كبار مسؤولي القطاع يجتمعون في المغرب لاستعراض التبدّل المتسارع للممارسات وأنماط التجارة مع نضوج صناعة تربية الأحياء المائية
تتجمع في مدينة أغادير المغربية وفود رفيعة المستوى من وزارات الثروة السمكية، ممثلةً لأكثر من 50 بلداً لعقد اجتماع قمة مع كبار اللاعبين في هذا الصناعة ومناقشة الاحتياجات الناشئة لدى البلدان من أجل حوكمة هذا القطاع الذي يوفر للعالم نحو 17 في المائة من البروتين الحيواني ويمدّ البلدان النامية بعائدات تصدير تتجاوز صادرات اللحوم والتبغ والأرز والسكر معاً.
وتفرض عولمة تجارة الأسماك، مدفوعةً على الأكثر بالنمو السريع لتربية الأحياء المائية… احتياجاتٍ تنطوي على تحديات الأخذ بقواعد وممارسات أفضل فيما يتعلق بتتبُّع المنشأ، وظروف العمل، وحماية التنوع البيولوجي، وكذلك تدابير الاستعداد التجاري إزاء تحوّلات الطلب الاستهلاكي، بل وعادات الاستهلاك، والانتشار السريع لمنافذ “السوبر ماركت” وسلاسل التوريد المشتركة معها، ناهيك عن آثار تغيّر المناخ.
وفي تقدير الخبير أودون ليم، نائب المدير المساعد لدى “فاو” لقسم مصايد الأسماك وسياسات تربية الأحياء المائية ومواردها وأمين اللجنة الفرعية المختصة بتجارة الأسماك- التي تعقد في إفريقيا للمرة الأولى اجتماعها الاعتيادي لفترة العامين، فإن “تجارة الأسماك ذات أهمية تفوق بكثير ما يُعتقد، سواء بالمفاهيم المطلقة أو النسبية”.
[youtube_sc url=”https://youtu.be/x01eHBdRYwU”]
وأوضح خبير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن المباحثات التي تدوم أسبوعاً لاجتماع قمة المغرب سيساعد “فاو” وبُلدانها الأعضاء، وممثلي الصناعة على الإحاطة بالاتجاهات الجديدة والفرص والتحديات في قطاع صيد الأسماك، وتطوير استراتيجيات يمكن أن “تضع البلدان النامية في أفضل وضع بالنسبة لتطوير قطاع المصايد على نحو مستدام، والاستفادة اقتصادياً من نموه المتوقع”.
تمكين تتبع المنشأ
ويبدو الوزراء أيضاً مُتجهين إلى الاتفاق في أغادير على المبادئ التوجيهية التقنية المقترحة من قبل “الفاو” لخطط توثيق المصيد، وهي مجموعة من الوثائق التي تشهد على الأصل القانوني للصيد (المنشأ)، إلى جانب تسهيل إمكانية تتبع المنتج في جميع أنحاء سلسلة التوريد. ويمكن أن يصبح ذلك أداة قيّمة للحد من الصيد غير القانوني، كهدف تتبناه الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونظراً إلى أن إنتاج الأسماك وتصنيعها واستهلاكها كثيراً ما يتم في بلدان مختلفة عن بعضها البعض، فإن التعاون والتنسيق الدوليين يكتسبان أهمية بالغة لضمان نجاح هذا الجهد، علماً بأن مشاركة القطاع الخاص مع مشروع “الفاو” بشأن خطط توثيق مصيد التونة كمثال أحرز نجاحاً فاق التوقعات، مما يعكس اهتمام الصناعة بالامتثال لأهداف الاستدامة.
كذلك فإن اتفاقية منظمة “فاو” المبرمة بشأن تدابير دولة الميناء لمنع وردع والقضاء على الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم- التي صادق عليها إلى الآن 21 دولة، وتمضي في طريقها لجمع 25 تصديقاً قطرياً مطلوبة كي تدخل حيز التنفيذ القانوني الكامل وفق قواعد لجنة مصايد الأسماك لدى “فاو”- تعتبر ذات أهمية جوهرية لهذه الجهود باعتبارها تجمع شمل المنتدى الحكومي الدولي الذي يتأهب للاجتماع في هذا الشأن بمقر المنظمة خلال يوليو/تموز.
والمنتظر أن يجري التركيز أيضاً على مواءمة متطلبات إصدار الشهادات للصادرات السمكية إلى الأسواق الدولية الرئيسية، حيث أصبح المستهلكون فضلاً عن تجار التجزئة أكثر يقظة واحتراساً بالنسبة لاعتبارات الجودة والسلامة والاهتمامات الشرعية.
وتُعدّ خدمة هذه الأسواق المربحة على نحو مستدام بالغة الأهمية بالنسبة للبلدان النامية، حيث يجري إنتاج معظم الأسماك اليوم- سواء من الصيد الحر أو التربية في الأقفاص أو البرك الزراعية. وفي عام 2014 تضاعفت التجارة الدولية للأسماك والمنتجات السمكية خلال عقد إلى 144 مليار دولار، ومن هذه الكميات صدّرت البلدان ذات الدخل المنخفض ما قيمته 78 مليار دولار خلال 2014، أي أكثر من ثلاثة أضعاف قيمة صادرات الأرز العالمية.
