يتواصل وبشكل أكثر خطورة الإضرار بالبيئة البحرية، فلقد أضحت الإنسانية مهددة في وجودها بذاته من خلال ما تفرزه أشكال التلوث البحري من سموم وتقضي على مصادر الحياة. هذا ما يزيد من حدة القلق ويستدعي إلى ضرورة إقرار التزامات أكثر صرامة على عاتق الدول لمواجهة هذا الجرم الذي يرتكب في حق الطبيعة والإنسانية معاً.
فالاتفاقيات الأربع التي أسفر عنها مؤتمر جنيف لعام 1958 في أواخر الستينات من القرن الماضي لم تعد قادرة على حل جميع مشاكل البحار، وأن هذه الاتفاقيات لم تكن تعبر عن وجهة نظر الدول النامية وإنها لم تعد تساير ما ترتب عن الثورة العلمية والتكنولوجية التي أخذت تمد أثارها إلى نطاق الاستغلال الاقتصادي للبحار والتأثير على البيئة البحرية. ولهذه الأسباب كان من الضروري أن تصدر من المجتمع الدولي ردت فعل لإعادة تنظيم قانون البحار لكي تكون له القدرة على مواجهة كافة قضايا العصر.
وأمام هذا الوضع، أصدرت الأمم المتحدة في 17 ديسمبر عام 1970 قرارها رقم 2750 دعت فيه إلى عقد مؤتمر دولي لقانون البحار في عام 1973، وفي 16 نوفمبر 1973 أصدرت الجمعية العامة توصياتها رقم 2067 والتي بمقتضاها قررت عقد الدورة الأولى في نيويورك في الفترة من 3 إلى 14 ديسمبر عام 1973، وخلال هذه الدورة التي اقتصرت فقط على أعمال الإجراءات، تم تشكيل اللجان الرئيسية. وتعاقبت بعد ذلك دورات المؤتمر الإحدى عشر إلى أن تم التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
وقد جاءت هذه الاتفاقية كنظام قانوني شامل لكل المواضيع المتعلقة بالبحار، وتضمنت 320 مادة وتسع ملاحق، شغل موضوع حماية البيئة البحرية والمحافظة عليها، الجزء الثاني عشر بأكمله أي من المادة 192 إلى المادة 237 بالإضافة إلى بعض المواد المتفرقة العديدة الأخرى في الاتفاقية والملاحق الملحق بها.
ويدل هذا التقنين العالمي الشامل على الإدراك الواعي لمدى الخطورة التي يمكن أن تنجم عن تلويث البيئة البحرية، ومدى الحاجة إلى تعاون كل دول العالم لتحمل عبء مكافحة هذا التلوث ووضع الرقابة الفعالة للوقاية منه. وهو إدراك سيفيد البشرية إذا وضعت الالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقية موضع التنفيذ الجدي.
إذاً فما هي أهم الالتزامات التي أقرتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 لحماية البيئة البحرية والمحافظة عليها ؟
للإجابة على التساؤل السابق، يجب التمييز بين الالتزامات العامة التي تهم جميع الدول لحماية البيئة البحرية، وبين الالتزامات الخاصة بدول محددة وفي حالات معينة.
يمكن تناول هذه الالتزامات، في محورين رئيسيين، على النحو التالي: يهم المحور الأول الالتزامات العامة لحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها ويتعلق المحور الثاني بالالتزامات الخاصة بدول محددة وفي حالات معينة
المحور الأول : الالتزامات العامة لحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها
من خلال قراءة الأحكام الواردة في الجزء الثاني عشر من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 المتعلق بحماية البيئة البحرية والمحافظة عليها، وبالخصوص المادة 192 من هذا الجزء، نجد أن هناك التزاماً عاماً على عاتق الدول بحماية البيئة البحرية. هذا التأكيد القانوني الواضح، يعد نتاج للتأثيرات الإيجابية التي تركتها مجموعة من القواعد الاتفاقية الخاصة بحماية البيئة البحرية من التلوث، بل ستقوم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بالربط بين قواعدها العامة والقواعد الدولية التي تضمنتها أو ستتضمنها الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية البحار من التلوث، أو تلك التي توصي بها المؤتمرات أو المنظمات الدولية. وهو الربط الذي يتجلى في الفرع الخامس من الجزء الثاني عشر من الاتفاقية الذي يحمل عنوان “القواعد الدولية والتشريعات الوطنية لمنع تلوث البيئة البحرية وخفضه والسيطرة عليه”، وهو ما يعني أن الدول لم تعد لها الصلاحيات الواسعة لإعداد قوانينها الوطنية لحماية البيئة البحرية، وإنما أصبحت ملزمة بالحرص على أن تكون هذه القوانين مطابقة للقواعد الدولية.
والجدير بالملاحظة أن هذا التطور الذي عرفه القانون الدولي للبحار، يجب كذلك قراءته على ضوء التطور الذي عرفه القانون الدولي البيئي، والمجهود الذي بذله المجتمع الدولي، والعمل الذي قامت به المنظمات الدولية العالمية والإقليمية. إذ يمكن أن يستشف من هذا التطور تواتر مجموعة من القواعد العرفية واستقرارها، والتي أغنت بدورها التزامات الدول ببدل العناية ولاسيما مبدأ التزام الدول بعدم الترخيص لمباشرة أنشطة فوق إقليمها أو تحت حدودها بشكل يؤدي إلى إضرار البيئة البحرية التي تقع خارج حدودها الوطنية. وقد تلا هذا المبدأ العام إقرار مجموعة من “الالتزامات الدولية” التي تقع على عاتق الدول لاسيما في ميدان وقاية البحار من التلوث.
وقد نصت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على مجموعة من الالتزامات العامة لحماية البيئة البحرية من التلوث تلتزم بها الدول الأطراف، وتتمثل في التزامات تتعلق باتخاذ تدابير معينة (الفقرة الأولى)، والتزامات بوجوب التعاون الدولي (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : التزامات عامة تتعلق باتخاذ تدابير معينة
نصت الإتفاقية على أن : تتخذ الدول منفردة أو مشتركة حسب الاقتضاء جميع ما يلزم من التدابير المتماشية مع هذه الاتفاقية لمنع تلوث البيئة البحرية وخفضه والسيطرة عليه أياً كان مصدره، مستخدمة لهذا الغرض أفضل الوسائل العلمية المتاحة لها والمتفقة مع قدراتها. كما تتخذ الدول جميع ما يلزم من التدابير لتضمن أن تجرى الأنشطة الواقعة تحت ولايتها أو رقابتها، بحيث لا تؤدي إلى إلحاق ضرر – عن طريق التلوث – بدول أخرى وبيئتها، وأن لا ينتشر التلوث الناشئ عن إحداث أي أنشطة تقع تحت ولايتها أو رقابتها إلى خارج المناطق التي تمارس فيها حقوقاً سيادية وفقاً لهذه الاتفاقية.
كذلك ألزمت الاتفاقية الدول – عند اتخاذ التدابير الرامية إلى منع تلوث البيئة البحرية وخفضه والسيطرة عليه – سلوك أسلوب لا يؤدي بضورة مباشرة أو غير مباشرة إلى نقل الضرر أو الأخطار من منطقة إلى أخرى أو تحويل نوع من التلوث إلى نوع آخر، وأن تجرى – بصفة مستمرة – على رصد مخاطر التلوث البحري وآثاره، وأن تنشر هذه التقارير، وأن تجري تقييماً للآثار البيئية للمشروعات التي تجرى في نطاق ولايتها أو تحت رقابتها، إذا توافرت بشأن هذه المشروعات أسباب معقولة للاعتقاد بأنها تسبب تلوثاً كبيراً للبيئة البحرية أو تسبب تغيرات هامة وضارة بها.
كما ألزمت الاتفاقية الدول باعتماد قوانين وأنظمة لمنع وخفض تلوث البيئة البحرية، والسيطرة على هذا التلوث الناشئ عما تقوم به، من أنشطة في المنطقة، السفن والمنشآت والتركيبات وغيرها من الأجهزة التي ترفع علمها أو تكون مسجلة فيها أو تعمل تحت سلطتها حسب الأحوال. ولا تكون متطلبات هذه القوانين والأنظمة أقل فاعلية من القواعد والأنظمة والإجراءات التي تضعها السلطة الدولية لقاع البحر. ولتوحيد قواعد وأنظمة ومعايير حماية البيئة البحرية من التلوث بسبب الإغراق حثت الاتفاقية الدول على السعي – من خلال المنظمات الدولية والتؤتمرات الدبلوماسية – لوضع قواعد ومعايير دولية لمنع التلوث البحري من الإغراق وخفضه والسيطرة عليه.
