ينعت موضوع تدبير مجال الصيد البحري بين مطلبي المشاركة و المساءلة بالرهينة و الأهمية ،كما تشكل دراسته أهمية قصوى في ظل مجموعة من المتغيرات الداخلية و الخارجية من قبيل العولمة و التنمية و الوحدة الترابية، و انطلاقا من الارتباط الوثيق و الجدلي بين تدبير المجال الترابي و اللامركزية، و تدبير المجال الترابي و التنمية المستدامة، جعلت منه الأداة الحقيقية و الفعالة لتحقيق تنمية جهوية مذللة للتفاوتات الجهوية و خالقة للانسجام المجالي و مكرسة للمساواة و إطارا حقيقيا لمبدأ المواطنة.
فاللامركزية هي الوجه الإداري لتدبير المجال، و الوسيلة التي من خلالها يحقق وظائفه الاندماجية و التوزيعية، وخلق شروط النمو ، من خلال طبيعة الاختصاصات الممنوحة للوحدات الترابية، ونمط التقطيع ، في حين أن التنمية المستدامة هي المرمى الحقيقي لأي سياسة ترابية،إذ لا يمكن توصيف أي سياسة ترابية بالسياسة التدبيرية دون جعلها للتنمية المستدامة هدفا لها،ولتحقيق هذا الهدف،كرس المشرع مجموعة من الهياكل و الأداوت التي تشرف على هذه السياسة و التي من خلالها تسعى إلى تنزيل هذه السياسة على المجال الجغرافي للدولة سواء على المستوى الوطني ككل أو في اطار المجال الجغرافي للوحدات الترابية اللامركزية.
و نظرا للأهمية التي يكتسيها تدبير المجال في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة فانه حظي باهتمام عديد من المسؤولين و الهيئات،فكونه مجال مفتوح للجميع و على الجميع، أصبح من الضروري أن يتحمل الجميع،(سكان،ممثليهم،مؤسسات……)،المسؤولية في تحقيق سياسة فعالة في تدبير المجال الترابي من أجل الوصول للأهداف التنموية المنشودة من وراء هذه السياسة ،و تبعا لذلك فان تدبير المجال الترابي ليس ملكا خاصا لأحد و أكثر من ذلك لا يجب جعله شأن الإدارة بكاملها فحسب،بل جعله قضية مجموع السكان.
إن الوصول الى تدبير جيد لمجال الصيد البحري قائم على سياسة تهيئة مجالية هادفة إلى تنمية مستدامة تضمن حق استفادة الأجيال القادمة منها ،يفرض التدخل وفق مجموعة من الآليات المتعارف بشأنها و الكفيلة بتحقيق تعاون و تناسق لجهود كل المتدخلين،فأسلوب الشراكة بات ضروريا في خلق تنمية مستديمة ، قائمة على إيجاد صيغة ملائمة تمكن جميع المتدخلين في قطاع الصيد البحري في التعاون بينهم من أجل تحقيق أهداف و غايات مشابهة ، شراكة تستفيد من موقع المجتمع المدني بكونه القناة التي تنقل مطالب القاعدة إلى الهيئات المؤسساتية والسياسية، ومن خبرة القطاع الخاص في انجاز المشاريع التنموية، عبر جلب الأموال اللازمة لتتضافر مع أموال الجماعات الترابية خاصة ”الجهات”،فضلا عن تحقيق المرونة في التدبير و السرعة في الإنجاز،علما أن هذا الإشراك يضل رهينا بمقاربتين أساسيتين،الأولى : تتجلى في وجود مؤسسات ترابية و مجالس منتخبة واعية بأهمية التدبير التشاركي، و مؤهلة لإمكانية التفاوض مع مختلف الفاعلين في قطاع الصيد البحري لانجاز شراكات في المجالات التي تحتاج ذلك ، أما الثانية: فتتمثل في وجود مجتمع مدني بحري و قطاع خاص قادر على المساهمة في تنمية القطاع والتنمية المجالية ككل، وواعي بأهمية المسألة التشاركية في السياسات التنموية بالجهات، كما تشكل المساءلة إلى جانب الشراكة أحد المعايير التي تضعها المؤسسات البنكية الدولية لقياس درجة الحكامة في التدبير الحكومي ، بكونها أداة لإقرار عنصر الجزاء الذي في غيابه تفقد الرقابة مصداقيتها و أهليتها ، والتي لا يمكن أن تكون أو تأتي إلا بعد عمليات التتبع و المراقبة و التقييم
