مازالت ردود الأفعال تتواصل بخصوص الزيادة التي تم إقرارها أمس في لقاء المفاوضات الذي إحتضنه المقر المركزي لإدارة الصيد بالرباط، حيث في وقت ينوه فيه البعض بكون ما تحقق هو إستثنائي يرى أخرون محسوبون على بعض المجهزين والأطقم البحرية، أن الرقم المعلن جاء مخيبا للأمال.
وبين هذين الطرفين هناك واقع واسع يتسع للتحليل العميق، ويقطع مع سطحية الخطاب، فواقع المفاوضات يقدم دائما الكثير من الدروس بخصوص تدبير مراحل التفاوض ، وحتى ندبر مجريات النقاش، فيجب أن نؤكد جميعا ان المجهزين وتثميلية البحارة رخصوا لمن يمثلهم بأن يطالبوا ب50 سنتيما كزيادة في السردين الصناعي الذي يباع على مستوى مراكز الفرز. أكيد أن 50 سنتيما هي سقف المطالب اليوم، وحلم يراود مهنيي السردين، لكن 50 سنتيما هذه ليس رقما يرتبط بالسفر للرباط والمشاركة بلقاء، سينتهي بتتويج الحوار في إعلان مشترك يزف موافقة المصنعين، يحقق رغبة الشريحة العريضة من البحارة والربابنة والمجهزين.
إن 50 سنتيما بالمقابل تلحفها الرغبة المهنية، لكن تنهشها الظروف الإستثنائية المحيطة، خصوصا وأنك أمام مفاوضين متمنعين ، هم يفقهون أليات التفاوض أولا، وعارفين بخبايا السوق ويفهمون قيمة السنتيم صعودا ونزولا ، فما بالك أن الحديث هنا على مطلب 50 سنتيما ، حتى أن البعض أكد أنه وفي لحظة حسم النتيجة إنتفض أحد المصنعين يطالب بتثبيت 27 سنتيما بدل 28 سنتيما ، وهو معطى قد نقرأه بأنه محاد للصواب ، لكن في لغة الإقتصاد وأمام الأطنان المطنطنة التي تدبرها وحدات التصبير، تجعل من مجموع السنتيمات جبلا مخيفا، لاسيما وأننا اليوم أمام معادلة صعبة يحكمها التقشف وترهبها الإرتفاعات المتزايدة في مختلف المواد الأولية، سواء على مستوى الصيد أو التصنيع والإنتاج، وهي معادلة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الطرفين أمام إكراهات تهددهما معا .
قد يسهل علينا ونحن نناقش أن نسلط السهام ونرمي هذا الطرف وذاك، لكن ما يجب التنبيه إليه أن اللقاء وأمام مختلف الإكراهات، إستطاع خلاله مهنيو الصيد إنتزاع أقصى ما يمكن إنتزاعه، لأن أغلب المتفائلين على المستوى الإقتصادي المهتمين بسمك السردين الصناعي، كانو يؤكدون أن الزيادة وبعيدا عن الشعبوية المبالغ فيها التي سوق لها البعض، لن تتجاوز 25 سنتيما على الأكثر، حتى أننا في البحرنيوز، كنا نؤكد نقلا عن المصادر المهتمة بأن سقف الزيادة، سيتوقف عند حدود 30 سنتيما، وهي كلها مؤشرات جعلتنا نعتقد في حدود المعرفة وإستحضارا للتحديات التي عرفها الإقتصاد العالمي ، أن ما تحقق أمس يبقى إيجابيا، ويجب تثمينه، لاسيما وأن هذه الزيادة تعد من حيث القيمة إستثنائية بكل المقاييس.
كان من الممكن ركوب تمثيلية المجهزين على ورقة الرجوع إلى القاعدة ، والتلويح بالدلالة كورقة رابحة للدفع نحو تحقيق المزيد من المكاسب، لكن الكل يعلم أن تنزيل الدلالة كفكرة لم تنضج بعد في غياب الضمانات التي تحمي السردين الصناعي من المضاربات والتلاعب في الأثمنة، عبر مزاجية التجار والمصنعين ، حيث يسهل التأثير على الأثمنة التي ستصبح محكومة بالعرض والطلب ، كما أن الإمكانيات الموفرة اليوم في الموانئ لازالت غير قادرة على إستيعاب هذا الكم الهائل من المعاملات ، لكن هذا لا يمنع في أن تكون هذه الهدنة المعلنة بين المصنعين والمجهزين فضاء للتفكير الإيجابي، وفق دراسات بنيوية تستلهم تجارب خارجية، في تطوير نمط للبيع يحمي تنافسية الأثمنة ومعه تعزيز دينامية الجودة، بما يخدم المصنعين من جهة وكذا الفاعلين المهنيين ومعهم الأطقم البحرية.
