الصناعات التحويلية في الصيد .. أي دور في خلق الثروة والإبتكار في التسويق؟

0
Jorgesys Html test

مقال رأي كتبه للبحرنيوز : محمد إشبان*

تشرفت بحضور اليوم الدراسي حول موضوع “قطاع الصيد البحري بين إكراهات الواقع وتحديات التثمين والاستدامة” الذي انعقد يوم الثلاثاء 9 يوليوز 2024 بالقاعة المغربية بمجلس النواب بالرباط من تنظيم المجموعة النيابية للعدالة والتنمية ومنتدى التنمية للأطر والخبراء. وقد تميز اللقاء بحضور وازن للفاعلين في القطاع من الوزارة الوصية، وبعض التمثيليات المهنية للصيد والصناعات التحويلية وتجارة السمك وخبراء ومهتمين وكذا برلمانيين. وقد مر اللقاء  في جو أخوي ونقاش هادئ وموضوعي لهذا القطاع الحيوي. وإذ أغتنم هذه الفرصة لأشكر المنظمين على الدعوة الكريمة وعلى اختيارهم الموفق للموضوع.

 

وكان اللقاء فرصة لعرض تشخيص مستفيض للقطاع ولحصيلة الاستراتيجية القطاعية (أليوتيس)(2009-2020) من طرف المتدخلين كل من موقعه. وفي هذا السياق، استعرض ممثل الوزارة الوصية أهم الإنجازات والأوراش التي باشرتها الوزارة والهيآت التابعة على مستوى المحاور الثلاث التي أسست عليها الاستراتيجية (الاستدامة، الفعالية والتنافسية). وقد شملت هذه الأوراش البنى التحتية من نقط تفريغ وأسواق البيع بالجملة وتحيين الترسانة القانونية ومخططات تهيئة المصايد وتعزيز البحث العلمي وتنظيم البيع الأول وغيرها، ساهمت في بلوغ الأهداف المتضمنة في مخطط أليوتيس.

فيما قدم الأستاذ الباحث محمد الناجي قراءة نقدية لنتائج الاستراتيجية، حيث نبه أ/ الناجي إلى أن القفزة النوعية التي عرفها الإنتاج السمكي ومعها الصادرات السمكية خلال السنوات الأخيرة قد تخفي استغلالا مفرطا للمخزونات السمكية، خاصة الأسماك السطحية الصغيرة. وفي هذا السياق، قدم تقييما للإنتاج السمكي من خلال حساب معادل الكتلة الحية انطلاقا من الكميات المصدرة، حيث خلص إلى وجود فارق بين الإنتاج المتضمن في الإحصائيات الرسمية والإنتاج الفعلي الذي تم تقييمه، مما يؤشر على وجود كميات من الأسماك غير مصرح بها. وبخصوص الأمن الغذائي، أشار إلى إمكانية تحسين مستوى    الاستهلاك الداخلي من خلال مشاريع ومبادرات غير مكلفة تمكن من تزويد المستهلك المغربي بالسردين طوال السنة وبأسعار مقبولة.

كما تخلل اللقاء شهادات للمهنيين والمتهمين أجمعت جلها على الأهمية الاستراتيجية للقطاع وضرورة الحفاظ على الثروات البحرية واستدامها وتثمينها بشكل أمثل. وعلاوة على النقاط التي تم طرحها من طرف جل المشاركين، أود أن أشدد على مسألتين لا تقلان أهمية وهما: (أ) الدور الهام الذي يضطلع به القطاع الخاص، و(ب) أهمية التواصل والترويج في تنمية القطاع.

فيما يخص دور القطاع الخاص وخصوصا قطاع الصناعات التحويلية، والمسؤولية الملقاة على عاتقه فيما يتعلق بخلق الثروة من خلال الابتكار وطرح منتجات جديدة وفتح أسواق جديدة. فعلى الرغم من النمو الذي عرفته الصادرات من حيث الكمية والقيمة، إلا أن تركيبتها لم تتغير طوال العشرين سنة الماضية تصدرتها دائما أربع منتجات تقليدية وهي الأسماك والرخويات المجمدة، معلبات السردين والاسقمري، ودقيق وزيت السمك. كما أن هذه المنتجات يتم تسويقها بعلامات تجارية تعود للمستوردين من شركات التوزيع والأسواق الممتازة، حيث غالبا ما تضيع هوية المنتوج ومعها علامة “صنع بالمغرب”.

