مصطفى الكتاب، واحد من مواليد مدينة طنطان وخريج معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، الذي إستطاع أن يصنع له إسما على مستوى التكوين البحري بالديار الفرنسية، وبالضبط بمدينة الخمس موانئ مدينة لوريون. الرجل الحاصل على دكتوراه في مجال علم البحار والمحيطات تخصص الصيد البحري وتربية الكائنات البحرية، يشغل اليوم مدير مساعد للمعهد الأوروبي للتكوين البحري المستمر بلوريون بفرنسا. كما يعد المهندس الحقيقي للعلاقة البيمهنية التي أضحت تربط اليوم ميناءي لوريون وآسفي . إلتقينا بالرجل في معرض الصيد البحري بلوريون “تيك مير”، ففتح لنا صدره بكل عفوية للحديث عن التكوين البحري، سواء في فرنسا كما في المغرب ، كما تجادبنا مع إبن الجنوب المغربي أطراف الحديث حول أفاق التعاون بين ميناء آسفي وميناء لوريون.
أنت تدير المركز الأوربي للتكوين البحري المستمر ماذا عن ماهية التكوين الذي تقدمونه داخل هذا المركز؟
أولا نرحب بالبحرنيوز في لوريون ونتمنى أن يكون هذا الإنفتاح فاتحة خير على الكقاءات المغربية المنشتغلة في المجال البحري بالقارة الأوربية، وحتى أصدقك القول فهناك كفاءات بحرية تحتاج لتسلط عليها الأضواء .
وحتى أجيبك على السؤال فكما تعلمون فمدينة لوريون هي مدينة حديثة، تم بناؤها في القرن التاسع عشر، وقد بنيت على أساس كونها مدينة بحرية حتى أنها تلقب اليوم بمدينة الخمس موانئ، كما أن سكانها بحارة بامتياز، ولا تخلو أي أسرة من فرد يعمل في المجال البحري. وفي إطار هذه المعطيات تم إنجاز المركز الأوربي للتكوين البحري المستمر، حيث نراهن داخل هذا المركز، على توفير تكوين مستمرا لاعتباره أكثر استراتيجية من التكوين البدائي، فالأول يفتح المجال للشباب الذين سيعملون لاحقا، فخريجي التكوين البدائي، يحصلون على فرص العمل، ويتعلمون أشياء أخرى مع المهنيين، لكنهم غالبا ما يواجهون صعوبات، كجهلهم كيفية التعامل مع الرادار أو جيبي إس أو التعامل بالخريطة الالكترونية . فيتجه صوب التكوين المستمر لاكتساب المهارات حسب الكفايات، التي لم يتلقاها في تكوينه السابق، الذي يوفر مجموعة من الكفايات المتميزة بنظام تكويني وآليات وإمكانيات خاصة بها.
تحدثم عن التكوين المستمر وهو ما يعني أنكم تتعاملون مع بحارة عارفين بخبايا البحر وخصائصه، كما ان منهجيتكم في التكوين هي تستهدف مواضيع بعينها؟
هذا هو المقصود، فثلث حياة البحار هي تحتاج للتكوين، لكننا نهمل هذا الجانب، وبالتالي فجهل البحار ببعض الأمور المهنية خصوصا ما يتعلق بالأليات وما تقترحه التكنولوجيا الحديثة من مستجدات، يبقى التعاطي معها في حاجة لتقنيات خاصة ، و”من جهل الشيء فقد عداه”، حيث ان البحار الذي لا يواضب على مرافقة المستجدات بالتكوين المتواصل، يصعب عليه الإندماج في محيطه .
ومن جانب آخر، فنحن نراهن على تطوير حس الإبتكار والتطوير لآليات العمل في محيط إشتغاله ، فالمركز يستقبل شباب من المدارس والاعداديات يلجِؤون للمعاهد للحصول على ديبلوم بعد سنتين أو ثلاث سنوات، كما أن بعض الناس يعمدون إلى تغيير مهنهم ويلجؤون للعمل في الصيد البحري، والبعض حتى يبلغ سن الأربعين فيقرر دخول الميدان . فضلا عن وجود مهنيين يفتقرون للتكوين الذي يختلف عن تكوين الشباب، فهم بحاجة إلى تكوين خاص وبيداغوجية خاصة ومرافقة خاصة؛ ونظام يأخد بعين الاعتبار حياتهم الشخصية والعائلية والعملية؛ فيصادفون صعوبة تلقي التكوين لمدة تسعة أشهر، فهم في حاجة للاستمرارية، وتلقي حصص إضافية موازية للدراسة. فالتكوين اليوم أصبح له تقنين من طرف منظمات عالمية، لان مهنة البحار هي مهنة عالمية، لكثرة تنقلاته من باخرة إلى باخرة، ومن دولة لدولة. فالبحر مجال مفتوح . وبالتالي هناك تقنين عالمي لمحتويات برامج التكوين.
