الوطية بين شح السردين وتحديات المستقبل !

0
Jorgesys Html test

بقلم عبد الخالق جيخ *

تعيش مدينة الوطية بعمالة طانطان، وهي أحد أبرز الموانئ المغربية المتخصصة في صيد السردين، على وقع أزمة خانقة تهدد ركائزها الاقتصادية والاجتماعية. فقد شهدت المصيدة تراجعاً حاداً في الكميات المصطادة، وهو ما انعكس بشكل مباشر على نشاط المراكب، وأربك دورة الإنتاج التي تشكل شريان الحياة للمدينة منذ عقود.

منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، حين أُنشئ ميناء الوطية، ظل السردين العمود الفقري لاقتصادها. فالمعامل بمختلف تخصصاتها، من التصبير والدقيق والتجميد إلى وحدات صناعة الثلج، وأسواق السمك وسلاسل النقل والتوزيع، كلها ارتبطت عضوياً بهذا النوع البحري. ولم يكن السردين رافعة لطانطان وحدها، بل للجهة ككل، حيث ارتبطت به آلاف الأسر من بحارة وعمال وتجار صغار. غير أن هذا الارتباط جعل الوطية رهينة لتقلبات البحر، إذ يكفي تراجع المصيد حتى تهتز المنظومة الاقتصادية والاجتماعية برمتها.

اليوم تبدو الصورة قاتمة في الميناء، مع مراكب اضطرت لرفع شباكها بعدما تحولت رحلاتها إلى مغامرات غير مجدية في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل، خاصة المحروقات، وغياب مردودية حقيقية. عشرات المراكب أوقفت نشاطها وسرحت أطقمها، بينما تمكنت قلة من جلب كميات متباينة من أسماك البونيت، التي ظهرت تدريجياً في عرض السواحل في وقت سابق . وبعثت على بعض الانتعاش، إلا أنها مفراغات تبقى محدودة مقارنة بثقل السردين في ميزان الاقتصاد المحلي.

الأثر الاجتماعي لهذه الأزمة مقلق، إذ يتجاوز البحارة وأرباب المراكب ليشمل آلاف العمال في معامل التصبير والتجميد التي تعتمد على السردين كمادة أولية. تقليص ساعات العمل أو توقف الوحدات الإنتاجية أصبح احتمالاً قائماً، فيما يواجه مئات البحارة المسرحين أوضاعاً هشة في غياب بدائل اقتصادية واضحة. وهكذا تتجسد الحلقة المتسلسلة: تراجع السردين يؤدي إلى توقف المراكب، فتتأثر المعامل، وتتعطل سوق الشغل، وتضعف القدرة الشرائية للأسر، لينعكس كل ذلك على الدورة التجارية في المدينة.

أهل الإختصاص يرجعون هذا الشح إلى عوامل بيولوجية ومناخية متشابكة، حيث تغير التيارات البحرية في الخريف من أنماط هجرة الأسماك السطحية الصغيرة. وهو ما يطرح علامات استفهام حول فعالية مخططات التهيئة والتدبير التي أطلقتها السلطات خلال العقد الأخير، ومدى قدرتها على ضمان استدامة الموارد البحرية وحماية التوازن البيئي. ورغم قسوة الوضع، تلوح مؤشرات جزئية لبوادر أمل، إذ بدأت أسماك البونيت والأنشوبة في الظهور تدريجياً، فيما تراوحت أسعار البيع بين 9.5 و10 دراهم للكيلوغرام، مما ساهم نسبياً في التخفيف من آثار الأزمة. غير أن هذه الأصناف تظل عاجزة عن تعويض القيمة الاقتصادية والاجتماعية التي يمثلها السردين بالنسبة للوطية.

إن الأزمة الحالية لا يمكن اعتبارها عابرة، بل جرس إنذار يستوجب إعادة النظر في النموذج الاقتصادي القائم على مورد واحد. فالسردين الذي شكل سرّ ازدهار المدينة قد يتحول إلى نقطة ضعفها إن لم تتم مواكبته برؤية استراتيجية تدمج بين الاستدامة البيئية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية القطاعية. فالوطية اليوم على حافة الانتظار، بين شحّ السردين من جهة، وتطلعات المهنيين والسكان إلى غد أفضل من جهة أخرى. ويبقى السؤال المفتوح، هل تتحول هذه الأزمة إلى فرصة لإعادة البناء على أسس أكثر صلابة واستدامة، أم تبقى مجرد حلقة جديدة في سلسلة أزمات متكررة؟

*عبد الخالق جيخ فاعل كنفدرالي سابق مدون مهتم بقضايا الصيد البحري 

Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا