المد البحري : أسبابه وأنواعه

يتوفر المغرب على شريط ساحلي جد مهم يمتد على طول يبلغ 3500 كلم. هذه المناطق الحيوية تستقطب الكثير من الساكنة التي تقطن المدن الساحلية حيث أن العديد من المدن الكبرى للبلد تتواجد بالقرب من البحر (الدار البيضاء، الرباط، سلا، القنيطرة…إلخ). كما أن هذه السواحل تتوفر على منشآت أقتصادية جد حيوية للاقتصاد الوطني كالموانئ (أكثر من 40 ميناء)، مصفاة لتكرير البترول، محطة حرارية، كما تتوفر على منتجعات سياحية عديدة. هذا الضغط العمراني و السكاني الكبير الذي يتعرض له الساحل يؤثر سلبا على التوازن الإيكولوجي لهذا الفضاء و يضعف من مقاومته ضد الظواهر الطبيعية التي يتعرض لها مما يجعله عرضة لعوامل التعرية. و نتيجة لذلك فإن الساكنة المتواجدة في السواحل تصبح أكثر تهديدا و هشاشة أمام تلك الأخطار الطبيعية القادمة من البحر. و يوجد في مقدمة هذه الأخطار ظاهرة المد البحري الذي أصبح يؤرق مضاجع الكثير من هذه الساكنة. و مع تزايد حدة الإحتباس الحراري و ارتفاع وثيرة التغيرات المناخية فإن هذه الظاهرة يتوقع أن يزداد معدل حدوثها في المستقبل. مما قد يؤدي إلى تعرضها إلى فيضانات بفعل ارتفاع مستوى البحر و خاصة تلك التي تتواجد على ارتفاع منخفض.

ما هو المد البحري؟ ما هي أسبابه؟ هذا المقال سيحاول الإجابة عن هذه الأسئلة بطريقة سهلة ومبسطة وذلك باستعمال صور توضيحية.

ما هو المد البحري؟

المد البحري مصطلح يطلق عادة عندما يرتفع مستوى البحر بشكل ملحوظ و استثنائي عن مستواه المتوسط. ونتيجة لذلك المد البحري تغمر مياه البحر المناطق المحادية للشاطئ خصوصا تلك التي يكون إرتفاعها قريبا من مستوى سطح البحر. لكن و لسوء الحظ هذه التسمية لا تعبر عن الأسباب التي أدت إلى هذا الإرتفاع المفاجئ و الإستثنائي لمستوى البحر و بالتالي يتم الخلط بين أنواع المد المختلفة. و مثالا على ذلك، المد البحري الذي حدث ليلة السابع من يناير 2014 و الذي خلف العديد من الخسائر على طول الشواطئ الأطلسية للمغرب كما خلف هلعا كبيرا وسط المواطنين. العديد من وسائل الإعلام وصفت هذا الحادث بأنه تسونامي صغير’ميني تسونامي’ مما يبين قلة الوعي و المعرفة بهذا الموضوع لدى شريحة واسعة من المواطنين.

سنحاول في الفقرات التالية شرح الأسباب التي تؤدي إلى تكون المد البحري و كذلك أنواعه الثلاثة.

ما هي أسباب تكون المد البحري؟

هناك عدة أسباب للمد البحري. و لكن يمكن تلخيصها في ثلاثة أسباب رئيسية: أولا، أسباب مرتبطة بالقوى الجادبة التي تمارسها الأجسام الفلكية المجاورة للأرض على مياه البحار و المحيطات(خصوصا الشمس و القمر).ثانيا، أسباب متعلقة بالزلازل التي تحدث قي القشرة الأرضية تحت البحار و المحيطات. و أخيرا، أسباب خاصة بالأحوال الجوية و الرياح العنيفة التي تنتج عن العواصف القوية التي تتكون على سطح المحيطات و البحار. وهذا الجدول يلخص أنواع المد البحري.

أنواع المد البحري؟

المد البحري الفلكي :(المرادف بالفرنسي marée astronomique)

المد الفلكي هو ظاهرة بحرية طبيعية تتكون من مرحلتين تحدث لمياه المحيطات والبحار.مرحلة المد يحدث فيها إرتفاع وقتي تدرجي في مستوى مياه سطح المحيط أو البحر. ومرحلة الجزر يحدث فيها انخفاض وقتي تدرجي في مستوى مياه سطح المحيط أو البحر. وتنجم هذه الظاهرة عن التأثيرات المجتمعة لقوى جاذبية القمر والشمس ودوران الأرض حول محورها (قوة الطرد المركزية).

بعض الشواطئ يحدث بها دورتين للمد و دورتين للجزر يوميا ويسمي ذلك بالمد نصف اليومي. وهذا ما يحدث في جل الشواطئ المغربية. بعض المواقع الأخرى يحدث بها دورة واحدة للمد ودورة واحدة للجزر فقط كل يوم، ويسمي ذلك بالمد اليومي. بعض المناطق يحدث بها مدين وجزرين متفاوتين في اليوم الواحد، وفي بعض الأحيان الأخرى يحدث بها مد وجزر واحد كل يوم، وهذا ما يسمى بالمد المختلط. تتأثر آونة و مدة المد والجزر في مكان ما بالمحاذاة (موقع) بين الشمس والقمر، و بنمط المد والجزر في المياه العميقة للمحيط، وبأنظمة التقابُل المساري للمحيطات. كما يرتبط بشكل الخط الساحلي وبقياس الأعماق القريبة من الشاطئ.

كيفية حدوث ظاهرة المد والجزر:

تنشأ حركة المد والجزر بفعل جاذبية الشمس والقمر لمياه البحار والمحيطات ولأن القمر أقرب إلى الأرض فتأثير جاذبيته تكون أكبر رغم صغر حجمه فنستنتج ان جاذبية القمر هي أهم عامل في حدوث المد والجزر، ولكن هنالك عامل أخر وهو قوة الطرد المركزي الناتج عن دوران الأرض حول نفسها. يحدث المد والجزر مرتين كل يوم “مرة كل 12 ساعة” لأن أجزاء سطح الأرض تمر في أثناء دورتها أمام القمر فيحدث المد في الأماكن المواجهة للقمر، ثم لايلبث أن يحدث الجزر عندما تبتعد هذه الأماكن عنه، ويختلف ارتفاع المد باختلاف موقع القمر في مداره بالنسبة لكل من الأرض والشمس.

– في فترة المحاق (بداية ظهور الهلال) وعند البدر (منتصف الشهر القمري) يعلوا المد إلى أقصى ذروته نظرا لوقوع الشمس والقمر في جهة واحدة وتبلغ قوة جاذبية القمر أقصاها عند ظاهرة الكسوف.

– في الأسبوعين (الربع) الأول والثالث من كل شهر قمري يكون المد ضعيفا بسبب وقوع كل من الشمس والقمر على ضلعي زاوية قائمة رأسها مركز الأرض وبذلك تحاول جاذبية الشمس تعديل جاذبية القمر.

المد البحري الجوي:(المقابل بالفرنسي surcote)

هذا المد ينتج عن الإضطرابات الجوية التي تحدث على سطح البحار و المحيطات. هذه الإضطرابات ،خاصة العواصف الشديدة و الأعاصير، تتسبب في إنخفاض شديد للضغط الجوي و اشتداد سرعة الرياح السطحية. الرياح القوية تولد أمواج عالية على سطح البحار. كما أن إنخفاض الضغط الجوي يساهم في الرفع من مستوى الماء. زيادة على ذلك، يمكن للأمطار الغزيرة المصاحبة لهذه الإضطرابات أن تساهم في الرفع من مستوى الماء عندما تصل هذه الإضطرابات إلى المناطق الساحلية. و على العموم يمكن تلخيص العوامل التي تؤدي إلى حدوث المد البحري الجوي في ثلاث عوامل التالية:

أ-إنخفاض الضغط الجوي:

من المعروف أن الغلاف الجوي يمارس قوة ضاغطة على سطح البحار و المحيطات.و بالتالي فإن مستوى سطح البحر يختلف مع تغير قيمة الضغط الجوي. عندما ينخفض الضغط محليا، يمارس الهواء ضغطا (قوة) أقل على سطح البحر مما يؤدي إلى إرتفاع منسوب المياه هناك (وتقدر هذه الزيادة ب 1 سنتمتر لكل هيكتوباسكال أقل). أي إرتفاع مستوى المياه في ظروف الضغط المنخفض. و يحدث العكس في حالة الضغوط الجوية المرتفعة. عندما يرتفع الضغط الجوي على سبيل المثال إلى 1023 هكتوبسكال أي 10 هكتوبسكال أعلى من متوسط الضغط المرجعي (1013 هكتوبسكال)، ينخفض مستوى سطح البحر ب 10 سم. هذه الظاهرة يطلق عليها مفعول ‘البارومتر المقلوب’.