الفقرة الثانية : التزامات عامة تتعلق بالتعاون الدولي
ألزمت الاتفاقية الدول الأطراف بالتعاون الدولي من أجل توحيد قواعد ومعايير التعامل مع التلوث البحري وخفضه والسيطرة عليه، حيث نصت على أن تتعاون الدول على أساس عالمي وحسب الإقتضاء على أساس إقليمي مباشرة أو عن طريق المنظمات الدولية المختصة على صياغة ووضع قواعد ومعايير دولية وممارسات وإجراءات دولية موصى بها، تتماشى مع هذه الاتفاقية لحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها، مع مراعاة الخصائص الإقليمية المميزة.
كما ألزمت الاتفاقية كل دولة تعلم بحالات تكون البيئة البحرية فيها معرضة لخطر داهم لوقوع ضرر بها، أو بحالات تكون فيها تلك البيئة قد أصيبت بضرر يسبب التلوث، عليها أن تخطر فوراً الدول الأخرى التي ترى أنها معرضة للتأثر بذلك الضرر، وكذلك المنظمات الدولية المتخصصة.
وعندئذ يجب على الدول الواقعة في المنطقة المتأثرة، وفقاً لقدراتها والمنظمات الدولية المختصة أن تتعاون قدر المستطاع في القضاء على آثار التلوث، وكذلك في رفع الضرر أو خفضه إلى الحد الأدنى. وتحقيقاً لهذه الغاية تعمل الدول معاً على وضع وتعزيز خطط طوارئ لمواجهة حوادث التلوث في البيئة البحرية.
كما يجب على الدول إجراء الدراسات وبرامج البحث العلمي، وتبادل المعلومات والبيانات، والتعاون في وضع المعايير العلمية، والأنظمة، وتقديم المساعدات التقنية للدول النامية للمساعد في منع وخفض التلوث البحري والسيطرة عليه.
المحور الثاني : الالتزامات الخاصة بدول محددة وفي حالات معينة
أقرت الاتفاقية الالتزامات على بعض الدول التي تتمتع بتأثير خاص على البيئة البحرية وحمايتها أو التسبب في تلوثها، وذلك راجع إلى قدرتها على الحماية أكثر من غيرها، ولأنها أكثر الدول تضرراً بالتلوث الذي حدث أو سيحدث، أو لأنها أقرب الدول لمصدر التلوث وصاحبة السلطة عليه، ونقصد بذلك دولة العلم (الفقرة الأولى)، والدولة الساحلية (الفقرة الثانية)، ودولة الميناء (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى : دولة العلم
فرضت الاتفاقية على دولة العلم مجموعة من التزامات لحماية البيئة البحرية ومكافحة التلوث وخفضه والسيطرة عليه وتأسيس المسؤولية عنه حال وقوعه، وتتمثل هذه الالتزامات فيما يلي :
تلتزم دولة العلم – الدولة التي ترفع السفينة علمها – باعتماد القوانين والأنظمة لحماية البيئة البحرية من التلوث وخفضه والسيطرة عليه، وذلك من أجل تطبيقها على السفن التي تحمل علمها أو التي تكون مسجلة فيها، وبشرط ألا تكون فاعلية هذه الأنظمة والقوانين أقل من فاعلية القواعد والمعايير الدولية المعترف بها والموضوعية من خلال المنظمة الدولية المختصة أو عن طريق مؤتمر دبلوماسي عام.
تلتزم دولة العلم أيضاً بالرقابة على سفنها لاحترام قواعد القانون الدولي، وأن تضمن خضوع التي ترفع علمها لهذه القواعد أينما وجدت هذه السفن، وأن تتخذ الإجراءات والتدابير اللازمة لضمان التزام السفن التي ترفع علمها، بما فيها إجراءات التأكد من صلاحية السفن للإبحار، والتأكد من كفاءة طاقمها، وحملها للشهادات المطلوبة وغيرها من الإجراءات التي تكفل إجراء التفتيش الدوري.
كما تلتزم دولة العلم بتأسيس المسؤولية عن التلوث، وتحريك هذه المسؤولية حال وقوع التلوث، وذلك بأن تباشر التحقيق الفوري في أي انتهاك للقواعد والمعايير الدولية والقانون الدولي للبيئة، وأن تباشر الدعوى الجنائية، وتوقع الجزاء عن هذه الانتهاكات على السفن التي تحمل علمها واضعة في اعتبارها أن تكون هذه الجزاءات من الشدة إلى حد يثني عن ارتكاب هذه الانتهاكات بصرف النظر عن مكان حدوثها.
الفقرة الثانية : الدولة الساحلية
منحت الاتفاقية للدولة الساحلية حقوقاً وألقت على عاتقها التزامات، بهدف حماية البيئة البحرية من التلوث، وتأسيس المسؤولية عنه حال وقوعه، وذلك كما يلي :
يجوز للدولة الساحلية عندما تكون السفينة موجودة طوعاً داخل إحدى موانئ دولة، أو في إحدى محطاتها النهائية البحرية القريبة من الشواطئ، أن تقيم الدعوى فيما يتعلق بأي انتهاك لقوانينها أو نظمها المعتمدة وفقاً لهذه الاتفاقية أو للقواعد والمعايير المنطبقة من أجل منع التلوث من السفن وخفضه والسيطرة عليه، وعندما يكون الانتهاك قد وقع داخل البحر الإقليمي أو المنطقة الاقتصادية الخالصة لتلك الدولة.
وعندما تتوافر أسباب واضحة للاعتقاد بأن السفينة وهي مبحرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإحدى الدول أو في بحرها الإقليمي، قد ارتكبت انتهاكاً للقواعد والمعايير الدولية المنظمة من أجل منع التلوث، ويجوز لتلك الدولة أن تطلب من السفينة تقديم معلومات عن هويتها، وميناء تسجيلها أو ميناء زيارتها الأخيرة، وغير ذلك من المعلومات ذات الصلة التي تكون مطلوبة لتقرير ما إذا كان الانتهاك قد وقع.
وفي مجال المسؤولية فإن الدولة الساحلية تستطيع أن ترفع دعوى ضد سفينة موجودة في أحد موانيها انتهكت قوانينها وأنظمتها الخاصة بمنع التلوث، وكذلك ضد سفينة مبحرة في بحرها الإقليمي ارتكبت نفس المخالفة، أو عندما يتوافر دليل موضوعي واضح على أن سفينة مبحرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة قد ارتكبت انتهاكاً، كتصريف يسبب إلحاق ضرر جسيم أو يهدد بإلحاق ضرر جسيم بساحلها أو مصالحها المرتبطة به، أو بأي من موارد بحرها الإقليمي أو منطقتها الاقتصادية الخالصة. وفي هذه الحالة تستطيع أيضاً – بالإضافة لحق رفع الدعوى – حجز السفينة المخالفة التي سببت التلوث البيئي، وكذلك حق تفتيش السفينة تفتيشاً مادياً.
وبالرغم من اختصاص الدولة الساحلية بمحاكمة السفينة المخالفة لقوانينها الخاصة بمنع التلوث البحري وأحقيتها في تطبيق قوانينها الداخلية عليها، خاصة إذا كانت المخالفة قد ارتكبت في مياهها الإقليمية إلا أنه لا يجوز أن تفرض على السفينة المخالفة إلا العقوبات النقدية فقط، إلا في حالة فعل تلويث متعمد وخطير داخل البحر الإقليمي. كما نصت الاتفاقية صراحة بأن ليس هناك ما يؤثر على رفع دعوى مدنية في صدد أي إدعاء بوقوع خسارة أو ضرر نتيجة لتلوث البيئة البحرية.
وبناءاً على هذه الاختصاصات الممنوحة للدولة الساحلية في مجال مكافحة التلوث البحري وحقها في اتخاذ الإجراءات القانونية، ومنها رفع دعوى ضد السفينة المخالفة، إلا أن هذا الحق لا تمارسه إذا قامت دولة العلم باتخاذ مثل تلك الإجراءات ضد السفينة المخالفة التابعة لها، بل إن الدولة الساحلية توقف مثل تلك الإجراءات إذا قامت دولة العلم بذلك في غضون ستة أشهر من بدء التحقيق، ولكن إذا تعلقت الدعوى بقضية ضرر جسيم لحق بالدولة الساحلية أو كانت دولة العلم المعنية قد تغاضت تكراراً عن الوفاء بالتزامها بتنفيذ القواعد والمعايير الدولية المنطبقة تنفيذاً فعالاً فإن الاختصاص في هذه الحالات يكون دائماً معقوداً للدولة الساحلية.
الفقرة الثالثة : دولة الميناء
يمكن أن ينطبق تعبير “دولة الميناء” على الدولة الساحلية عندما تكون هي صاحبة الميناء وتسعى للمحافظة على الميناء من التلوث، بالإضافة إلى المحافظة على سواحلها، ومع ذلك فإن النص صراحة في الاتفاقية على “دولة الميناء” تبقى له أهميته العملية تجاه الإجراءات التي تتخذها الدولة باعتبارها “دولة الميناء” خاصة أن مصالح دولة الميناء قد تختلف من الناحية العملية عن الدولة الساحلية فالأولى تهتم بالمحافظة على الملاحة البحرية، والثانية يهمها سلامة سواحلها.
