هي قرية شِيء لها أن لا تصدع إلا بالفواجع والآلام، ساقها القدر لتنبت تحت قدم البحر على الساحل الشمالي لمدينة أكادير بما يقارب مائة كيلومتر في اتجاه الصويرة. لو أطللت على منظر الغروب في تليلت هذه الأيام ستجده داكنا مكفهرا على غير عادته، وكيف لا وقد لقي أكثر من سبعة شبان ينحدرون من القرية مصرعهم إثر غرق مركب للصيد الساحلي بالجر في سواحل مدينة طانطان.
الأمهات في تليلت خبرن آلام فراق فلذات الأكباد والأزواج، إذ ينذر أن تجد بيتا لم “يأكل” البحر فيه معيلا أو ابنا أو نسيبا، حتى صار الآباء يترحمون على أبنائهم بمجرد أن يغادر أحدهم حجرات الدراسة ويخيط أول لبساته المائية. قبل ثلاثة أعوام لقي أكثر من أربعة عشر بحارا حتفهم في حادث غرق مركب للصيد في سواحل الداخلة، وكان أغلبهم كالعادة من تليلت، وقبلهم آخرون وآخرون ماتوا فرادى وجماعات.. فواجع تلو الأخرى تنقلها رياح المحيط وهدير البحر إلى الأسر المترقبة في دواوير إدبنصاك وإدوانير وإدمولاي علي والتشحايفى …
إن صادف أن مررت بتليلت في أحد أيام البرد، فسيلفت انتباهك الصوت القوي للبحر وهو يلاطم بشدة السواحل الصخرية، قد يأسرك هديره وتنعشك رطوبته ورائحته المختلفة، إلا أنه صوت تتشاءم منه الأمهات في تليلت ويبادرن إلى الصلاة والابتهال آناء الليل خوفا على الأبناء، وتنقبض له نفوس الزوجات فيسارعن إلى الهواتف للسؤال عن الحال والمآل، وتتحرك له شفاه الآباء في همس طلبا للحفظ والسلامة، ففي وقت “لْيالي” يصبح للبحر هناك صوت الموت ولونه ورائحته.
ترتكن تليلت جغرافيا الى ساحل أكادير، إلا أن أرزاقها تمتد حتى سواحل جنوب الداخلة مرورا بالعيون وطانطان وبوجدور وطرفاية، يُشهد للبحارة فيها بالحرفية والصبر و”الشطارة” في كل مشاعب المهنة، من حل وعقد وتصفيف وتبريد وخياطة ورياسة، سواء تعلق الأمر بالصيد التقليدي أو الساحلي أو الصيد في أعالي البحار. ويُعرف عنهم أيضا الارتماءَ المبكر في أحضان البحر، لذا يُفقدون دائما ويولدون دائما، غير أنه عندما تأتي دائرة القدر كهذه المرة، فإنهم يخرجون ولا يعودون.. يافعون في ربيع العمر يغرقون في كل خريف وشتاء، إخوة وأبناء عمومة وجيران.. يموتون كلهم دفعة واحدة وفي مركب واحد، كأنهم تواعدوا أن لا يجتر أحدهم ألم فراق قريبه أو رفيقه إن هو عاش بعده.
فرحمة الله على “الشباب” وكان الله في عون ذويهم ورزقهم الصبر، وإنا لله وإنا اليه راجعون.