القيمرون ومادة “السولفيت”.. الإحتقان المتجدد !

0
Jorgesys Html test

يعيش ميناء أكادير على وقع غضب ربابنة مراكب الصيد الساحلي بالجر، الذين يواصلون إحتجاجهم شأنهم شأن ربابنة الصيد بالجر بباقي موانئ المملكة، على استمرار الأزمة المرتبطة بمادة “السولفيت” الحافظة، وسط غياب تجاوب فعلي من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) مع مطالبهم، في وقت تتفاقم فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه مهنيي القطاع. إذ يؤكد الربابنة والمجهزون على أن الأزمة لا تتعلق فقط بمادة حافظة، بل بغياب رؤية متوازنة تُراعي واقع الممارسة اليومية، وظروف الصيد، وضرورة الحفاظ على جودة المنتوج دون التضحية بصحة المستهلك أو ضرب مصالح المصدرين.

السولفيت .. بين الحاجة التقنية والمخاوف الصحية

تُستعمل مادة ثاني أكسيد الكبريت (SO₂) ومشتقاتها، المعروفة تجارياً باسم “السولفيت”، كمادة حافظة للقشريات البحرية، وعلى رأسها القيمرون، حيث تلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على اللون والطراوة، ومنع التدهور السريع أثناء عمليات النقل والتخزين. لكن هذه المادة تخضع لضوابط دقيقة، إذ لا يُسمح قانونياً بتجاوز تركيزات محددة (غالباً أقل من 300 ملغ/كغ)، لما لها من تأثيرات صحية محتملة، خصوصاً على المصابين بحساسية الكبريتات، وفق ما تؤكده تقارير الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA) ومنظمة الصحة العالمية.

وفي غياب وسائل تبريد متطورة على متن مراكب الصيد، يلجأ البحارة إلى استعمال السولفيت،  بنسب قد تتجاوز الحد المسموح به في كثير من الأحيان لاسيما مراكب الصيد الساحلي التي تقضي مدة طويلة في البحر، لضمان سلامة المنتوج، ما يعرضهم لمخاطر قانونية ورفض شحناتهم لاحقاً عند التفتيش من طرف مصالح السلامة البحرية . بل أكثر من ذلك ففوبيا الرفض والمراقبة، أصبحت تغدي التفكير السلبي، المرتبط بتدبير المصطادات بعيدا عن أعين المراقبة،  والإنفتاح على السوق السوداء التي تبقى الحل البديل، في ظل المخاوف التي تتجدد مع كل ولوج للمصطادات القشرية لأسواق المكتب الوطني للصيد . 

وبسبب هذا الوضع، يعيش الربابنة على وقع الغليان، معتبرين أن رفض “أونسا” اعتماد مقاربة تواصلية بأبعاد تشاركية في التعاطي مع هذه المادة،  لا يواكب التحديات التقنية التي يعيشها الصيد الساحلي. ويشتكون من غياب بدائل عملية، مما يُجبرهم على الاختيار بين عمليات صيد خاسرة اقتصادياً، أو المغامرة بتحميل منتوج مهدد بالرفض والتلف. حيث يرى المهنيون أن استمرار هذا الوضع، يهدد نشاط هذا الصيد  ويزرع القلق في أوساط المستهلك وقبلهم حالة القلق التي تصاحب الأطقم البحرية طيلة الرحل .

ويؤكد الربابنة أن “المشكل ليس في رفض تكريس مفهوم السلامة الصحية الذي لاجدل بشأنه، بل في ردود الأفعال الجاهزة المتمثلة في حجز المفرغات دون مراعاة واقع البحر،  لأن المنتوج يتضرر في غياب المادة الحافظة ، والميدان أكد ذلك كما وقع في وقت سابق بميناء العرائش. لذى فما يحتاجه المهنيون هو مرحلة انتقالية بدعم الدولة ومصاحبة تقنية بحثا عن الحلول الواقعية ، وليس قرارات فجائية  ومزاجية تعطل أنشطة الصيد  وتزيد معاناة البحارة.

أي بدائل في ظل رفض مصالح الأونسا وخجل البحث العلمي 

أمام هذه الوضعية التي تبقى مثار جدل بين المهنين ومصالح الأونسا ، لا أحد يتحدث عن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، بإعتباره الجهاز العلمي للوزارة ، والذي من المفروض أن يفتح أوراش علمية من قبيل التجاوب مع حاجيات المهنيين، والبحث عن حلول تحاصر الظواهر البيئية والصحية في علاقة مع البحر والمصايد والأنواع البحرية، وكذا الإستعمالات للمواد الكميائية سواء في الصيد او الحفظ ، حيث لم يثبت وأن خرج المعهد الوطني للبحث في الصيد بأي تصريح بخصو هذا الجدل ، على الرغم من ان المعهد عادة ما يتدخل على مستوى التحديات الصحية التي تواجه قطاع الصدفيات مثلا ، وهو ما يؤكد ان مختبرات المعهد قادرة على الخوض في الظاهرة ، ولما لا البحث عن حلول إسترتيجية تنهي الجدل.

فتراكمات بخصوص إستعمال المادة الحافظة بما حلته من تبعات ، ليس أرضية لتبادل المسؤوليات او الإتهامات في التقصير بين الإدارات المتدخلة وحدودها في صناعة القرار بين إدارة الصيد ومصالح الأونسا والمكتب الوطني للصيد بإعتبار فضاءاته هي المسؤولة على التسويق والإينراش، وإنما فرصة لتعزيز الثقة والإنفتاح على البحث العلمي على الخصوص  خصوصا وان  الأبحاث في السنوات الأخيرة أفرزت بدائل واعدة، مثل مستخلصات الزعتر وإكليل الجبل، أو مزيج حمضي طبيعي من حمض الأسكوربيك والستريك، إلا أن هذه الخيارات لا تزال باهظة التكلفة، وتحتاج إلى تأهيل تقني وتكوين مستمر وبحث علمي متناغم، فضلاً عن دعم مباشر من الدولة لتشجيع استخدام المواد البديلة. كما أن اعتماد تقنيات حديثة مثل التجميد السريع والتفريغ الهوائي يمكن أن يُقلل الحاجة لمواد حافظة، لكنه يتطلب تجهيزات مكلفة غير متوفرة في أغلب مراكب الصيد الساحلي.

في هذا السياق، يُطالب المهنيون بفتح حوار جاد مع وزارة الفلاحة والصيد البحري، وأجهزة “أونسا” وكذا المعهد الوطني للبحث في الصيد، من أجل ملاءمة النصوص التنظيمية مع واقع الممارسة في الصيد الساحلي. ولما لا وضع برنامج دعم لتجهيز المراكب بغرف تبريد حديثة. مع دراسة إمكانية الترخيص باستعمال نسب مدروسة من السولفيت تجنب المصطادات التلف. مع الدعوة لتسريع اعتماد بدائل طبيعية وفعالة، من خلال دعم البحث العلمي والتجريب الميداني. لييبقى أمل الربابنة والبحارة في أن يُسهم هذا الإحتقان المتجدد في لفت انتباه الجهات الوصية إلى هشاشة القطاع، وضرورة تفعيل مقاربة توازن بين مقتضيات الجودة والصحة، ومتطلبات الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية.

.

Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا