من منا يتحدت عن قباطنة وبحارة يتحملون مسؤولية مراكب وبواخر تسارع أمواجا بإرتفاع الجبال وسط عالم، لا نعرف عنه إلا أنهم يبحرون هنا وهناك وأملهم كل الأمل هو الرجوع إلى البر وقد نجاهم الله من شر اليم. فنحن بصدد مهنة صنفتها منظمة التغذية العالمية ضمن أخطر المهن على الإطلاق.
لن ينكر أحد عن الوزارة الوصية بأنها سطرت برامج ووضعت إستراتيجيات قصد النهوض بالقطاع، إستراتيجيات اختلفت باختلاف التشكيلات الحكومية مرورا بوضع مخططات التهيئة، وصولا إلى إستراتيجيات أليوتيس وما تضمنته من أهداف كبرى، راهنت بالأساس على إعادة الاعتبار للبحار باعتباره أضعف وأهم حلقة في السلسلة الإنتاجية. كما راهنت على تحديت الأسطول البحري وعقلنة الصيد و تثمين المنتوج السمكي ما يضمن له تسويقا أفضل، لكن رغم كل المجهودات المبذولة فالمواطن ظل بعيدا عن هذه المخططات، فكثير منهم لا يعرف عن طبيعة هذه التحركات، وماهية الأهداف المرسومة حتى يتسنى له ربط المسؤولية بالمحاسبة وفق ما رسمه الدستور الجديد.
في سياق كل ما ذكرناه نضع بين أيديكم هذه التجربة الفتية التي أطلقنا عليها اسم البحر نيوز، والهدف هو أن نشترك كلنا في الحديت عن واجهتينا البحريتين ونرصد بالكلمة والصوت والصورة قضايا قطاع الصيد البحري ببلادنا، وفق نقاش جاد ومسؤول ننطلق فيه من الخبر الذي ننقله من مختلف الموانئ ونقط الصيد، خبر نقف عليه بالتحليل الجاد وفق رؤية مستقلة لا يسيطر عليها مسؤول أو مجهز أو تاجر أو وجيه قوم او سياسي، و إنما هو طرح بكل تجرد في رحاب السلطة الرابعة لكل المشاكل الصغيرة والكبيرة، سواء تعلق الأمر بالمهنيين أو البحارة بمختلف رتبهم أو المسؤولين في إطار تواصلي يطمح إلى إقتراح حلول ورؤى و طروحات، قد ترى النور ببعض الهمم.
هي خطوة نسعى من خلالها إلى مواكبة التطور والتغير الذي يعرفه العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم التحدي، الدي يرفعه المغرب في هده المرحلة، والتي يراهن فيها وبقوة على الدستور الجديد، الذي يتبنى مبدأ المسؤولية والمحاسبة كشرط أساسي للحكامة الجيدة، ولهذا فالمغرب يعتبر معنيا ومطالبا أكثر من غيره، بإعطاء الأولوية من إهتمامه إلى البحر ورجالات البحر وكل مايتعلق بالبحر.
لن يختلف اثنان في رؤيتهم للمكانة المهمة التي يلعبها قطاع الصيد البحري في المنظومة الاقتصادية الوطنية، في ظل توفر المغرب على شريط ساحلي يقدر ب3500 كلم، ويمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي من المملكة، ويضم أجود وأرفع الأنواع السمكية، التي لها مكانتها وقيمتها المادية المهمة جدا في السوق العالمية. كما لن يختلف اثنان حول أهمية فرص الشغل التي يخلقها القطاع. إلا أنه لن يختلف إتنان أيضا بأن قضايا هذا القطاع ظلت مغيبة عن الإعلام بشكل تعذر معه على عموم المغاربة معرفة ما يجول في بحارهم، وكيف تدبر هذه الثروات البحرية في خدمة الشأن المحلي، وهو معطى يتجسد من خلال علاقة المغاربة بمواردهم البحرية خصوصا على مستوى الاستهلاك الذي لا يتجاوز في أحسن حالاته10 كلغ للفرد، وهو رقم بعيد عن المتوسط العالمي الذي يحدد في 16 كلغرام. الأمر الذي يجعلنا نقول ان المغاربة رغم امتلاكهم لبحرين فهم لا يستهلكون الأسماك، وهذا أكبر دليل عن الهوة الكبيرة بين المغاربة وقطاع الصيد.
بالإظافة إلى ذلك فجل المغاربة لا يعرفون عن مشاكل البحار إلا تلك المتعلقة بارتفاع أسعار الأسماك خلال شهر رمضان، لكن قليلون هم أولئك الذين يتحدثون عن المكانة الاجتماعية للبحار باعتباره يشتغل في المجهول الذي من يدخله هو مفقود مفقود، ومن يخرج منه فكأنه مولود جديد. وبين الفقدان والولادة حكايات لن يمل البحار من حكايتها لأصدقائه وأطفاله وأحفاده.
كتنبيه فقط فالبحر لا يمضي عليه يوم دون أن نسمع من البحارة وليس من وسائل إعلامنا، وللأسف عن سرقته لبحارة هم شيوخ وكهول وشبان في مقتبل العمر، لا ذنب لهم سوى البحت عن اللقمة الحلال، تاركين وراءهم أبناء أيتام، ونساء أراملا، وأمهات تكلى تبكي غدر الزمان. فهل تساءلنا يوما عن مصير هذه الأسر؟ وهل تساءلنا عن بكاء الأمهات وعن صرخات أبناء صاروا في مرمى المجهول الذي أخد أباءهم يوما في غياب تأمين عن الأرواح البشرية وسياسة واضحة المعالم تسمي الأشياء بمسمياتها ؟
© حقوق النشر محفوظة لـ “البحر نيوز” 28 دجنبر 2013