للمسلمين الأوائل يدٌ سبّاقة مسهمة في تطوّر الحضارة الإنسانية، امتدت لمختلف العلوم والمجالات التي برزوا في دراسة القديم فيها، وتميّزوا في إضافة الجديد الذي كان عونًا رئيسيًا لمن خلفهم من علماء في هذه المجالات.
ومن تلك المجالات التي برز مسلمون فيها كرايات سَبقِ وأصحابِ يدٍ أولى وطولى؛ مجال الملاحة وعلوم البحار والاستكشاف. في هذا المجال لمعت أسماء عربية، اهتم الباحثون الغربيون بدراسة إنجازاتهم دراسة جادّة، كما أولوا اهتمامًا بالغًا في إعادة نشر مصنفات هذه الأسماء باللغات الغربية المُختلفة.
في هذا التقرير، نعرض لثلاثة من أبرز تلك الأسماء، وأكثرها تأثيرًا في تطوّر علم الملاحة، وهم أيضًا من أبرز المستكشفين العالميين. ربما ستتفاجأ حين تعلم أن واحدًا منهم هو المكتشف الأوّل للأمريكتين!
أسد البحار .. «معلّم» المحيط الهندي
أسد البحار هو أحمد بن ماجد، والذي لُقّب أيضًا بأمير البحار، ومُعلّم بحر الهند (المُحيط الهندي). وهو واحد من أشهر البحّارة العرب في العالم أجمع.
يُختلف في أصله، اختلافًا وصل حتى التراشق، فمن جهة يقول البعض إنّه وُلد في إمارة رأس الخيمة التابعة الآن للإمارات العربية المُتّحدة، بينما يذهب آخرون إلى أنّه من ظُفار التابعة لعمان. بعض الآراء – وهي أقلّ حظًا في التدليل – تقول إنه يمني، وأخرى أنه نجدي. لكنّ الأوثق أن يكون من إمارة رأس الخيمة، والتي كانت تُعرف بمدينة جِلفار وكانت جزءًا من سواحل عُمان.
ولد ابن ماجد في العقد الثاني من القرن الخامس عشر، لعائلة ارتبطت بالبحر ملاحة واستكشافا، كعادة سُكّان تلك المناطق، التي اعتمد أسلوب حياتهم على البحر كليّةً، وهو الأمر الذي أثّر على ابن ماجد وتوجهاته، حتّى أنه قاد أول رحلة بحرية وهو في سن السابعة عشر بمُراقبة والده.
لابن ماجد العديد من الإسهامات في علم الملاحة، إذ يُعدّ من أوائل من استخدم علم الفلك (الذي كان على درايةٍ واسعة به) في الملاحة، التي استفاد في وضع أسسها وقواعدها على دراسته للجغرافيا والرياضيات وكذا التاريخ، الذي كان له فائدة كبيرة في استكشافاته البحرية، والتي من أبرزها على الإطلاق اكتشاف رأس الرجاء الصالح جنبًا إلى جنب مع البحّار البرتغالي بارثولوميو دياز عام 1487.
رأس الرجاء الصالح
بالإضافة إلى اكتشافاته التي جعلته أوّل من رسم خريطة للعالم شديدة القرب من خريطة العالم الحالية، واستعانة بحارة برتغال به في رحلاتهم عبر المحيط الهندي كفاسكو دي جاما وبارثولوميو دياز؛ فإن لابن ماجد أيضًا إسهامات بارزة في علم البحار والملاحة، التي صنّف فيهما كتبًا وضع فيها قواعد وأصول الملاحة العلمية والأخلاقية، كما أنّ له اختراعات مفيدة في الملاحة، كاختراعه للبوصلة المِغناطيسية المستخدمة إلى الآن، كما أن له إسهاما في تقسيم خطوط الطول ودوائر العرض، عبر طريقة قياس عُرفت بالقياس بالأصابع.
المكتشف الأوّل لأمريكا .. أمير بِحارٍ عربيٍّ
خشخاش بن سعيد بن أسود الأندلسي ذو الأصول الأفريقية التي صاحبته في لقبه. تدرّج في مناصبه في الأسطول البحري الأندلسي، حتى وصل إلى رتبة أمير البحار، وهي أعلى رتبة تمنح للبحارة، ويساويها الآن أميرال أو فريق أول بحري.
أبرز ما اشتهر به أمير البحار خشخاش مغامراته المثيرة للاهتمام في عرض البحار، بخاصة بحر الظلمات أو المحيط الأطلسي (الأطلنطي) الذي هابه سُكّان العالم القديم (أفريقيا وآسيا وأوروبا). وكانت من نتائج مغامراته في بحر الظلمات وصوله إلى القارة الأمريكية قبل كريستوفر كولومبس أو غيره من المستكشفين البرتغال.
كريستوفر كولومبس
هذا، وسُجّلت مغامرة خشخاش في مصنفات عربية قديمة، من أشهرها كتابي أخبار الزمان ومروج الذهب وجواهر المعادن للمؤرخ العربي أبوالحسن المسعودي. وقد ذكر فيهما مغامرة خشخاش في بحر الظلمات وصولًا إلى ما وراءه، ثم العودة بكنوز ثمينة، وحكى ما رآه خشخاش هناك، وهو ما تطابق لاحقًا مع مشاهدات كولومبس. وقد أيّدت دراسات وأبحاث تاريخية إسبانية وأمريكية حديثة هذا القول، بل ذهبت إلى أن كولومبس استفاد من الخرائط التي وضعها خشخاش لرحلته.
الربّان اليمني مُكتشف سنغافورة
وُلد سليمان المهري في أرخبيل سُقطرى الشهير التابع لليمن. من أصول عربيّة أصيلة. اهتم بالبحار منذ صغره، فانكبّ على مصنفات ابن ماجد، لذا بات معدودًا من جملة تلاميذ ابن ماجد حتى أضحى أشهرهم، وأكثرهم تأثيرًا في علم الملاحة بعد أسد البحار أحمد بن ماجد.
تركزت الأنشطة الملاحية للمهري في المحيط الهندي، تحديدًا ما يُعرف الآن ببحر العرب، الواصل بين أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية إلى شبه الجزيرة الهندية. في بعض رحلاته البحرية وصل إلى الصين، ثمّ وضع رسائل يصف فيها الطريق البحرية من الجزيرة العربية إلى الصين، مرورًا بمنطقة جاوه الهندية.
ولسليمان المهري مؤلفات ومصنفات عديدة، اعتُمد عليها وعلى مصنفات ابن ماجد في تحديد ملامح علم الملاحة العربي، وأصبحت مؤلفاته مرجعًا استند إليه الأوروبيون في دراساتهم البحرية. هذا وتنسب إليه بعض الأبحاث اكتشاف ما تعرف الآن بسنغافورة والتي أضحت – بحسب الأبحاث – مركزًا تجاريًا عربيًا بعد اكتشافه لها. كما ينسب إليه اكتشاف سواحل بورما، وجزر أندمان ونيكوبار الواقعة في خليج البنجال شرق شبه الجزيرة الهندية، وهي الآن من أبرز الجزر السياحية.
منقول عن ساسة بوست