لم يتوقع أحد بأن يكون مصير سوق السمك بالجملة المخصص للبيع الثاني ببني ملال، والذي كلف قيمة استثمارية بلغت 53,3 مليون درهم، هو التحول لمجرد “كومبارس” لتأثيت المشهد الهيكلي لمدينة بني ملال ، فالسوق الذي كان من المتوقع ان يشكل قاطرة لترويج ألاف الأطنان من المنتوجات البحرية للساكنة بالجهة ، لم يتجاوز هذه السنة سقف 1000 طن من المنتوجات البحرية، وهو رقم يعتبر في حد ذاته إنجازا مقارنة مع السنوات الماضية.
فتشخيص الدوافع التي استدعت إنشاء سوق حديث خاص بالبيع الثاني وبميزانية ضخمة، وحرمانه من حجم أسماك مهمة متأتية من البيع الأول، وإعادة بيعها في عشرات المستودعات والمحلات أو السويقة وكذا في الأسواق الأسبوعية ، عوض إدخالها إلى سوق بني ملال كما هو مطلوب ، قد إنتزع من السوق روحه الحقيقة ، حيث الحديث عن نشاط قوي لشبكات التهريب، التي حولت المدينة إلى وجهة مثالية للأسماك المهربة، سواء منها المجمدة أو الطرية، والتي تجد طريقها لمخازن سرية، ومحلات مفتوحة في وجه إستقبال الزبائن، لاسيما في ظل تقاعس السلطات المختصة على القيام بأدوارها الحقيقية، على مستوى توفير الظروف المحيطة، والكفيلة بإنجاح مهمة السوق .
تقاطر الأطنان من الأسماك وتصريفها في السوق السوداء، بعيدا عن سوق الجملة، ينسف الغاية التي أنشأ من أجلها هذا الآخير، بإعتباره وضع لتعزيز سلاسة وشفافية العمليات التجارية، المرتبطة بالأسماك القادمة من البيع الأول، وتطوير استهلاك المنتوجات البحرية على مستوى الجهة، وتمكين المستهلكين المحليين من الاستفادة من الثروات البحرية، التي تزخر بها المملكة، في أفضل الظروف، سواء من حيث الثمن أو الجودة أو الوفرة والسلامة الصحية. رغم وأن متتبعون لتجارة السمك، أكدوا مع إنطلاق هذا السوق، ان إنشاء سوق للبيع الثاني للأسماك بالمنطقة، يعد مغامرة كبيرة ، حيث تنبأ كثيرون بفشل هذه المعلمة في أداء المهام المنوطة بها.
غير أن تزايد شاحنات الأسماك التي يتم تصريفها في السوق السوداء، والتي أصبحت تحظى بإهتمام متزايد على حساب سوق البيع الثاني الذي تم إنشاؤه سنة 2014 ، في إطار شراكة بين المكتب الوطني للصيد ومؤسسة تحدي الألفية، والجماعة الحضرية لمدينة بني ملال، على مساحة إجمالية قدرها 20 ألف و370 متر مربع، يؤكد شغف المستهلك المحلي بالمنتوجات البحرية. كما يقدم إشارات قوية بأن هناك جهات تحارب لإحتكار هذا المستهلك، بعقلية تحكمها الفوضى والتحايل على القانون، وفق أساليب تتقنها بشكل كبير، وتدفع التجار الصغار والمتوسطين إلى التزود من المستودعات أو الشاحنات، التي تحل بالسويقة على حساب السوق المخصص للبيع الثاني.
وبالعودة إلى 1000 طن التي تم بيعها سنة 2020 بسوق السمك بالجملة ، يؤكد فاعلون محليون أن الرقم الحقيقي قد يضاعف الرقم المحقق عشرات المرات، لأن الجهة قابلة لتعتلي سبورة الإستهلاك على المستوى الوطني ، لولا تغلغل السوق السوداء في الوسط المحلي ، حتى انها إستطاعت الهيمنة على نشاط تجارة السمك ، والتحكم في مختلف شبكاتها ، لإحكام المنطقة في أيدي بعض الوصوليين ، الذي تحولوا مع الوقت إلى متحكمين في أصول اللعبة. فيما ظل التاجر البسيط، حبيس خيارات محددة عند دخوله للسوق ، وهو ما لا يرقى لتطلعاته، في علاقته بالمستهلك المحلي والجهوي، لاسيما وان جهة بني ملال- خنيفرة تتوفر على مؤهلات، تتميز بموقعها في قلب المغرب، وتعرف بمواردها الطبيعية والبشرية الكبيرة ، وتتسم بمؤهلاتها الفلاحية والسياحية والمنجمية الهائلة.
البحرنيوز أخذت على عاتقها فتح ملف سوق السمك بالجملة للبيع الثاني ببني ملال للنقاش العمومي ، من خلال مقالات تحليلية ، وحوارات مع فاعلين ومسؤولين محليين، لكشف أصول الخلل، في أفق تحريك المياه الراكدة ، وجعل السوق في قلب الإهتمام المحلي، للقيام بدوره كاملا على مستوى رواج المنتوجات البحرية .
يتبع .. ترقبونا ..