وقد برزت في الآونة الأخيرة مبادرة مهمة لواحدة من المجموعات الصناعية المغربية الرائدة في القطاع، حيث قامت بشراء علامة تجارية ذات صيت عالمي وتسويق المنتجات البحرية من خلالها، مما سيعزز مستقبلا المكانة المتميزة للمنتجات المغربية. وفي هذا السياق، يجب تشجيع مثل هذه المبادرات على غرار ما قامت به بعض المجموعات الصناعية الأسيوية في السنوات الأخيرة من خلال اقتناء شركات أوروبية ذات تاريخ عريق ورائدة في تعليب الأسماك،  مما مكنها من ولوج أهم الأسواق الأوروبية والحصول على أسعار جد مهمة مقارنة مع تلك التي تجنيها الشركات المغربية عن طريق المنتجات “البيضاء” (أي المنتجة من طرف شركات صناعية لفائدة موزعين وأسواق ممتازة).

 لقد آن الأوان إذن أن يعيد المصنعون النظر في نمط عملهم مستفيدين من التجربة الطويلة التي راكموها طوال السنوات الماضية، ومن مختلف الدراسات والأبحاث والمشاريع التي تم إنجازها والتي ظلت مخرجاتها حبيسة الرفوف تارة لغياب التمويل، وتارة أخرى لضعف القدرة على ولوج الأسواق الواعدة أو غياب رؤية واضحة حول توفر المواد الأولية بالكمية والجودة اللازمتين.

ولحلحلة الوضع، يمكن مثلا التفكير في عقد مناظرة وطنية (Assises nationales) حول سبل تطوير القطاع التي يمكن أن تخلص إلى عقد برنامج بين القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية المعنية، يروم إلى دعم الشركات الصناعية بتوفير التمويل المناسب والمواكبة التقنية والتكوين وغيرها مقابل التزام هذه الشركات بدفتر تحملات محدد، يضم ابتكار منتجات جديدة وخلق فرص عمل إضافية وغيرها.

أما فيما يخص مسألة الترويج، فباستثناء بعض المبادرات الموسمية، يضل التعريف بالمنتوج البحري الوطني ضعيفا لا يرقى إلى المستوى المطلوب، بالنظر إلى المكانة المرقومة للقطاع على المستوى الدولي، ومقارنة مع ما تقوم به الدول المصنعة مثل البرتغال، حيث يمكن للزائر لهذا البلد أن يجد متاجر معفاة من الرسوم الجمركية بالمطارات ومحلات داخل البلد خاصة ببيع معلبات السردين والأصناف السمكية الأخرى (الاسقمري والتونة والاخطبوط وبلح البحر وغيرها) في عبوات ووصفات مختلفة. ويتم تصميم هذه المتاجر بعناية فائقة تشبه محلات بيع العطور أو المنتجات الفاخرة، مما يؤكد على المكانة التي يحظى بها السردين المعلب لذا المستهلك. بينما  يعتبر السردين المعلب  في المغرب من المنتجات الأقل إشعاعا في غياب حملات لتصحيح الصورة النمطية المترسخة لذا المجتمع، وكذا للتوعية بالقيمة الغذائية الكبيرة لهذا المنتوج.

ويبقى التعريف بالأنشطة البحرية عموما وأنشطة الصيد على وجه الخصوص ضعيفا في وسائل الإعلام، لتقريب المستهلك من واقع وظروف اشتغال رجال البحر. وفي هذا الصدد، أغتنم الفرصة لأرفع القبعة لهذه الفئة التي تشتغل في ظروف صعبة، والتي لم تتوقف حتى خلال فترة الجائحة لتأمين السوق الوطني بالأسماك. لذا يجب تكثيف المواد والبرامج الإعلامية التي تعنى بالبحر ورجاله،  وتهتم بالاقتصاد الأزرق، وتساهم في خلق ثقاقة بحرية لدى المغاربة تتماشى مع المبادرة الملكية الأطلسية.

*محمد إشبان خبير ومستشار دولي في مجال الصيد البحري

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا