تحتفل الأسرة البحرية الدولية، في الخامس والعشرين من سبتمبر 2025، باليوم العالمي للبحر، الذي يُعد محطة سنوية بارزة للتذكير بالدور الحيوي الذي تضطلع به البحار والمحيطات في دعم الاقتصاد العالمي، وتعزيز التنمية المستدامة، وصون البيئة البحرية. ويحمل احتفال هذا العام من طرف المنظمة البحرية الدولية، شعار “محيطنا، مسؤوليتنا، فرصتنا”، وهو شعار يُجسد عمق الارتباط بين الإنسان والمحيط، ويدعو إلى ترسيخ روح الالتزام الجماعي تجاه حماية هذا المورد الحيوي، واغتنام الفرص التي يتيحها من أجل مستقبل مستدام وآمن للبشرية جمعاء.
وتأتي هذه المناسبة في ظل تنامي التحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه المحيطات، وفي مقدمتها التغيرات المناخية، والتلوث البحري، والتدهور البيئي، ما يستدعي تكثيف الجهود الدولية لتنسيق العمل البحري وتفعيل الالتزامات المترتبة على مختلف الفاعلين في هذا المجال. ويؤكد شعار هذا العام على أن المحيط ليس مجرد مجال جغرافي أو اقتصادي، بل هو مسؤولية مشتركة وفرصة استراتيجية ينبغي استثمارها من خلال الحكامة الرشيدة والتعاون المتعدد الأطراف. ويكتسي هذا التوجه أهمية خاصة بالنظر إلى أن أكثر من 80% من حجم التجارة العالمية يتم عبر البحر، ما يجعل من قطاع الشحن ركيزة أساسية للاقتصاد الدولي، وفي الوقت نفسه مسؤولًا مباشرًا عن الإسهام في حماية البيئة البحرية وضمان استدامة الموارد المحيطية.
وتبرز المنظمة البحرية الدولية، من خلال احتفالها بهذه المناسبة، التزامها المتواصل بدعم الجهود الرامية إلى تحقيق التوازن بين نشاط الشحن البحري والمحافظة على البيئة. وقد أرست المنظمة، عبر أطرها التنظيمية والتشريعية، منظومة متقدمة تهدف إلى ضمان بحار نظيفة وآمنة، تشمل حزمة من التدابير التقنية والقانونية والتكوينية التي تستفيد منها 176 دولة عضوا. وفي هذا السياق، تواصل المنظمة دعم مبادرات المساعدة التقنية وتعزيز قدرات الدول النامية في مجال الحوكمة البحرية، بما يساهم في بناء قدرات وطنية قادرة على مواجهة التحديات البيئية في الفضاء البحري.
ويتقاطع موضوع هذا العام مع دينامية دولية أوسع نطاقًا، تشمل اعتماد اتفاق الأمم المتحدة بشأن حفظ التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية، ومفاوضات إعداد صك دولي جديد لمكافحة التلوث البلاستيكي، إلى جانب انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيط في يونيو 2025، ما يفتح آفاقًا واعدة لتعزيز الالتقائية بين الجهود الوطنية والدولية في أفق تحقيق إدارة مستدامة للمحيطات.
وفي إطار المبادرات المواكِبة للاحتفال، ستُضاء المعالم البارزة في عدة دول، بما في ذلك مقر المنظمة البحرية الدولية بلندن، الذي سيُضاء باللون الأزرق مساء يوم 25 سبتمبر، في إشارة رمزية إلى الالتزام الجماعي بحماية المحيطات. وقد دعت المنظمة الدول الأعضاء والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ذات الصفة الاستشارية إلى الانخراط في هذه المبادرة، لتأكيد الطابع الكوني لهذه المناسبة، ورسالة التضامن العالمي من أجل محيطات نظيفة، وآمنة، ومستدامة.
ويُشكل اليوم العالمي للبحر فرصة لتجديد الوعي بأهمية المحيط في حياتنا اليومية، ولبناء رؤية جماعية قوامها الشراكة والالتزام والتضامن، من أجل مستقبل بحري يصون التوازن البيئي، ويضمن الحق في التنمية للجميع، في إطار رؤية شاملة تُزاوج بين النمو الاقتصادي وحماية الكوكب.