منذ ما يناهز عقد و نصف من الزمن، وعند بداية كل موسم صيد بالمياه الجنوبية للمملكة، يكثر الجدل واللغط حول ظاهرة الإكتضاض الذي يشهدها ميناء العيون ويتقادف الفاعلون المهنيون الإتهامات حول مسوولية هذا الإكتضاض، لكن دون الخوض في مسببات هذه الظاهرة التي أصبحت تترسخ و تتراكم بشكل خطير موسما بعد آخر، مما جعلها تهدد السلامة المينائية لهذا المرفق الحيوي وتعيق سلاسة إستمرارية نشاطه، حيث يعد أهم شريان إقتصادي بجهة العيون الساقية الحمراء. بل يعتبر الميناء رقم واحد بالنسبة للصيد الساحلي بالمملكة ككل، لا من حيث المفرغات ولا من حيث رقم المعاملات. وللخوض في مسببات هذا الإكتضاض يجب العودة كرونولوجيا إلى التراكمات، التي ميزت نشاط هذا الميناء منذ عقدين من الزمن قبل اليوم. ويمكن تقسيم هذه الحقبة الزمنية إلى شقين نخلصهما فيما يلي:
-
مخطط تهيئة مصيدة الأخطبوط لسنة 2004، جعل من ميناء العيون ميناءا محوريا بالنسبة لاسطول الصيد بالجر، حيث فرض المخطط المذكور على وحدات هذا الأسطول المرخص لها ممارسة نشاطها بمصيدة الأخطبوط جنوب بوجدور والمحددة حسب المخطط في 150 وحدة، قلت فرض عليها العودة الإلزامية والتفريغ القسري بميناء العيون، رغم التنفيس الضعيف الذي خلقته مبادرة ديسمبر 2017 بتخصيص 50 رخصة ولوج إنطلاقا من ميناء طانطان، إلا أن ذلك كان وقعه ضئيل في ظاهرة الإكتضاض التي يعرفها الميناء…!!
تنزيل مخطط تهيئه مصيدة الأخطبوط جنوب بوجدور سنة 2004 في شريط ساحلي يمتد على مسافة 750 كلم من بوجدور حتى الكركرات، لم تواكبه مخططات مماثلة في شريط ساحلي شاسع مسافته 2800 كلم، يمتد من بوجدور حتى السعيدية. حيث كان هناك فقط مخطط يتيم ومحتشم لتهيئة مصايد الأربيان (القمرون) الذي يجمع جميع الفاعلين المهتمين بصيده، أنه قاصر و لم يرقى إلى تطلعاتهم…!! كل هذه التراكمات جعلت نزوح وحدات أسطول الصيد الساحلي بالجر من الوسط و الشمال نحو الجنوب، هو السمة البارزة موسما بعد آخر، بسب التضرر الكبير الذي لحق غالبية المصايد والإغراء الذي تخلقه مصيدة الأخطبوط جنوب بوجدور…!!!
-
تقسيم مناطق صيد الأسماك السطحية الصغيرة، حيث بادرت إستراتيجية اليوتيس منذ 2010 إلى تقسيم مصايد الأسماك السطحية الصغيرة إلى 5 مناطق، لعل أكبرها شساعة وأسطولا هي المصيدة الأطلسية الوسطى التي تمتد على مسافة 900 كلم، من كاب كير شمال أكادير حتى سيدي الغازي شمال بوجدور. وتتوفر على اسطول يفوق 400 مركب و على 5 موانئ (أكادير، سيدي إفني، طانطان، طرفاية و العيون). حيث تظل مراكب صيد السردين تصول و تجول بين هذه الموانئ حسب المردودية طبعا، ويبقى ميناء العيون هو الوجهة المفظلة لذى غالبيتها بسبب إغراء المصايد المحلية، وتمركز معظم وحدات التصبير بجهة العيون الساقية الحمراء. حيث كان بالإمكان أن يتوفر ساحل المنطقة الأطلسية الوسطى على مصيدتين بدل واحدة..!!
كل هذا جعل ظاهرة الإكتضاض تتعمق بشكل عبثي أصبح لا يطاق…!! فهذا النشاط المتنامي بميناء العيون منذ عقدين من الزمن، واكبته خوصصة المكتب الوطني لإستغلال الموانئ، حيث ذخلت عل الخط مجموعة مرسى ماروك المالكة لأنشطة الملاحة التجارية بالميناء، إذ إستحودت المجموعة على أكثر من نصف الأرصفة 600 متر، وبقي اكبر تجمع لأسطول الصيد الساحلي بالمملكة، يتصارع على أقل من 500 متر من الأرصفة…!!! في هذه النقطة بالضبط يمكن أن نلوم الوكالة الوطنية للموانئ، حيث لم تواكب النشاط المتنامي للصيد بالميناء، من خلال التوسعة وتشييد أرصفة جديدة…!
خلاصة هذا المقال ان مايبذله طاقم قبطانية الميناء بالعيون منذ عقدين من الزمن من جهود مضنية ليلا و نهارا، لا ينكره إلا جاحد، لأن فوق طاقتك لا تلام، ومسؤولية الإكتضاض بميناء العيون يتحملها الجميع، لكن بدرجات متفاوتة بدءا بمراجعة تهيئة المصايد وتقسيمها، والإستثمار العمومي في البنية التحتية للميناء…!!!
وللإشارة كفاعلين نقابيين وجمعويين كنا قد حذرنا مرارا و تكرارا منذ سنوات في مراسلات رسمية، يحملها أرشيفنا إلى دوائر القرار، وإلى الفاعلين من خطورة هذه التراكمات موسما بعد آخر. بإعتبارها قد تغيق سلاسة إستمرار نشاطه في القادم من الأيام. لكن مع الاسف كل صيحاتنا حملتها رياح الشرقي، ولم تجد آذانا صاغية للاسف الشديد، لا من طرف صانعي القرار و لا من طرف تمثيليات المجهزين …!!!
*عمار الحيحي: النائب الاول الناطق الرسمي للكنفدرالية العامة لربابنة و بحارة الصيد الساحلي بالمغرب