تؤكّد معظمُ المصادر التاريخية أنّ كريسطوبال كولومبوس المولود فى مدينة جِنْوة الإيطالية عام 1451، فى التاريخ المتراوح بين 1459-1481 بدأ سفرياته نحو السّواحل الأوروبيّة لتمويل مغامراته فى أعالي البحار ،وأقاصي المحيطات.كان بحّاراً مغامراً كبيراً وذلك على الرّغم من أنه كان يميل إلى العزلة، ويتحاشى الإختلاط . ومعروف عنه أنه في سنّ مبكّرة وهو بعد فى شرخ الشباب وريعانه (19 ربيعاً) إنضمّ إلى أوّل بعثة مسلّحة فى محاولة من ملك جِنْوَة “دانييرو دي أنجو”عام 1459 للسّيطرة على مدينة نابولي لصالح نجله حيث لم يفتأ يطالب بهذا العرش من الأراغونيين .
وتصف بعضُ كتب التاريخ كذلك أنّ كولومبوس كان من القراصنة الكبار، وقد شارك فى عدّة مناسبات ضمن غارات على جِنوة، والبندقية ، وكان الرحّالة الإيطالي الشّهير “ماركو بولو” من أبرز شخصيات هذه الحروب والغارات أيضاً ، إشتغل كولومبوس فى صفوف فرسان البحر فى خدمة بلاده ما بين 1461-1465 حيث حصل على العديد من الغنائم منها عشرات السُّفن التي كانت تمخر عباب البحار والتي كانت تنتمي إلى البندقية .
كما قام بهجمات على المرافئ المغاربية فى شمال إفرقيا التي كان يعتبرها بعض الأوربييّن أوكاراً للقراصنة، ففى 1461 قاد كولومبوس سفينةً مسلّحةً إلى ميناء تونس بهدف إطلاق سفينة إسبانية أخرى كانت مُحتجَزة هناك من طرف قراصنة مسلّحين، وخلال هذه الغارة البحرية نجا كولومبوس فى عرض البحر بأعجوبة على إثر تمرّد قام به البحّارة الذين كانوا مرافقين له وأعلنوا العصيانَ عليه حيث فرّ بجلده إلى مدينة جنوة. عمل هذا المغامر كذلك كبحّار محارب لدى ملك فرنسا، وحاول من خلال ذلك الحصول على ثروة طائلة لتعاطيه التجارة، إلاّ أنّ مساعيه فى هذا السبيل باءت الفشل فى آخر المطاف.
وفى 1479 إنتقل للإقامة فى البرتغال حيث شارك فى عدّة بعثات إلى السّواحل الإفريقية خاصّة إلى سواحل غينيا غرب إفرقيا ،وهناك إتضح له عبثية فكرة الوصول إلى الهند بالدوران حول إفرقيا، إذ لولا وصول كولومبوس فى خطٍّ متوازٍ إلى الأراضي الأمريكية فيما بعد لكان السفرُ طويلاً جدّاً بل ومُستحيلاً بالنسبة لمراكبه الشراعيّة .
كان كولومبوس محارباً شجاعاً شديدَ المراس، كان مُثقلاً بالفضول، والتطلّع نحو إكتشاف آفاق بعيدة، وعوالم جديدة، ومجاهل نائية ،ومعروف أنّ غيرَ قليلٍ من المؤرخين والكتّاب،وحتى العامّة عملوا على حبكَ العديد من القصص، والحكايات التي حيكت، حوله وتحوّلت فيما بعد إلى أساطير، إلاّ أنّ شخصيته الحقيقية تظلّ محصورةً فى رجل بحّار طموح ، ومغامر كبير،كما أنّ هناك من المؤرّخين الثقات مَنْ يؤكّد أنّه لم يصطحب معه خلال رحلته الإستكشافية الكبرى إلى أمريكا الوسائلَ والأدوات العربية ( البَوْصَلة ، الأسْطُرْلاب ، الخرائط إلخ) وحسب، بل كان معه كذلك أناس من أصل عربي أو أمازيغي يُجيدون اللغةَ العربية لظنّه فى بداية الأمرأنه كان متّجهاً صوب الهند، وليس نحو قارّة نائية جديدة .
مقتطف من مقال “523 سنة مرّت على وصول كولومبُوس إلى القارّة الأمريكيّة” لصاحبه محمّد محمّد خطّابي*
عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا.