بعد أن غيبه المرض لفترة طويلة، عادت مواقع التواصل الإجتماعي لتحمل لنا معاناة الإعلامي محمد البوعناني مع المرض. وهو الذي تعرفنا معه في العقود الآخيرة على أسرار البحر المغربي، بلكنته الشمالية وثقافته المتوسطية، التي يسرت لكثير من المغاربة فهم أسرار البحر، وغناه بالثروات السمكية، حتى أصبح الشارع يردد المقولة الشهيرة “عندنا 2 بحور ونشريو الحوت غالي” .
محمد عبد السلام بن العربي البوعناني، الذي تعرف عليه البحارة وعموم المغاربة من خلال برامج “المغرب البحري” و”لو يحكي البحر” تم “مجلة البحر” التي لازالت القناة الأولى تعيد حلقاتها ، هو كما تناولت مجموعة من التقارير سيرته الحياتية ، ولد عام 1929 في مدينة أصيلة. وحفظ القرآن في المدرسة القرآنية، وبعد أن أنهى الدراسة الابتدائية، انتقل إلى تطوان، فأنهى دراسته الثانوية، ثم التحق بالمدرسة العليا للمعلمين وتخرج منها سنة 1950.
عمل البوعناني مدرسا بالريف، ثم تطوان، ثم جذبته الإذاعة فترك مهنة التعليم، ليعمل بالإذاعة المغربية بالرباط، ثم بالقسم العربي لإذاعة باريس. وبعد استقلال المغرب التحق مرة أخرى بإذاعة المملكة المغربية كرئيس للبرامج. تولى رئاسة تحرير مجلتي “الفنون” و “حدائق “، كما عمل مراسلاً لعدد من الصحف العربية المشرقية. كما أنتج للإذاعة عشرات البرامج، وقدم العديد من المسابقات الثقافية بالتلفزيون.
وفي حوار سايق مع جريدة الأحداث المغربية نشر بتاريخ 1 شتنبر 2012 على خلفية إستئناف ظهوره على شاشة القناة الأولى من خلال برنامج “مجلة البحر” ، قال البوعناني : “الجديد هو البحر ذاته. هذا المغربي الممتد على مسافة 3600 كلم، والدائر حولنا كمنطقة اقتصادية من ذهب. لكم أهملناه وأدرنا له ظهرنا في الماضي والحاضر، وركزنا اهتمامنا فقط على “الوطا” والأراضي التي تمنحنا الزرع، مع العلم أن كل التهديدات تاريخيا، والمصائب التي ألمّت بالمغرب جاءتنا من البحر. وكل ما حققناه من شهرة وامتدادات حضارية كان عن طريق البحر. فهو ليس فقط الوسيلة الكبرى لانفتاحنا على العالم والتواصل معه، بل هو أيضا مصدر ثرائنا من ناحية الثروة السمكية التي يدخرها، ومن الناحية السياحية كذلك.“
وأكد البوعناني “سيد البحار” كما يلقبه معجبوه، “أن البحر هو الرئة التي يتنفس منها المغرب، ويمنحنا الإمكانيات التي تساعدنا على الازدهار السياحي. كل ما هو متعلق بالسياحة عندنا فهو متعلق بالبحر أكثر. والبحر الأبيض المتوسط اليوم، هو أكثر بحار العالم مرضا واعتلالا في العالم كله. لم يعد هذا البحر الجميل كما كان من قبل. ارتفعت نسبة الملوحة فيه، وبدأ يكتسح المناطق البرية، ويلتهم الأراضي الزراعية. وصار مستهدفا بالصيد العشوائي”
وفي رسالة نبيلة تؤكد إرتباط الرجل الوثيق بالبحر، أكد محمد عبد السلام بن العربي البوعناني أنه يتواجد بين اثنين : الكاميرا على يمينه والبحر على يساره. “ربما أموت في هذا الوضع، ولكني سأموت وقتها يقول البوعناني ، وأنا أمارس العمل الذي أحبه.” غير أن المرض الخبيث نال من جسد الرجل، لكنه لم ينل من حبه للبحر الذي ظل البوعناني يتردد عليه، بل إختاره على مدار فتراته المرضية مكانا من أجل النقاهة والإستشفاء .