تعيش قرية الصيد لاساركا، الواقعة بضواحي مدينة الداخلة، على وقع توجس متصاعد، بين توجه في الكواليس يهدف إلى إعادة توجيه المنطقة نحو الاستثمار السياحي، ومطالب ملحة من مهنيي الصيد التقليدي بالإبقاء على طابعها البحري، وتحويلها إلى نموذج تنموي متكامل يحترم خصوصياتها الاجتماعية والاقتصادية. وذلك إنسجاما مع وؤرش تأهيل قرى الصيد من الجيل الجديد الذي أطلقت خطوبه التجريبية من قرية الصيادين الصويرية القديمة.
وتفيد معطيات محلية بأن ضغوطًا تُمارس في الآونة الأخيرة لنقل قوارب الصيد التقليدي من نقطة لاساركا إلى قرى صيد أخرى بالجهة، في إطار خطة يُعتقد أنها ترمي إلى تحويل الموقع إلى وجهة سياحية وفضاء للرياضات البحرية. غير أن هذا التوجه يلقى معارضة قوية من عدد من الفاعلين المهنيين، الذين يرون أن مستقبل لاساركا لا يجب أن يُبنى على الإقصاء أو الترحيل، بل على تثمين الموقع من خلال تحويله إلى قرية نموذجية تجمع بين العيش الكريم والتنمية المستدامة.
ويتجدد النقاش حول مصير قرية لاساركا في كل موسم لصيد الأخطبوط، إذ تؤكد التمثيليات المهنية لقطاع الصيد التقليدي على ضرورة توحيد الجهود لمواجهة ما تصفه بـ”أطماع لوبي العقار ومن يدعمه”، مؤكدة على الأهمية الاقتصادية للموقع الذي يضم أزيد من 1100 قارب تعمل بشكل قانوني، وتوفر آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة.
ويطالب المهنيون بالترخيص لهم وللبحارة المشتغلين بالأنشطة الموازية، ببناء مستودعات وسكن قانوني، مع توفير بقع أرضية تتوافق مع معايير التعمير، وتسهيل المساطر القانونية المرتبطة بالحصول على التصاميم والتراخيص. كما يؤكدون أن هذه الخطوة ضرورية لحماية الأرواح والممتلكات، خاصة في ظل تكرار الحرائق الناتجة عن المستودعات العشوائية وانتشار المواد القابلة للاشتعال.
وفي تفاعل مع سؤال برلماني كتابي حول وضعية مهنيي الصيد بقرية لاساركا، كان وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات السايق، قد أوضح أن مشروع السكن النواتي لم يُبرمج لفائدة هذه الفئة، نظراً لقرب الموقع من وسط مدينة الداخلة (7 كيلومترات فقط). وأضاف أن تطوير البنية التحتية للقرية رهين بانخراط جميع المتدخلين، داعيًا المهنيين إلى استغلال المرافق المنجزة، والتي تتضمن استثمارات مهمة، منها حوالي 600 مستودع لتخزين معدات الصيد، 600 أخرى لحاويات الوقود، محطة للوقود، معامل للثلج، ورشات الإصلاح، مرافق صحية، وسوق جملة نشيط لبيع السمك.
غير أن مهنيي الصيد، بحسب إفادة الوزير، يمتنعون عن استغلال هذه المستودعات، معتبرين أنها غير كافية ولا تستجيب لحاجياتهم، سواء من حيث العدد أو المساحة، كما يرفضون الاشتراك في خدمات الماء الصالح للشرب، وهو ما يُعقّد جهود تأهيل الموقع.
وقد أثار استثناء لاساركا من برنامج تأهيل قرى الصيادين الذي أُعلن عنه في إطار النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، موجة من التساؤلات والانتقادات. إذ شمل البرنامج قرى: “أنتريفت”، “البويردة”، و”العين البيضا”، دون أن يتضمن أي إشارة إلى قرية لاساركا، بالرغم من دورها المحوري في دينامية قطاع الصيد البحري بالجهة. حيث ويرى العديد من المهنيين أن هذه “الخطوة” كانت قد لمحت لوجود توجه نحو إخلاء الموقع تدريجياً، ما يهدد استقرار فئة عريضة من السكان الذين ظلوا لعقود يشتغلون في الصيد ويعيشون من عائداته.
ويدعو الفاعلون المحليون إلى مقاربة تنموية مندمجة تُمكّن من الحفاظ على الهوية البحرية القطاعية للقرية، مع الانفتاح على آفاق الاستثمار السياحي. وهم يرون في ذلك فرصة لتحويل لاساركا إلى نموذج يجمع بين الصيد التقليدي، والأنشطة الترفيهية والرياضية البحرية، شريطة إشراك الساكنة والمهنيين في صياغة رؤية مستقبلية تحفظ التوازن بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
وفي انتظار حسم التوجه الرسمي بشأن مستقبل لاساركا، يظل الملف مفتوحًا على كل السيناريوهات، وسط مخاوف حقيقية من فقدان مورد اقتصادي واجتماعي حيوي لفائدة “أطماع عقارية”، دون بدائل واضحة تضمن استمرارية العيش الكريم والكرامة الإنسانية لآلاف العاملين بهذا القطاع الحيوي.