هذه ليست لغة تطبيل كما قد يقرأها البعض، ولكنها لغة العقل والمنطق، الذي إستهلك ساعات طوال من النقاش في لقاء أمس الذي ترأسته الكاتبة العامة لقطاع الصيد، وهنا نفتح قوس لنؤكد أن إحتضان إدارة الصيد للقاء وترأسه من طرف الكاتبة العام يحمل إشارتين يجب أن لا نقفز عليهما، في كون الإدارة قد خرجت من مراقبتها الحذرة لسير أطوار النقاش الذي يعرفه الميدان وبالتالي قفزها عن حيادها السلبي في ساق إنفتاحها على الجميع ، فبدون مصنعين لن يكون هناك تثمين للصيد الصناعي، كما انه بدون تثمين لن يكون هناك نجاح للمخططات الرامية لحماية إستدامة المصيدة السطحية الصغيرة، وحضور الكاتبة العامة يعطي مؤشر الإطمئنان بين طرفين تجمعهما الحاجة وتفرقهما المصالح.
أكيد أن المعطيات التي لن يقفز عليها أحد اليوم هي المجهودات المضنية التي أصبح يبدلها البحارة والأطقم البحرية عموما، تجعل من مختلف المتدخلين مطالبين بتقدير هذا المجهود ، وإيلائهم الإهتمام الذي يستوجبه ، حيث تساءل كثيرون لماذا لم تتم الإشارة إلى منحة التفريغ المتعلقة بالبحارة في محضر اللقاء، وإنتظار نهاية المفاوضات لتخرج علينا كنفدراليتا الصيد الساحلي ببلاغ يشير بشكل مقتضب لخلاصة اللقاء، ومنه إعلان حجم الزياة التي ضمنها سيتم إعتماد 5 سنتيمات كمنحة تحفيزية عن كل كيلوغرام .
وهنا يجب التوضيح أن اللقاءات التي جمعت تمثيلية المجهزين بالبحارة ، كانت دائما تؤكد أن إحداث منحة البحارة هي ترتبط أساسا بالزيادة في الثمن المرجعي ، حيث تم الإتفاق على تخصيص 10 سنتيمات في حالة ما كانت قيمة الزيادة في 50 سنتيما أو 40 سنتيما، يعني الإشارة للمنحة ضمن قيمة الزيادة وليس العكس ، وهي إشارة ليست إعتباطية لأن المصنعين ليس ضمن إختصاصهم إحداث منحة للبحارة ، وإنما هذه مهمة المجهزين، وشأن داخلي يجعل من أهل مكة أدرى بشعابها. فيما اشارت مصادر خاصة أن محضر المفاوضات كان سيدرج منحة البحارة ، لكن كون وثيقة المحضر ستتم إحالتها على مجلس المنافسة، جعلت الإدارة تعترض على تضمين الإشارة للمنحة التي تم تحديدها في 5 سنتيمات، ضمن المحضر في غياب مخرج قانوني يؤكد على إحداث المنحة الجديدة ، لدى تم الإتفاق على إناطة الأمر بالكنفدراليتين لجعل المنحة شأن داخلي بين المجهز والبحارة، في إنتظار الطريقة التي ستتم عبرها إقتطاع المنحة الجديدة، التي هي اليوم محط مدارسة لإيجاد الصيغة المناسبة بين الإقتطاع المباشر عند البيع، أو ترك الأمر للمحاسبين لتنفيذ هذه العملية عند تدبير عملية الحساب.
أمام كل ما تم قوله والإشارة إليه فإن البحارة والمجهزين أمامهم معركة كبيرة قد ترفع من مداخيلهم وتعيد الإعتبار للمكون المهني، من خلال مراجعة الإقتطاعات المختلفة التي تطال العرام، إلى جانب التفاوت الصارخ الحاصل على مستوى ثمن المحروقات، بين أسطولي الصيد الساحلي وأعالي البحار، حيث هناك 140 سنتيما كفرق، لو فعلا تمت مراجعته بالشكل الصحيح ستضمن الكثر من التوازن على مستوى مدخول البحارة، وغيرها من المعطيات خصوصا على مستوى التغطية الإجتماعية، التي تحتاج لقليل من الإجتهاد لضمان شفافية المعاملات وتحسين المردودية.