ثورة في تربية الأحياء المائية
ويعود جزء كبير من دينامية القطاع إلى تربية الأحياء المائية، التي تضاعف انتاجها أكثر من ثلاثة مرات إلى 78 مليون طن خلال السنوات العشرين الماضية، مما يجعلها القطاع الأسرع نمواً في العالم لإنتاج الغذاء.
وفي حين أن معظم المزارع السمكية تقع في آسيا، فإن أعلى معدلات النمو التي سجِّلت في مجال تربية الأحياء المائية خلال الآونة الأخيرة شوهدت في إفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى، حيث يمكن أن تصبح أي مساهمة هامشية للقطاع في تحقيق الأمن الغذائي أعلى من أي مكان جغرافي آخر… تحديداً باعتبار أن متوسط استهلاك الفرد من الأسماك في هذه الأقاليم الناشئة ظلّت منخفضة.
ويكمن أحد الأسباب التي قادت تربية الأحياء المائية إلى تغيير ديناميات الصناعة في طرق الإنتاج المتبعة- فهي أقل عُرضة بكثير للتقلبات الموسمية من الصيد في عرض البحر. كذلك تتيح هذه الصناعة توفير التأمين أو الائتمان- فهنالك الآن مثلاً سندات آجلة لسمك السلمون- بل والحلول التجارية المصممة خصيصاً للظروف مثل ضمان الإمداد بسمك السلمون المحتوى على دهون أعلى والملائم لأغراض المعالجة بالتدخين.
وتتيح تربية الأحياء المائية، بإيقاعاتها القابلة للتنبؤ إمكانيات التركيز على المزيد من المنتجات القياسية… ويمكن أيضاً أن توفر نُهجُاً أكثر تكثيفاً لسلاسل التوريد وأطول أجلاً. وإن أديرت بكفاءة، يمكن خفض الخسائر إلى الحد الأدنى، وضمان السلامة الغذائية، وتعزيز الاستثمارات في مرافق التخزين على البارد وتحفيزها، مما يمكن محلات السوبر ماركت التخطط للشراء وضمان عمليات التوريد.
كما تظهر اتجاهات مستجدة لتحوّل هذه الصناعة إلى هيكل عمودي على أيدي عدد أقل وإن كان أكبر حجماً من الأطراف التجارية، لتطوير عمليات إنتاج من أنواع الجمبري، والبلطي، وسمك السلمون الأطلسي وباس البحر الأوروبي والدنيس. ويمكن وفقاً لخبير “الفاو” أن يوفر ذلك المزيد من الاستثمارات لاستراتيجيات التربية، والنقل، والإمداد، والتسويق، وتمايُز العلامة التجارية المنتقاة.
بل وفي إمكان هذه البنية التحتية المطوَّرة للتوزيع أن تنعكس بالفائدة على المصايد الطبيعية أيضاً، والتي تواجه ضغوطاً متنامية لتبني الممارسات المستدامة- مثل أساليب المعالجة الأفضل، والحد من المرتجع والنفايات. وتتعاون الحكومات في جميع أنحاء العالم الآن للحد من عمليات الصيد غير القانونية والقضاء عليها من خلال اعتماد قواعد أفضل وتحسين إنفاذها. وبصفة عامة، سوف توجَّه المصايد الطبيعية لاستهداف احتياجات المستهلِكين عوضاً من بيع كل ما يمكن إنزاله من المصيد، ورفع قيمة المصيد من خلال الانتقال إلى الهوامش الأعلى سعراً والتي تسلّط الضوء على سمات من قِبل الأصل والتفرّد والطبيعية. وفي حين تتوقع منظمة “فاو” أن ينمو مصيد الأسماك على نحو متواضع بمقياس الحجم، تتنبأ بأن تنخفض حصته في سوق الاستهلاك البشري إلى 38 في المائة بحلول عام 2030.
التغيّرات في الأطباق
وتواصل قائمة المأكولات البحرية تبدّلها في نواح كثيرة، على نحو ما يتضح للمرة الأولى من توريد التونة الطازجة بكميات أكبر إلى الولايات المتحدة لا اليابان.
والمرجّح أن تصبح هذه التغيرات سمات مشتركة في مستقبل إنتاج الأسماك، لا سيما وأن البلدان النامية تواصل رفع حصتها من الواردات العالمية وتطوِّر إنتاجها المحلي لتلبية الأذواق الوطنية.
ومنذ عام 2013، حل سمك السلمون والسلمون المرقط محل الروبيان كأهم سلع متداولة من حيث القيمة. وفي عام 2014 سبقت فيتنام تايلند لتصبح ثالث أكبر مصدّر لمنتجات الأسماك دولياً، من خلال التدويل السريع لصنف “البنغاسيوس – “pangasius – وهو سمك أبيض يعيش في المياه العذبة وأصبح ينافس القد، والنازلي وغيرهما من الأصناف الفاخرة. وفي الوقت ذاته، نمت تجارة الأخطبوط على نحو متزايد خلال السنوات القليلة الماضية، بينما ركدت مبيعات الحبار في المقابل.