطيات غاية في الأهمية في إتجاه إنفتاح المعهد العالي على محيطه وتطوير إمكانياته.
فأكيد ان هذه المحطة الجديدة في تاريخ المعهد ، بإحياء نشاط بهذا الحجم وهذه القوة الإشعاعية، التي وضعت أسرة المعهد أمام إختبار حقيقي، قد نكون قاسين إن نحن أهملنا مجموعة من المقومات في تقيميه أو تعداد هفواته البروتوكولية بما صاحب الحفل التأسيسي من إحتجاجات تقويمية، وبالتالي فلا مجال هنا للمحاسبة لكون المحطة هي تؤسس لفكر جديد، وعقلية غاية في التحفيز والدينامية بناء على إجتهاد قد يصيب فيه الفرد وينال أجرين وقد يخطأ فيجازى بأجر واحد ، خصوصا وأن لقاءات من هذا الحجم تحتاج لتخطيط مسبق وبرمجة دقيقة يتم إعدادها بالميلمتر، لإعطاء زاوية لمختلف المتدخلين والحضور، لكن فوق طاقتك لا تلام، والقادم سيستمد قوته من المكتسب الجديد، الذي سيتحول إلى تقليد سنوي سيتحمل الوزير مسؤلية إحياءه، بما يحتاجه الحدث من أليات تأطيرية وتنشيطية ضمن البرنامج الإشعاعي للمعهد.
أكيد أن عيوننا لمحت مجموعة من التحديات سنحتفظ بها لأنفسنا وسنضعها طبعا كملاحظات بين أيدي المنظمين، من أجل إثراء النقاش وتحفيز المجهود، لكن هذا لن ينقص على اي حال، شيء من حقيقة ما بدلته إدارة المعهد والخريجين ومعهم مديرية التكوين البحري، وبشكل أكبر أهل المهنة الذين كانو أكثر سخاء بمواكبة حضو وزيرهم، طيلة ساعات من الزمن، كانت كافية بإنتزاع مجموعة من الوعود والتوصيات، في إتجاه الإرتقاء بالمشهد التكويني، لما يخدم المهنة والمهنيين. فهل ينجح الوزير صديقي ومعه مديرية التكوين في تكرسي لقاء المعهد العالي للصيد البحري مع كل دخول جامعي، وهو الذي وعد أطر المعهد بالجلوس لطاولة الحوار لمناقشة وضعية الأطر البشرية، وهي إشارة قوية عن رضى رجل السياسة على ما ينجز بالمعهد، الذي تطور من معهد لتكنولوجيا الصيد إلى معهد عالي، وهو اليوم يحتفي بخريجه في سلك الماستر، ويناقش بجدية إطلاق تكوينات الدكتوراه وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.