ربما تتباعون مستجدات التكوين في الصيد البحري بالمغرب، كيف ترونها من زاوية نظركم ؟
التكوين في المغرب لا ينقصه الكثير، يحتاج فقط إلى القليل من التفكير؛ فهو يتوفر على التقنيات والامكانيات ، حتى أن المعاهد اليوم هي تتوفر على أحسن وأحدث التجهيزات . فعندما نزور هذه المعاهد ببلادنا نقول ماشاء الله، لتوفرها على تجهيزات لا نجدها حتى باكبر المعاهد الأوروبية. غير أن حجر الزاوية في إشكالية التكوين، يكمن في كون هذه المعاهد هي تفتقر للعلاقة بين التكوين والمهنيين. فهناك فرق بينهما، ما يتطلب تدبير استراجية التكوين، وتسخيره ليكون في خدمة المهنة. فمثلا عندما يتجه خريجو المعهد إلى الميدان من أجل الاشتغال، يقول له “الرايس” أو الربان، “أنت يا بني لازلت مبتدء”، بدعوى أن التدريب الذي تلقاه في المعهد هو من أجل اجتياز الامتحان لاغير. فالمطلوب اليوم هو أن يستجيب التكوين لحاجيات المهنيين و ويغطي الخصاص ، لأن الإشكال الذي نعاني منه في المغرب ، هو كون التكوين أكاديمي زيادة عن اللزوم، ما ينتج عنه غياب الإندماج بين المهنيين والتكوين، الأمر الذي يفرض إعادة النظر في مبدأ التكوين من أجل التكوين. فالتكوين في آخر المطاف هو إعطاء القدرة على القيام بعمل ما.
في ظل الخصاص المهول الحاصل في اليد العاملة البحرية بالمغرب خصوصا البحارة ، إضطرت مديرية التكوين مؤخرا إلى إعتماد أيام محدود قد لا تتجاوز أسبوع لتأهيل البحارة الجدد ، هل أيام محدودة قابلة لتخريج بحار مؤهل لمباشرة مهنته على ظهر مراكب الصيد ؟
يمكن إعتماد هذا النوع من التكوين للبحار من أجل تلقينه الكفايات التي يحتاجها على ظهر المركب، لكن يصعب تمكينه من مختلف أساليب وأليات الإشتغال في أيام محدودة. لكن بالمقابل فإن مناهج التكوين يمكنها ان تعتمد مبدأ التدرج وعلى مراحل، تستهدف كل مرحلة تعريف البحار بمهمة خاصة، والاستمرار في التكوين، ما سيمكنه من القيام بعدة مهمات أخرى، كالتدريب على كيفية اخماد الحريق في المركب فهذه المهمة كافية ، أو كيف ينقذ زميله أثناء الاصابة ويمده بالاسعافات الاولية، وهذا ما يسمى بالتكوين بالكفايات، الذي يمكن أن يمتد يوما أو ثلاث أو أربع أيام وهكذا ذواليك، ما يجعل من إعتماد أيام محدودة في التكوين كافية، بأن يكتسب البحار عدة مهارات، لكن دون الوصول إلى إنتاج بحار متكامل.