إن السياسات العمومية و القطاعية للصيد البحري تفترض وقت تنفيذها أو التخطيط و الإعداد لها تكوين خلية تتبع سواء كانت هذه الخلية هيئة مستقلة ،أو كانت جهازا مؤسساتيا يختص قانونا بالتتبع و التقييم ، و نضرا لما يعترض هذه العمليات من ضعف و تداخل في الاختصاص، إثر تعدد الأجهزة المتدخلة في المجال و المختصة بالتتبع و المراقبة،و غياب قنوات تنسيق واضحة تضمن تدخل واضح،وانعدام قانون إطار ينظم كل ذلك يصبح مبدأ المساءلة نسبي بالنسبة لتدبير مجال الصيد البحري ،الأمر الذي ينعكس سلبا على و اقع تنمية القطاع و التنمية المجالية بالمغرب في شموليتها ، فأمام هذا الوضع تصبح المساءلة أو المحاسبة واجبة التطبيق، فأي سياسة تنموية خالية من هذا المبدأ،و إن ضمت جميع مبادئ الحكامة،تضل مفتقدة للنتائج التي جاءت من أجلها.
تقتضي الطبيعة المركبة و الجدلية لموضوع ”تدبير مجال قطاع الصيد البحري بين مطلبي المشاركة و المساءلة” ، طرح إشكالا مركبا من عدة تساؤلات ،يبتدئ بمدى إمكانية الحديث عن سياسة تدبيرية لمجال الصيد البحري بالمغرب؟و إذا ما تواجدت ما هي أدواتها و مؤسساتها؟وما مستوى قيامها على مبادئ التدبير الحديث؟ وفي ما تتجلى أبرز القطاعات المتدخل فيها في إطار سياسة تدبير المجال الترابي للدولة ؟ و أكثر من ذلك كيف يمكن رصد آليات التدخل؟و هل سياسة تدبير مجال الصيد البحري قادرة على ارتكازها على مطلبي المشاركة و المساءلة؟ وفي ظل الحراك الشعبي و التحولات السياسية و المؤسساتية كيف ينضر إلى وضعية تدبير هذا المجال ؟و هل يمكن الحديث عن وجود حدود واردة على تدبيره؟و في حالة وجودها ما السبل لتجاوزها؟
إن الحديث عن مسألة تدبير مجال الصيد البحري يعني الحديث عن التنظيم و التخطيط و الدراسة، و الأجهزة و الهياكل المشرفة و المنفذة و المسيرة،و آليات التتبع و التقييم، قصد الوصول إلى ما هو أحسن مما هو عليه، و إلا سنصبح أمام اللاتنظيم و العشوائية و التدخل الظرفي و الحلول الترقيعية.
من هذا المنطلق يعد تدبير مجال الصيد البحري بوصفه سياسة تفترض اختيار أهداف و مناهج،و الجمع بين سياسة الدولة و الجماعات الترابية في حلتها الجديدة، انطلاقا من تفرعه إلى تدبير على المستوى المركزي و المستوى الجهوي و الترابي يشكل أحد الأساليب التي يمكن الاعتماد عليها في تأهيل مجال الصيد البحري أذا ما تم خلق بالموازاة معه آليات تنزيله وشروط إنجاحه من مشاركة و تتبع و تقييم و تبيان قنوات واضحة يتم من خلالها تنفيذ مقتضيات هذه المخططات، و هياكل تشرف على ذلك، وفق منظور قائم على مبدأ ”المحاسبة” و ”المسائلة” ، بناءا على ما تكتسيه دراسة مثلث ”الإنسان” و”المجال” و ”السلطة”.
كتبها للبحرنيوز : د سيدي ابراهيم فعراس ، رئيس المرصد الوطني للصحة والبيئة والسلامة البحرية