عمد مولاي الحسن الطالبي الفاعل المهني في قطاع الصيد التقليدي بالداخلة، إلى رفع مراسلة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش ، يطالب من خلالها رفع ما وصفه بالحيف والتمييز الذي يعيق تطور قطاع الصيد وإستقلاليته السياسية .
ويعد قطاع الصيد البحري حسب الطالبي من أهم ركائز الإقتصاد المغربي كما يقوي موقف الدولة في مواجهة الإتحاد الأروبي، من الناحيتين الإقتصادية والسياسية، ويشغل، بصفة مباشرة وغير مباشرة قرابة 3 ملايين من اليد العاملة. غير أن القطاع يعاني من ضعف الترسانة القانونية التي أصبحت متجاوزة، حيث أن الإجراءات الزجرية أصبحت بدون قيمة، بل إنها تشجع مرتكبي المخالفات الجسيمة على الإستمرار في ارتكاب مخالفاتهم وتدمير واستنزاف للثروة السمكية التي تعد ثروة المغاربة كافة.
وأكد الطالبي العضو في غرفة الصيد البحري الأطلسية الجنوبية، أن قطاع الصيد البحري كان يخضع لوزارة تسمى وزارة الصيد البحري والملاحة التجارية، وكانت تتمتع بالصفة الضبطية وحمل السلاح، فكانت قوية ومهابة في ظل قلة الوسائل البشرية واللوجستية. ولما جردت هذه الوزارة من سلاحها وشاركتها جهات أخرى في اختصاصاتها، وأصبحت تعيش تحت جناح وزارة الفلاحة والتنمية القروية…الخ يقول العضوو بغرفة الصيد البحري الأطلسية الجنوبية ، هانت وضعفت واحتقرت، فانتشر الصيد الجائر وغير القانوني بشكل مهول، وتعدد المتدخلون في القطاع حتى اختلطت الأوضاع، ولم يعد المهني يميز بين الجهة المتحكمة في القطاع، اهي وزارة الصيد نفسها أم وزارة التجهيز أم وزارة الداخلية، أم السلطة المحلية أم البحرية الملكية أم القوة المساعدة أم الدرك الملكي أم الأمن الوطني…أم من ؟
التمثيلية المهنية وسؤال الإنصاف الدستوري
إن ما يزيد من إهانة قطاع الصيد تضيف الوثيقة ، هو ضعف تمثيليته في السلطة التشريعية؛ فنلاحظ أن لغرف الفلاحة 7 مستشارين بمجلس المستشارين؛ و6 مستشارين لغرف التجارة والصناعة والخدمات؛ و5 مستشارين لغرف الصناعة التقليدية؛ و8 مستشارين للإتحاد العام لمقاولات المغرب، بينما يمثل قطاع الصيد البحري مستشاران (2) فقط بالرغم من امتداد شواطئنا البحرية على أكثر من 3500 كيلومتر، وما يدره من عملة صعبة وأموال ضخمة على البلاد وتشغيل ليد عاملة جد مهمة.
وما دام هناك أربع غرف للصيد البحري فلزم أن يمثلها، على الأقل يقول الطالبي ، في مجلس المستشارين أربع مستشارين. كما طالبت الوثيقة، بأن يعطى لغرف الصيد البحري دور عملي فعالا، وليس دورا استشاريا لا فائدة منه. كما أن هذه الغرف تعد حاليا مؤسسة دستورية استهلاكية فقط . ومن جهة أخرى فنلاحظ أن الحيف كذلك في تمثيلية الهيآت داخل هذه الغرف جد مجحف يضيف المصدر؛ ففي الداخلة وحدها يوجد 3083 قاربا يمثلها في مجموعها الكبير، عضو واحد داخل الغرفة، بدلا من 5 أعضاء على الأقل، وهذا العضو إذا حضر لا يستشار وإذا غاب لا ينتظر. وهذا يؤثر تأثيرا ضارا بمبدء الديموقراطية داخل الغرف، لأن عملية التصويت خلال أجتماعاتها تخدم دائما الجهة المؤثرة، أي الأغلبية يشير الفاعل المهني في قطاع الصيد التقليدي .