ب-أمواج الرياح:

في المناطق الساحلية، تساهم الأمواج بدورها في الرفع من مستوى سطح البحر. وهي تؤدي إلى زيادة في المستوى المتوسط للبحر على الشاطئ. هذه الزيادة تبلغ نحو 15٪ من ارتفاع الأمواج البحرية (عادة ما بين 10 سنتمتر إلى 1.5 متر). هذا الإرتفاع المرتبط بالأمواج يكون أكثر حدة عندما يكون إنحدار الشاطئ ضعيفا.

ت-الرياح السطحية:

وفقا لاتجاهها وقوتها، فإن الرياح السطحية يمكن أن تولد تيارات بحرية متعامدة مع الشاطئ. هذه التيارات البحرية يمكن أن تسبب في تراكم المياه في اتجاه الشاطئ حسب شكله ومدى عمق المياه فيه.

المد البحري الذي ضرب الشواطئ المغربية ليلة 7 من يناير 2014 هو نتيجة لتزامن عاملين أساسين و هما:

-مد فلكي قصوي بلغ ارتفاعه اكثر من 3,5 متر(الدار البيضاء)،

-و وصول أمواج عالية و جد طويلة: علوها بلغ تقريبا 7,5 متر و طولها و صل إلى أكثر من 650 متر.

   المد البحري التسونامي:(raz de marée)

كلمة تسونامي ذات أصل ياباني و هي مكونة من كلمتين “تسو” أي الكبيرة و “نامي” أي الموجة. و بالتالي فهذه الكلمة تعني الموجة الكبيرة أوالعملاقة.

يحصل المد البحري التسونامي بسبب أمواج عاتية تحدث بفعل زلزال في أعماق البحر أو المحيط. وفي نقطة الانطلاق تكون أمواج التسونامي صغيرة متباعدة جدا( كما نلاحظ  في الصورة التوضيحة أسفله) لأن كثل المياه الهائلة التي يحركها الزلزال تتنقل على عمق ارتفاع القاع بخلاف الأمواج العادية التي تقتصر فقط على سطح الماء.

ومع اقتراب أمواج المد البحري من السواحل بسرعة كبيرة تبلغ 800 كلم تقريبا، ترتفع المياه من قاع المحيط مما يركز الطاقة التي يحركها التسونامي. وتتباطأ سرعة الأمواج وتتقارب ويزداد ارتفاعها بشكل ملحوظ إذ يمكن أن تصل إلى أكثر من عشرين مترا. وبإمكان موجة التسونامي أن تفقد كمية قليلة من طاقتها، في حال كانت السواحل تبعد آلاف الكيلومترات عن مركز الهزة.

أهم موجات التسونامي التي ضربت الشواطئ المغربية عبر التاريخ:

-تسونامي 1 نونبر 1755 : هذا المد التسونامي كان الأعنف في تاريخ المغرب. حسب الشواهد التاريخية فقد خلف الكثير من الضحايا على طول الساحل المغربي الذي يمتد من طنجة إلى أكادير. خلال هذا المد الكبير دخلت مياه المحيط الأطلسي إلى مسافة 2 كلم داخل اليابسة.

-تسونامي 28 فبراير 1968 :هذا التسونامي لحسن الحظ كان أقل حدة من الأول و لم يخلف ضحايا في الأرواح. كلا المدين كانا نتيجة لزلازل حدثت في الشواطئ المقابلة للبرتغال. هذا المد الأخير نتج عن زلزال تبلغ قوته 7,3 على سلم رشتر.

إعداد: محمد الحو خبير في الإرصاد البحرية.