لا شك أن خطورة ركوب البحر والعمل فيه، هَمٌ أرق بال البلدان الساحلية قصد استغلال خيراته مع أقصى احتياطات المحافظة على الروح الإنسانية العاملة فيه، و من أجل ذلك فقد نظر المهتمون بهذا الأمر للأسس النظرية التي يوفر الوعاء الثقافي للسلامة البحري، مع الاجتهاد على تطوير وسائلها بغية الاطمئنان على حياة و أرواح البشر في البحر.
وباعتباره بلدا ساحليا بحوالي 3500 كلم، فإن المغرب يعد من البلدان المفروض عليها العمل على تحقيق هذا المبتغى. وبالتشريح النقدي لمستوى السلامة البحرية الوطنية، يتبين أن هناك خللا كبيرا سينعكس سلبا على الأسباب الأولية المتمثلة في أقصى درجات الحيطة والحذر، والتي ينبغي على رجال البحر الإلتزام بها لضمان سلامة أرواحهم ووحداتهم البحرية. ولعل الاسترجاع الكرونولوجي لبعض الكوارث البحرية التي شهدها قطاع الصيد البحري في السنتين الماضيين (دون عرض لحوادث قوارب الصيد) والتي تسببت في فقدان العديد من مراكب الصيد البحري وأرواح بشرية، تبين بالملموس مدى هشاشة مرتكزات هذه السلامة. ومن باب الاستدلال البرهاني على هذا الخلل، وفي غياب لمصادر يمكن أن تشكل مرجعا لمعلومات عن هذه الكوارث، فقد التجأنا إلى أسلوب البحث الذاتي حيث توصلنا إلى تجميع المعطيات التي ندرجها في الجدول المرافق ) انظر أسفل المقال).
إن المسلسل المأساوي لهذه الفواجع وفي زمن قصير يطرح سؤالا جوهريا: أين الخلل؟
فاذا اسثنينا الحادث الذي تعرض له مركب الصيد بالخيط “الإخواني”(304-5) بتاريخ 2019-09-27 بالمنطقة البحرية للداخلة، والناجم عن الاصطدام الذي تسببت فيه سفينة (MONTELAURA) البانمية، فيمكن الجزم ان كل المراكب الاخرى وأطقمها ذهبت وفقدت بأخطاء بشرية كلفت الغالي والنفيس.
و الطامة الكبرى، أن تجنب هذه الكوارث سهلة المنال! !فهي ليست بالحوادث الجوية والبرية، التي تؤدي حوادثها الى فواجع شبه محسومة، إذ اقصى ما يمكن ان يتعرض له راكب البحر هو السقوط في البحر، ولهذا الحادث المباغث حل ناجع قوامه صدرية النجاة(gilet de sauvetage) ، أما الحوادث الأخرى الذي يمكن ان تتعرض لها المراكب والقوارب فهي على ثلات أصناف:
الصنف الاول: الاصطدام مع سفينة أخرى، وهو نادر الحدوث إذ كل الربابنة يدركون خطورة الامر ويتخدون احتياطاتهم اللازمة لتجنب امثال هذه الحوادث.
الصنف الثاني: الانقلاب المباغث، وهذا النوع من الحوادث يمكن تجنبه بالتشدد والتطرف في ضرورة عدم المجازفة بالأرواح والممتلكات، في الظروف الجوي ةالسيئة التي تكون فوق طاقة المراكب والقوارب..
الصنف الثالت: حادث ناجم عن سبب داخلي (تسرب المياه – الحريق …) هذا الصنف يمكن ان يكلفنا فقدان المركب، دون فقدان الروح و التي افترضنا بانها بصدرية نجاتها، اذ سيكون البحار طافيا على سطح الماء، في انتظار وحدات الإنقاذ البحرية.
ان التحليل السابق، يجعلنا نضع معالم خطة طريق للتجنب المستقبلي لأمثال تلك الحوادث وبندها العريض هو الحسم، على أن المراهنة على الوعي أو الضمير المهني لمعالجة هذه المصائب، هو رهان خاسر، مما يفرض ضرورة البحث عن مبادرة عملية دعامتها الأساسية هي إلزامية ارتداء صدريات النجاة الملائمة للعمل، منذ اللحظة الأولى للركوب في المركب الى حين النزول منه. إن هذا الإجراء يمكن أن يتحول الى سلوك تربوي، يؤسس لمقدمات النهوض بمستوى السلامة البحرية الوطنية.
ولهذه الغاية فانه من المفروض أن تأخذ وزارة الصيد البحري، زمام المبادرة لما لها من سلطة في سن القوانين والسهر على تنقيذها، بغية وضع حد نهائي لهذه الكوارث التي تحاسب الكل دون استثناء.
و في هذا الصدد نقترح خمس إجراءات عملية:
الإجراء الأول: ينبعي وضع ملف السلامة والإنقاذ البحريين، على طاولة عريضة مع تسليط الأضواء الكاشفة، بغية التنقيب على مكامن الخلل،وعقد العزم للعمل من أجل المعالجة. لأن الأمر خطير و لا يشرف الوطن.
الإجراء الثاني: يمكن ان نستمده من حادثتين بحريتين عرفتهما المياه البحرية الوطنية وهما: الحادث الذي تعرض له المركب الإسباني للصيد بالخيط (RUA MAR) في المياه الاطلسية لطنجة بتاريخ: 23-01-2020 ، و الذي تسبب في فقدان الطاقم رغم توفره على “راديو بليز”. أما الحادث الثاني: وهو عثور مركب الصيد تكتوكة بتاريخ 2020-01-27 ، على جثة كانت ترتدي سترة نجاتها، رغم مرور أيام على سقوطها في البحر . وذلك على بعد عدة أميال شمال الداخلة. ومن هذا المنطلق فإنه كان من الأولى دعم إحدى المقاولات الوطنية الخاصة، بصناعة سترات النجاة الملائمة للعمل، قصد تغطية كل الموانئ الوطنية، وبأثمنة تراعي قيمة حماية الأرواح البشرية في البحر، قبل تجهيز المراكب براديو بليز . و هو في اعتقادنا كان إجراءا خالف الأولويات.
الاجراء الثالث: إحداث ثلاث لجن وطنية (شمال – وسط – جنوب)، تقوم بالفحوصات المباغتة (Visites inopinées) لفحص المراكب، و الوقوف حول درجة توفرها على وسائل السلامة البحرية. يكون من مميزات هذه اللجن: الكفاءة و المهنية و الصرامة، قصد اتخاذ أقصى درجات الزجر على كل المخالفين.
الاجراء الرابع: التشدد والتطرف في تطبيق القانون على كل مخالفي إنذارات الأحوال الجوية السيئة. وبالمثل مع كل القوارب التي تتجاوز الأميال البحرية المرخص لها.
الاجراء الخامس: جعل المحافظة على حياة البحارة مسؤولية قانونية على ذمة الربان، مع منحه حق عدم مناقشة تقاريره حول تهور أحد أفراد طاقمه، من ربط صدرية نجاته في كل المهمات على سطح المراكب.
إن المآسي الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، التي تخلفها هذه الكوارث البحرية، لن تنمحي مع مرور الزمن، فمهما حاولنا التضامن مع الثكالى والأرامل، فلن نصنع إلا تضامنا نمني به الأنفس، ما دام منبع تلك الفواجع لم يجف.
تاريخ الحادث | المركب | رقمه | نوع الحادث | منطقته | الضحايا |
2018-10-11 | اللون | 7-50 | انقلاب | شمال طانطان | 8 مقفودين |
2019-09-18 | أكواريوم | 6-736 | جنوح | جنوب طانطان | نجاة طاقمه |
2019-01-18 | عبد المغيث | ——- | جنوح | مدخل طرفاية | نجاة طاقمه (30) |
2019-09-27 | الإخواني | 5-304 | إصطدام | شمال الداخلة | 11 مفقود + إنقاذ 05 |
2019-11-22 | مسناوي | 7-601 | إنقلاب | منطقة إفني | 11 مفقودا |
2020-01-12 | صبري | 6-941 | احتراق | شمال الداخلة | نجاة طاقمه (16) |
2020-07-08 | مارمارا | 11-355 | إنقلاب | منطقة أكادير | 10 مفقودين |
2020-09-23 | كابو كيلاط | 2-221 | احتراق | منطقة العيون | نجاة طاقمه(33) |
2020-09-28 | بودراع | 5-190 | غرق | منطقة بوجدور | إنقاذ طاقمه (33) |
2020-10-08 | أيمن 2 | 7-910 | جنوح | منطقة بوجدور | إنقاذ طاقمه (19) |
2020-12-30 | الحمري | 8-328 | إنقلاب | مدخل طرفاية | غرق 11 + نجاة 3 |
*فكري السيد محمد خريج المعهد العالي للصيد البحري و ربان خافرة آسا طانطان
السلام عليكم.شكرا لكم على جميع المعلومات والحلول المقترحة.واضيف لسيادتكم.ضرورة الرفع من اجرة البحارة.وتقديم دروس الارشاد مباشرة للبحريين عبر تكوين مستمر .
مشكور الأخ الكريم على هذا المقال الذي تناولته بكل احترافيه محيطا بجميع الجوانب التي تهم السلامه البحريه وقيمه حياه الانسان
نشكرك مجددا على مجهوداتك وعلى هذه التفاصيل المفيده ونتمنى لك استمراريه ودمنا متتبعين لمنشوراتك
Aussi, il faut penser à l’AIS,qui reste tres limitateur des pertes des vies humaines en mer.Son prix devrais inciter les responsables a l’exiger a bord de tous ce qui flotte.
لك الشكر الاخ الكريم علي المجهودات التي تقوم بها لاغناء وللفت الانتباه لمسالة السلامة البحرية. ولكن هناك امور مغيبة يعلمها الكل وهي فساد انظمة المراقبة في بعض المندوبيات الاقليمية. وللحد من هذه الظاهرة وجب علي الوزارة الوصية مراجعة نظام الدفع والتعويضات لفائدة الموظفين في القطاع للقطع مع اي خلل في المراقبة. ولا داعي للخوض في التفاصيل. وهذا هو لب الموضوع.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي الكريم وفقك الله لما فيه خير وشكرا على المجهودات التي تقوم بها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته