“القرفاد” أو “نقار الخشب” كما يحلو للبعض تسميته، واحد من الوجوه التي تحظى بشعبية كبيرة على مستوى ورش إصلاح وصيانة مراكب الصيد، وكذا بنائها، حيث يبرز الدور الكبير لصاحب هذه المهمة في الوقوف على صلاحية أخشاب مركب الصيد للإبحار من عدمه، كما يكون له الدور الكبير في إصلاح مختلف الشقوق المتواجدة بين الأخشاب.
القرفاد .. Le calfatage..الجلفطة ..ديباجة لفهم المصطلح
مصطلح قرفـــــاد يعد من الكلمات الحرفية الدخيلة، التي تطبعت في الدارجة المغربية ، هي كلمة مأخودة من ” Le calfatage” ، وهي كلمة تعني ملء الفراغات بالقوة بين الألواح التي تشكل الغطاء الخارجي لمراكب الصيد الخشبية. وهو مصطلح نجد له مرادفا في اللغة العربية هو “الجلفطة”، إذ تجمع قواميس اللغة على أن كلمة جلفطة السفينة تعني سَدَّ ما بين ألواحها وقَيَّرَها. وفي حديث عمر: ( لا أحمل المسلمين على أعواد نَجَرَها النَّجَّار، وجَلْفَطَها الجِلْفَاط ). والجِلْفَاط هو الذي يَسُدُّ ما بين ألواح السفينة ويُقَيِّرها. ( ج ) جَلافِطَة. فيما دهب البعضالآخر إلى القول ان جلفطة تعني التهذيب: والجِلْفاطُ الذي يَسُدُّ دُروزَ السفينة الجديدة بالخُيوط والخِرَقِ. ويقال: جَلْفَطَه الجِلْفاطُ إِذا سَوّاه وقَيَّرَه. وقال ابن دريد: هو الذي يُجَلْفِطُ السفن فيُدخل بين مَسامِير الأَلواح وخُروزها مُشاقةَ الكَتّانِ ويمسَحُه بالزِّفْت والقارِ، وفعله الجَلْفَطةُ.
ويعنى القرفاد بسد الشقوق والفراغات التي تكون بين الألواح الخشبية، التي تشكل هيكل المركب ، والتي لا يمكن إغلاقها بواسطة الخشب. وهو أمر ضروري لضمان عدم تسرب الماء. حيث تكمن أهمية هذه العملية التي تحتاج للكثير من الدقة، في جعل مراكب الصيد مقاومة للماء أثناء الملاحة ، ومنع أي تسرب مفترض للمياه إلى الفجوات. وهو ما يتطلب ملء هذه الفراغات التي يتركها النجار في المركب الحديث البناء ، أو تلك الناجمة عن تقادم القطعة البحرية وتردي الألواح الخشبية .
القرفاد .. الحرفة التي تحمي الأرواح من غدر الشقوق والثقوب
هشام أكريم أو هشام القرفاد كما يحب زملاءه مناداته ، واحد من الشباب الذين يمارسون هذه الحرفة، مند سنة 2005، أكد في تصريح للبحرنيوز، أن الحرفة التي يزاولها تدخل ضمن الحرف التقليدية والتاريخية ، التي تعنى بتحصين مراكب الصيد ضد أي تسرب مفترض للمياه ، وتقوية مناعتها لتكون أكثر مقاومة لمياه البحر، عند الملاحة المرتبطة برحلات الصيد. وذلك عن طريق ملء الفجوات بين الألواح المختلفة لبدن المركب. إذ يتم إدخال مادة نسيجية عبارة عن خيوط صوفية وتثبيتها بين الشقوق والثقوب التي يصعب إغلاقها بإستعمال الخشب. وهي مهمة يأتي دورها مباشرة بعد إنتهاء أشغال النجارة، من تركيب المركب وبنائه بالخشب بالنسبة للمراكب الجديدة. ولا يرتاح بال النجار إلا بعد إنتهاء مهمة القرفاد ، لأن بنهاية هذا الدور، يكون النجار قد تسلم صك البراءة وشهادة الجودة المهنية، بخصوص سلامة الأخشاب التي إستعملها في بناء المركب .
“الحاجة لما خداماش ضروري تحيد ، لأن تركها يعني بمثابة الشروع في القتل لاقدر الله ” لأن ترك هذا الألواح قد يتسبب في حوادث قد تكون قاتلة بالنسبة لمراكب الصيد يقول هشام كريم ، إذ يملك القرفاد نوعا من السلطة المطلقة في تحديد جودة الألواح، وسلامتها ، وإظهار صلابتها وصلاحيتا في المركب. فالقرفاد وهو يتفقد خشب المركب، من خلال طرقه بواسطة البيران والإستماع لصوت هذه الطرقات، يكون أكثر حزما في تحديد جودة الخشب، خصوصا عندما يكون المركب قديما ، ويخضع للإصلاح بأورش الصيانة .
بين القوة والفن يبدع القرفاد في تقوية صلابة مراكب الصيد
يكمن دور القرفاد بالإضافة إلى تفقد صلاحية الألواح، في إغلاق المنافذ والشقوق، التي تكون بين الأخشاب لمنع تسرب المياه. إذ سجل أكريم، أن القرفاد مهنة متوارثة أبا عن جد يعود تاريخها للقدم ، وهي حرفة تستمد إسمها عند ممتهني هذه الحرفة في الطريقة التي يتم بها تثبيت الخيوط او الصوف بين الشقوق بواسطة “الوتد” او “البيران”، داك القضيب الحديدي الذي يستعمل في فتح الخشب تدريجيا ، وإختبار صلابتها. حيث الإستعانة به في إدخال نوع من الخيط لإغلاق الشقوق، بعد التخلص من الألواح الخشبية التي لم تعد صالحة. والتي تسللت إليها الأرضة “السوسة” والحشرات. كما أن الخشب يكون غير متناسق . ولا يستطيع تحمل الخيط الذي يتم تركيبه بين الخشب والخشب .
ويتم ملأ الفراغات بواسطة الخيوط أو ب “الشتوبا حلفا” وهي نوع من الصوف التي تعد أكثر صلاحية لهذه المهمة، مقارنة مع باقي أنواع الخيوط يؤكد المصدر الحرفي . كما تكتسي هذه الصوف صلابة قوية بعد تمرير الصباغة والماستيك . كما ان تثبيتها يحتاج في الأول إلى إزالة المترسبات التي تكون داخل الشقوق. وبمجرد أن تصبح المساحات بين الألواح الخشبية خالية ، يمكن إدخال الصوف أو الخيوط من أجل ملإ الشق وإغلاقه بإحكام . كما أنه في بعض الأحيان يكون من الضروري إدخال عدة “طبقات” من الخيوط ، من أجل إغلاق الشق بشكل صحيح. وهو ليس بالأمر الهين.
وافاد المصدر أن أسفل المركب يكون أكثر تضررا، ما يجعله في حاجة ماسة للمراجعة الدورية ، والإطمئنان على أخشابه ، بإعتباره يكون دائم الإنغماس في المياه. وهو ما يعرضه للتقادم والحاجة للصيانة، لتلافي الثقوب والشقوق، التي قد تكون لها نتائج سلبية على مستوى سلامة المركب وطاقمه البحري.
القرفاد.. والمثل القائل”الحرفة تعيشك ما تغنيك”
بخصوص مردودية هذه الحرفة، التي تلقى تفاصيلها من طرف أحد المعلمين قبل أن يتدرج في إتقانها، على المستوى الإجتماعي قال هشام أكريم أن “الحالة مستورة والحمد لله” ومدخولها لابأس به ف”الحرفة تعيشك ما تغنيك”، وهي حرفة يمكن وضعها ضمن الحرف التقليدية، التي لازالت تعرف إنتعاشا في أوساط الفاعلين المهنين ، سواء كان المركب حديث البناء او متقادما . فالمركب الجديد البناء يشير المصدر يستهلك من شهر إلى شهر ونصف على مستوى التقرفيد، حيث تتطلب العملية مجهودا مضاعفا لملأ مختلف الشقوق الناجمة عن إلتقاء الخشب بإستعمال الخيط والصوف لترك الفرصة للصباغ من أجل القيام بمهامه ، فيما المركب المتقادم الذي يخضع للإصلاح قد يستغرق بين 10 أيام إلى أسبوعين .
ويطالب الحرفيون الذي يعملون على صيانة هذه الحرفة، وضمان إستدامتها ، إلى ضرورة الإهتمام بالعنصر البشري والعناية بهذه الحرفة، وإعطائها أبعادا إشعاعية، لما توفره من فرص للشغل أولا، وكذا لما تختزنه من مصطلحات ومعارف وأليات، شأنها شأن الكثير من المهن البحرية، التي تشكل ثراثا لاماديا يحتاج للتثمين في المجال البحري.