قطاع الصيد .. بنية مينائية قوية وأداء مهني وتسييري يحاصره الإنتماء
يتوفر المغرب على 22 ميناء يحتضن نشطاء الصيد ، إلى جانب 34 نقط تفريغ، فيما يبلغ عدد سفن الصيد في أعالي البحار 335 إلى جانب 1.759 من مراكب الصيد الساحلي و 17380من قوارب الصيد التقليدي بينها 3.273 بمنطقة وادي الذهب. فيما يشغل هذا القطاع الحيوي بصفة مباشرة وغير مباشرة قرابة 3 ملايين من اليد العاملة. حيث يشغل قطاع الصيد التقليدي 44% من اليد العاملة بالقطاع، بينما يشغل الصيد الساحلي 48% وأعالي البحار أي الصيد الصناعي، 8% . فيما يبلغ عدد الوحدات الصناعية على الصعيد الوطني 469 وحدة .
وعلى مستوى النشاط فقد بلغت قيمة المنتوجات البحرية للفترة الممتدة من سنة 2015 إلى سنة 2020 على مستوى الصيد في أعالي البحار(أو ما يعرف بالصيد الصناعي): 437 ألف و474 طن تم تسويقها بـ 25 مليار و496 مليون درهم. أما مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي في ذات الفترة فقد بلغت 7 ملايين و862 ألف و 835 طن تم بيعها بـ 41 مليار و685 مليون و183 ألف درهم.
وبلغت محاصيل بلادنا من المنتوج البحري خلال عام 2020 فقط ما قدره مليون و382 ألف و845 طن، بيعت بــ11 مليار و120 مليون و425 ألف درهم. فيما بلغت محاصيل سفن الصيد في أعالي البحار من المنتوج البحري خلال سنة 2020 ما حجمه 60 ألف و408 طن، سـوقـت بمبلغ 3 مليار و78 مليون درهم. فيما بلغت قيمة محاصيل الصيد الساحل والتقليدي برسم سنة 2020 ما مجموعه 6 مليارات و636 مليون و326 ألف درهم. و هذه المعطيات تتعلق فقط بما هو مصطاد بصفة قانونية ورسمية ـ أما المصطادات غير القانونية فقد تصل إلى ما ورد في هذه المعطيات أو يفوقها. بالرغم من أن كافة المحاصيل تخضع لحصص محددة داخلة ومعبأة في المنظومة المعلوماتية للوزارة الوصية.
مهنيو الصيد يتطلعون لإستقلالية قطاع الصيد ضمن المنظومة السياسية ؟
وعبرت الوثيقة صراحة عن خيبة أمل الوسط المهني في قطاع الصيد البحري ، بعد خروج التشكيلة الحكومية الجديدة ، التي يرأسها وزير يعرف جيدا أهمية القطاع الإستثمارية في ظل السنوات الطويلة التي قضاها على رأس الوزارة. خصوصا وأن الحكومة الجديدة عرفت إحداث وزارات جديدة ، دون أن يتم تحقيق أمال مهنيي قطاع الصيد ، الذين ظلوا ينادون بفصل وزارة الصيد البحري عن وزارة الفلاحة، عوض دمجها بما لها من مكانة اقتصادية واجتماعية وازنة في وزارة أخرى (وزارة الفلاحة)، التي تعد بدورها ذات ثقل كبير اقتصايا، ما يلزم بأن يخصص لكل منهما مزانيتها ووزيرها الخاصين.
وأكدت الوثيقة أنه أمام هذه المعطيات المؤشرات المذكورة ضمن ذات المراسلة، فإن قطاع الصيد يستحق أن يخصص له وزير خاص به ، بدلا من اقحامه في وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات؛ أو يخصص له كاتب للدولة على الأقل. لإنصاف أهمية القطاع وجهود المشتغلين فيه ،
وما يبرر هذا المطلب هو محدودية ميزانية الاستثمار المخصصة لقطاع الصيد ضمن الميزانية الكبيرة المخصصة لوزارة الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات والصيد البحري برسم السنة المالية 2022 والتي لم تتجاوز 221 مليون درهم كإستثمار من أصل 15,5مليار درهم مرصودة للوزارة المذكورة . وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على وجوب فصل الصيد البحري عن الفلاحة. فيما خلف تعليلات السيد وزير الفلاحة الجديد بشأن المقارنة بين المشتغلين في قطاعي الفلاحة والصيد البحري أثناء مناقشة موضوع القطاعات الإنتاجية بالبرلمان، أسى عميقا في نفوس رجال البحر ومهنيي الصيد. حيث أكد الوزير أن الفلاح يعاني أكثر من معاناة الصياد.
نعم إنهما يعانيان معا، ولكن إذا رجعنا إلى إحصائيات حوادث الشغل فإن نسبة المصابين (موت وإصابات) في قطاع الفلاحة مقارنة بقطاع الصيد، لا تكاد تذكر، بينما لا يمر يوم أو أسبوع حتى تسجل موت وإصابات في صفوف البحارة. كما أن البحار يخاطر بروحه ويعاني من فراق أهله والعيش معزولا في عرض البحر، بينما يبيت الفلاح بجوار أهله.
إن المنظمات الدولية صنفت مند مدة قطاع الصيد ضمن أخطر المهن على الإطلاق ، كما انه وعلى مستوى الإستثمار لم تعد الأمور بتلك البساطة ، المتمثلة في ركوب القارب والخروج لساعات والعودة بالأطنان من الأسماك . فمهنيي الصيد أصبحوا اليوم يغامرون بأموالهم من أجل شراء السمك من البحر. فرحلة الصيد أصبحت تكلف إستثمارات كبيرة ، من محروقات وكاشتي ومعدات ، وفي كثير من الأحيان تعود القطع البحرية مخيبة الأمال ، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه المصايد ، إنها مهنة صعبة تحتاج لتضحيات كبيرة وصبر وتجلد. خصوصا وأن المعاناة تتجدد مع كل يوم وكل رحلة صيد ، في حين الفلاح أو المزارع يتعامل بمنطق الموسم الذي يمتد لأسابيع وشهور .
إستعمال القطاع كورقة ضاغطة في المفاوضات الخارجية تفرض تقويته لا إحتضانه
لا يختلف إثنان في كون وزير الفلاحة ظل يفاوض الإتحاد الأروبي بفضل مكانة الصيد البحري ووضعه الوازن (كورقة ضغط)، وباكتساب الوزير حق التحدث باسم الوزارتين، استطاع بفضله إلزام الإتحاد الأروبي بقبول مضاعفة حصص صادراتنا من الطماطم، كما يحقق بمداخل قطاع الصيد البحري، البرامج والمخططات الفلاحية . وهذا أمر مقبول، ولكن لا يجب أن يكون على حساب المستثمرين ومهنيي الصيد البحري وضياع حقوقهم.
فواقع الحال يقول أننا أمام أغلبية حكومية تتشكل من ثلاثة أحزاب ، كما ان حزب رئيس الحكومة هو نفسه الذي يمسك حقيبة الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات والصيد البحري ، وهي وزارة متشعبة تمتد للبر والجبال والغابات والأنهار والبحر ، ما يفرض حقيقة ، مراجعة هذا التقسيم بما يضمن أداء قويا متسما بالنجاعة التسييرية، وكذا التفاعل مع تطلعات الفاعلين المهنيين بمختلف شرائحهم الإجتماعية والإقتصادية. لأنه وبمعاينة بسيطة فقطاع الفلاحة والتنمية القروية وحتى الغابات هي تترابط فيما بينها ، فيما قطاع الصيد يبقى شاردا وبعيدا بخصوصيته عن هذه الإهتمامات ، ما يخلق نوعا من الشدود ضمن هذه التشكيلة ، حيث سيكون تعيين وزير منتدب أو كاتب دولة على الأقل للصيد البحري وتربية الأحياء المائية ، سيكون له صدى كبيرا في الوسط المهني من باب إنصاف القطاع، وتحسيسه بأهميته القوية ضمن النسيج الإقتصادي الوطني .
وبناء على كل ما سلف يختتم الطالبي مراسلته، لن يستقيم وضع قطاع الصيد البحري في غياب نصوص جديدة رادعة وفي غياب تطبيق القانون، لذا أصبح من المفروض ومن الواجب إخراج مدونة الصيد البحري للوجود. وتحيين النصوص الخاصة بالصيد البحري. وإحداث قضاء خاص بالقطاع البحري أسوة بالتجارة والإدارة والأسرة..الخ. ذلك لأن القضاء هو الجهة الكفيلة بجعل حد لكافة التجاوزات كيفما كان مصدرها. مع إرجاع سلطة المراقبة والقرار لوزارة الصيد البحري دون غيرها. وتحديد مسؤولية كل جهة متدخلة تجنبا لتقاذف المسؤولية.