جميل جد أن نشاهد إطارا مغربي يفرض نفسه بهذه الكاريزمة هنا بالديار الفرنسية، سيما في ظل التقدير الكبير الذي أصبح شخصكم يحضى به لدى مسؤولي ومهنيي لوريون، ما السر في ذلك؟
نحن المغاربة بصفة عامة نتميز بالشعور بالحب والغيرة على بلادنا، وفي بلاد آخر يتوجب عليك أن تضاعف مجهوداتك وعملك، وأن تكون جادا لتكون مقبولا في مجتمع غير مجتمعك. والحمد لله حصلت على الدكتوراه بميزة حسن، وبالتالي يقدرونك الناس حسب ما اكتسبته كما يقول المثل الحساني “”لكل زرع عندو شرايو”، فالناس عادة ينظرون إلى أعمالك وأخلاقك وعلاقتك بالآخرين، وإذا انعزلت عن الناس فلا أحد سيبالي بك. والحمد لله عشت بفرنسا حوالي 20 سنة، ودخلت ميدان التكوين من باب أستاد بالمركز ، تم مديرا. كما تقلدت مسؤوليات بوأتني الحصول على تشريفات بفرنسا. فتكويني وظروف عملي جعلني أنظر للعالم بعينين، إحداهما مغربية والأخرى فرنسية. وبالتالي هذه الاختصاصات هي التي تدفعني إلى استثمار قدرتي في الصالح العام، ومن هنا إنبثقت فكرة ربط علاقة قوية بين آسفي ولوريون، التي تحولت من مجرد فكرة إلى مشروع دخل إلى حيز التنفيذ بشكل واعد .
إرتباطا بموضوع العلاقة التي أصبحت تربط لوريون بميناء أسفي، التي يعود لكم فضل هندستها ونسجها على الشكل التي هي عليه اليوم ، كيف تم الأمر؟
كانت لي دائما علاقات في الميدان وكنت أتنقل إلى الأقاليم الجنوبية كالعيون، طانطان، والداخلة. كان لي أندفاع نحو الأقاليم الجنوبية في فصل الصيف، إلتقيت بأناس من مدينة آسفي هنا في فرنسا بمهرجان بمدينة “بغيست” وكانت فرصة للتعرف على مهنيي ميناء آسفي، وأثناء هذا اللقاء تولدت الفكرة بتقريب مهنيي المغرب ومهنيي فرنسا، وهذه العلاقة الانسانية والشخصية هي من دفعتني للتعاطف مع مهنيي آسفي، وأصبحت علاقة حميمية وعلاقة صداقة، إلتقينا بعد ذلك مرارا وتكرارا حول كيفية بدء المشروع، حتى تواصلنا والتقينا بأليوتيس بمدينة أكادير السنة الماضية، بعد ذلك قمت بتحسيس مسؤولي ميناء لوريون بضرورة الذهاب معي لأكادير، لخلق لقاء مع مهنيي آسفي، هنا قمت بترأس بعثة فرنسية إلى أليوتيس، حيث إلتقينا بمهنيي ميناء آسفي تحت لواء الكونفيدرالية المغربية لمهنيي الصيد. واتفقنا على تنظيم عدة لقاءات لنمضي قدما.
قمنا بتنظيم رحلة آخرى لآسفي، في شهر مارس 2017، ووضعنا أهم الخطوط العريضة لمشروع تطوير علاقة التعاون البينية ، كما خرجنا بخطة عمل؛ تنبني على ثلاث اتجاهات، الأول يصب في مجال تثمين تجارة السمك، ففي فرنسا هناك نقص في المنتوج، فلما لا يتم إستيراد المنتوجات البحرية من المغرب خصوصا من آسفي، إنطلاقا من التأسيس لعلاقات تجارية تنشط في هذا الإطار، وبمساعدة مختلف الأطراف سواء بالمغرب أو فرنسا، إنطلقت عملية إستيراد الأسماك المغربية في مرحلتها التجريبية ،والتي تتيح دراسة ميدانية حول تجاوب السوق الفرنسية مع هذه التجربة ، التي أثمرت نتائج إيجابية . ويعنى الجانب الثاني بتطوير وسائل الصيد، خاصة أننا نعرف تقنيات في مجال الصيد وتطويرها، من أجل صيد فعال ، مع المحافظة على الثروة السمكية وتحقيق اقتصاد في كل من الآليات وفي المنتوج، بمعنى ان نصطاد أقل ونربح أكثر، وقد إنطلق الأصدقاء الفرنسيون في تفعيل هذا الجانب، حيث من المنتظر ان تزور بعثة تتكون من خبراء وتقنيين ميناء آسفي قريبا لتجريب بعض الآليات على تقنيات الصيد . تم تهم الركيزة الثالثة مجال التكوين؛ تكوين الطاقة البشرية وتطوير الامكانيات البشرية، عبر تكوين البحارة، حيث هناك شبه إتفاقية مع معهد الصيد البحري بأسفي. إذ سيتيح هذا المرتكز الثالث القيام بتكوينات مشتركة بين المعهدين، تستهدف مختلف الجوانب من الناحية البيداغوجية، وتكوين المكونين وتطوير طرق تكوينهم . فنحن بحاجة لمكونين ومختصين يتميزون ببيداغوجية، وكذا الانقاذ والمحافظة على النفس البشرية.
هي محاور واعدة على مستوى العلاقات البيمهنية التي أصبحت تربط بين مينائي عريقين، فهل التعاون منحصر في المجالات الثلاث فقط التي تفضلتم بذكرها؟
نعم ثلاث محاور واعدة والتي سيتم التركيز عليها بشكل كبير ، بالإضافة إلى محور آخر هامشي لكنه بمقومات عالية ، يتعلق الأمر بتثمين المنتوجات البحرية دون التفريط في أي من مكوناتها، حيث يوجد بلوريون معهد مختص بتثمين وتطوير منتوجات جديدة، من خلال تطوير البقايا والمتلاشيات وإستخراج أشياء أكثر ثمنا حتى من السمك نفسه، إذ يتم إستخلاص منتوجات كيميائية لها قيمة في التداوي والتجميل. ففي المغرب نقوم بالتخلص من عظام الأسماك وجلدها عوض استخدامها في عدة مجالات مطلوبة في الأسواق العالمية. وهذا المعهد أصبح اليوم تربطه علاقات مع شركات تشتغل في الصناعات البحرية في أسفي، من أجل نهج نفس الطريقة، مما يدخلها في علاقة خاصة بينية، بين المعهد والمؤسسة، والعملية ككل فيها جوانب مختلفة، تصب كلها في علاقة كاملة وشاملة، غير أن المشروع لا زال يحتاج إلى تفكير وتطوير.
في ظل المعطيات المذكورة كيف تنظرون لمستقبل هذه العلاقة البيمهنية ؟
في جميع العمليات تستلزم توفر الظروف الملائمة لكي تسير الأمور بشكل جيد؛ أولا يجب التوفر على العنصر البشري، فالتقائي بمهنيي آسفي هو إلتقاء لارادتين، من أجل تحقيق غاية ما، ثانيا البحث عن أشخاص يتوفرون على مفاتيح ، ثم البحث عن المسؤولين في مستوى ثالث . فخلال زيارة ميناء آسفي، تلقينا المساعدة من طرف السلطة المحلية والإقليمية، ومعها الفاعلين الإقتصادين الذين استقبلواالمشروع. وخلال البعثة لمعرض اليوتيس كنت قد طلبت من عمدة لوريون مرافقة البعثة إلى أكادير ، فوافق رغم أنه لا تربطه أي علاقة بالمجال البحري، واقتنع خلال هذه الزيارة أن مجيئه لم يكن عبثا، خصوصا في ظل الترحاب الذي قدمه المسؤولون المغاربة وعلى رأسهم المكتب الوطني للصيد ، والذي توج بالتوقيع على بروتكول تعاون مع ميناء لوريون . بعد ذلك بدت رغبة المسؤولين الفرنسين تتضح بشكل قوي في تنزيل الإتفاق على ارض الواقع. وهو ما تم بتنسيق مع مهنيي ومسؤولي ميناء أسفي ، وبناء على هذه المعطيات يمكن توسم الخير في مستقبل هذه العلاقة ، التي لا تزال في مرحلتها البدائية، حيث إنطلقت من فكرة إلى مشروع قبل أن تصبح على ماهي عليه اليوم . فكل المتدخلين يراهنون على إنجاح التجربة، حيث تبرز النية الحقيقية في خلق شراكة نموذجية بين الميناءين .
نعم الرجل المغربي بكل المقاييس الوطنية والوطني الذي يحب بلده حتى النخاع الشوكي .
هدفه الرئيسي والشغل الشاغل هو تحقيق المراد فيما يصبو إليه ونقل التجربة المهنية خاصة في التكوين المهني البحري إلى. وطنه وأبناء بلده عن طريق المؤسسات المهنية من أجل الرفع من القدرات المهنية البحرية وتلقي الخبرة للعنصر البشري للمحافظة على.الثروة السمكية وكيفية التعامل معها في البحر أثناء الصيد.