لم يتوقع بنعبد الله بنسرية، ابن مدينة بني مطهر شرق المغرب، أن تقوده الأقدار ليشتغل في أضخم مشروع للبنية التحتية بالعالم، “توسعة قناة بنما”، والتي افتتحت رسميا، الأحد الماضي، في احتفال شعبي بحضور عدد من رؤساء الدول وكبار المدعوين من ربوع العالم.
وإن كان جل العاملين بهذا الورش الضخم يحملون جنسية البلد “بنما”، فإن الشركات المنفذة للمشروع لجأت إلى يد عاملة أجنبية أحيانا كثيرة في عدد من الاختصاصات التقنية، بسبب الخصاص في التكوين، وضخامة الأشغال، التي تطلبت مساهمة أزيد من 30 ألف عامل ومهندس على مدى تسع سنوات متواصلة .
وبخبرته الممتدة لأزيد من 10 سنوات في مجال الهندسة الكهربائية، كان بنعبد الله واحدا من التقنيين الكهربائيين، التابعين للشركة الإسبانية (إندرا)، التي حازت مشروع تركيب أنظمة الإنارة والمراقبة في المنشآت الجديدة لتوسعة قناة بنما، فضلا عن تركيب أجهزة التحكم في بوابات منشأة الهويس للتحكم في مستويات المياه بالقناة.
لقد كان بنعبد الله بنسرية، البالغ من العمر 37 سنة، المغربي الوحيد من بين حوالي 50 عاملا تابعا للشركة، قدموا من إسبانيا في إطار عقد عمل يمتد إلى شهرين، وهي الفترة الكافية لوضع اللمسات الأخيرة على المشروع بعد الانتهاء من الأشغال التقنية الكبرى المتمثلة في شق المعبر الثالث للقناة، وبناء غرف المياه.
وأسر بنعبد الله، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه من دواعي شعوره بالفخر الاشتغال بهذا المشروع، الذي يعد الأضخم من نوعه في العالم، بالنظر إلى الأبعاد القياسية لمنشآته، كما أنه يجسد إرادة البنميين للتقدم والازدهار.
وتم إقرار مشروع التوسعة في استفتاء شعبي في أكتوبر 2006، وحظي بموافقة 77,8 في المائة من المواطنين، قبل أن تنطلق التحضيرات عام 2007، ثم بعد الأشغال عام 2009 .
وأضاف، بابتسامة تظهر الكثير من الاعتزاز، أن المهمة، التي قام بها تشكل “لمسة للمهارة المغربية الفريدة على هذا المشروع ذي البعد العالمي، والذي ستكون له إضافة نوعية في مجال صناعة الملاحة والنقل البحري بكل تأكيد”.
وتوسعة قناة بنما، التي تطلبت استثمارا يفوق 5,2 مليار دولار و9 سنوات من الأشغال، ستتيح لأول مرة لبواخر الشحن الضخمة من صنف (بوست بنماكس)، القادرة على حمل حوالي 14 ألف حاوية بطول 20 قدما من العبور عبر القناة الرابطة بين المحيطين الهادي والأطلسي، ويصل طول هذه البواخر إلى 300 متر، ويفوق عرضها الأربعين مترا.
في طفولته بمدينته عين بني مطهر بشرق المغرب، لم يدر بخلد بنعبد الله أنه سيجول قارات العالم الخمس بفضل مهارته كتقني كهربائي. فبعدما غادر المغرب وهو ابن 17 سنة، تلقى تكوينا في مجال الهندسة الكهربائية في مدينة بلباو، حيث يستقر الآن رفقة عائلته.
وخلال السنوات الأربع الأخيرة، اشتغل بنعبد الله في مشاريع طاقية في القارات الخمس، من بينها على الخصوص تركيب حقل للطاقة الشمسية الحرارية في الإمارات العربية المتحدة، ووحدة التحكم في محطة لتصفية المياه في تركيا، والمحطة الحرارية عين بني مطهر في إقليم جرادة في المغرب، بالإضافة إلى العديد من المشاريع بمختلف الأقاليم الإسبانية.
وبينما ستكون أنظار العالم متجهة، يوم الأحد المقبل، إلى حفل تدشين توسعة القناة، خصوصا مع قدوم ألف صحافي من العالم لهذا الحدث، سيكون بنعبد الله وسط عائلته الصغيرة في مدينة بلباو بعدما أنهى مهمته بنجاح في بنما. وكان بنعبد الله قد عاد، الخميس الماضي، إلى حضن أسرته، حاملا معه ذكريات من هذا البلد الكاريبي، ومزيدا من الخبرة، التي اكتسبها في هذا المشروع الفريد من نوعه في العالم.
وبعد قضائه أسبوعين مع العائلة، سيحزم بنعبد الله بنسرية حقائبه من جديد، والوجهة هذه المرة محطة “نور3” في ورزازات، التي تعتبر أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم.
وخلص بنعبد الله في حديثه إلى أن “المغاربة كالطيور المهاجرة، مهما بعدت بهم المسافات، يبقى الوطن الأم مهد العودة، وباعتباري واحدا من مغاربة العالم، سيكون شرفا لي أن أقدم الخبرة والمهارة الضرورية لإنجاز هذا المشروع في بلدي المغرب، البلد الرائد في مجال الطاقات النظيفة” .
البحرنيوز: وكالات