في شبه جزيرة الداخلة يتواجد “ميناء جديد”، تم افتتاحه قبل سنوات قليلة، يحتضن نشاط صيد مُهم، بما أن الخليج يتوفر على مخزون للأسماك السطحية يصل إلى ستة ملايين طن، حسب تأكيدات المكتب الجهوي للاستثمار بالجهة.. وسمعة ذات الميناء تصل إلى دول عالمية كثيرة، خاصة دول الاتحاد الأوروبي التي يرتبط المغرب معها باتفاقية للصيد البحري تسمح لحوالي 126 باخرة من “القارة العجوز” باستغلال المياه المغربية.
غير أن هذه الاتفاقية، التي يرى المغرب أنها ستعمّق من علاقاته الاقتصادية مع دول الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، لم تحمل الكثير من البشرى لصيادي هذا الميناء، فقد تحوّل أحد أنوع البواخر الأوروبية إلى مصدر خوف لهم، وما ذلك إلاّ بسبب قدرته الرهيبة على الصيد، وقتله للأطنان من الأسماك المتواجدة في المياه المغربية.
“راه ما خلّاو لينا والو مزال هاد الناس” هكذا يتحدث لنا عبد الرحمن، صاحب أحد المراكب البسيطة في هذا الميناء، فمبجرّد ما سـألته هسبريس عن أصل المشاكل التي يعاني منها البحارة في هذه المدينة حتى أجاب “رواسة أخويا”، فالاستغلال المفرط للأسماك بطرق “غير شرعية” من طرف المراكب القادمة من هذا البلد البارد جواً، صار حديث الساعة بين صيادي الميناء.
يستطرد عبد الرحمن أن هذه المراكب تستعمل شباك صيد محرّمة دولياً تتوفر على عيون صغيرة تجرف كل أنواع السمك حتى الصغار منها، رغم أن الدولة المغربية لم ترخص لها سوى بصيد السردين، ممّا يعرّض أنواع سمكية كثيرة، كـ”القرب” و”الدوراد” إلى الاستنزاف، حيث تصيد باخرة روسية واحدة في ظرف ثلاثة أيام ما تصيده جميع المراكب المغربية في ظرف سنة، يقول عبد الرحمن.
بواخر “البيلاجيك” الروسية التي تحوّلت إلى العدو الأول لصيادي الداخلة، لا تقوم باستغلال ما تصيده من أسماك حسب الشهادات المتعددة التي حصلنا عليها، بل تحتفظ بالسردين وترمي البقية في البحر. لهذه البواخير نفوذ كبير حسب ما أكده لنا البحارة، فحتى مع الملاحظات التي يبديها بعض المراقبين من الدولة، إلا أن لا شيء تغيّر.
محمد، هو واحد من البحارة، انتقل إلى “الداخلة” منذ سنة 2000 قادماً من مدينة آسفي:” الوقت عْيات فآسفي، داكشي علاش جيت هنا، ولكن حتى الداخلة غادي تعيا” يقول محمد، الذي يردف بأن المراكب المغربية كانت تصيد فقط على بعد أمتار من الساحل، أما الآن، فقد صارت مجبرة على الإبحار لمسافة أكبر من أجل إيجاد السمك الذي تبحث عنه.
“كان السردين غيرْ بـ 16 ريال .. دابا كيتابع هنا بـ3 دراهم للكيلو. المعيشة كانت مزيانة، ولكن بسباب هادْ البيلاجيك اللّي كيبقا هنا العام كامل.. الوقت صعابت” يتحدث لنا بحار آخر، متذكراً عندما حكى له صديق له، كيف قتلت باخرة روسية حوالي 90 طناً من “الروكيرة”، وألقت بها في البحر، رغم أن ثمن الكيلو الواحد من هذا السمك، يصل في مدينة الداخلة إلى مئتي درهم، بينما يرتفع في مناطق أخرى إلى الضعف.
لكن ليس الروس وحدهم من يمتلكون “البيلاجيك”، بل هناك بعض المغاربة الذين يمتلكون هذا النوع من البواخر التي تصيد كل شيء رغم أنها هي الأخرى غير مسموح لها بذلك، حيث تقوم ببيع بعض الأصناف التي تصادفها إلى المعامل بثمن منخفض، في وقت تعيش فيها مراكب أخرى، تلك التي رُخصّ لها بصيد هذه الأنواع السمكية، في وضعية صعبة نتيجة المنافسة غير المشروعة، يتحدث البحارة.
تغيّر أوضاع الصيد البحري نحو الأسوأ، رمى بثقله على ظروف الصيادين، الكثير منهم غير مصرّح بهم في صناديق الضمان الاجتماعي، والكثير منهم لا يجدون من مأوى سوى قرى ساحلية، يزداد فيها شظف العيش خصوصاً في فترة الراحة البيولوجية، رغم أن هذه الراحة لا يتم احترامها من طرف بعض البواخر، التي تلتهم ففي هذا الميناء الهادئ والممتد على شكل جزيرة، يتشارك الصيادون المغاربة، إلا فئة غنية منهم، وجع البحث اليومي عن أسماك تحقق لهم كرامة العيش، الكثير منها تدخل إلى الماء بحثاً عن رزق اليوم، إلا أنها لا تعود بما تبتغيه، فـ”البيلاجيك” غيّر من المعادلات داخل هذا الفضاء الأزرق، وحوّله إلى مصدر فقر للكثيرين، مقابل تحويله إلى مصدر ثراء لقلة أخرى.مخلوقات البحر غير عابئة بخطر ذلك على ثروتنا السمكية.