ودولة الميناء تلعب دوراً مساعداً في عملية منع التلوث البحري وخفضه والسيطرة عليه، وذلك عندما تطلب منها دولة أخرى القيام بالتحقيق في انتهاك يعتقد أنه وقع في المياه الداخلية للدولة مقدمة الطلب أو في مناطقها البحرية الأخرى الخاضعة لولايتها الوطنية، وكان مصدر هذا الانتهاك إحدى السفن الأجنبية الموجودة في ميناء دولة الميناء، فإن الأخيرة عليها أن تلبي طلب تلك الدولة، كما يجب عليها في الوقت نفسه أن تلبي بقدر الإمكان الطلبات المقدمة من دولة العلم للتحقيق في هذا الانتهاك، بصرف النظر عن مكان حدوثه.
يمكن أن نستنتج من اختصاصات وولاية دولة الميناء العديد من الايجابيات فيما يرتبط بمنع التلوث وخفضه والسيطرة عليه :
فمن ناحية تسهيل إجراءات إقامة الدعوى ضد السفن المخالفة لقواعد وأنظمة منع التلوث البحري، ليس فقط في مناطقها البحرية الخاضعة تحت ولايتها الوطنية وإنما يمتد اختصاصها في هذا المجال إلى منطقة أعالي البحار أيضاً.
ومن ناحية أخرى تؤكد على تعزيز التعاون الدولي في مجال مكافحة التلوث البحري وخفضه والسيطرة عليه بما تلعب من دور هام في تقديم المعلومات وإجراء التحقيقات، ورفع الدعاوي ضد السفن المرتكبة للانتهاكات المنصوص عليها في منع التلوث البحري، ويعتبر هذا الدور له أهميته الكبرى في العلاقات الدولية ويساعد في القضاء على الأسباب التي تؤدي إلى التلوث البحري واجتناب مخاطره.
وختاماً يمكن القول على أن المجتمع الدولي في البداية فوجئ بظاهرة التلوث البحري وبمدى اتساع آثارها وحجم مخاطرها، إلا أنه تدخل وقام بوضع مجوعة من الالتزامات بشأن الإصلاح المادي والقانوني لأضرار التلوث البحري، و من شأن الامتثال لهذه الالتزامات الدولية أن يقدم الدليل على مدى إقبال الدول، من خلال تشريعاتها الوطنية وممارساتها الدولية، على هذا النظام لاتفاقي، وأن تترجم إرادتها في تفعيله مما سيعد قفزة نوعية في تطور القانون البحري الدولي، في اتجاه التقليص من بعض القواعد التقليدية – مبدأ حرية البحار والاختصاص الخالص لدولة العلم – ، وفي حماية البحار من كل مصادر التلوث.
لائحة المراجع
عبد الكريم عوض خليفة: ” القانون الدولي للبحار: دراسة على ضوء أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار “، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، السنة: 2013.
محمد الحاج حمود: ” القانون الدولي للبحار “، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، السنة: 2008.
محمد سعيد عبد الله الحميدي: “المسؤولية المدنية الناشئة عن تلوث البيئة البحرية والطرق القانونية لحمايتها وفق لقانون دولة الإمارات العربية المتحدة: دراسة مقارنة مع القانون المصري وبعض القوانين العربية”، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، الطبعة الأولى، السنة: 2008.
محمد البزاز: ” حماية البيئة البحرية: دراسة في القانون الدولي “، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، السنة: 2003.
عباس هاشم الساعدي: ” حماية البيئة البحرية من التلوث “، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، السنة: 2002.
عبد الهادي محمد العشيري: ” البيئة والأمن الإقليمي في دول الخليج العربي “، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997.
أحمد عبد الكريم سلامة: ” قانون حماية البيئة – مقارنة بالقوانين الوضعية – “، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، السنة: 1996.
صلاح هاشم محمد: ” المسؤولية الدولية عن المساس بسلامة البيئة البحرية “، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، السنة: 1991.
إدريس الضحاك: ” قانون البحار وتطبيقاته في الدول العربية: دراسة كاملة للقوانين الوطنية والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف ولقواعد القانون الدولي في الميدان البحري “، الطبعة الأولى، السنة: 1987.
عبد العزيز مخيمر عبد الهادي: ” دور المنظمات الدولية في حماية البيئة “، – سلسلة دراسات قانونية للبيئة -، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986.
عبد الواحد محمد الفار: ” الالتزام الدولي بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها من أخطار التلوث: دراسة قانونية في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 “، دار النهضة العربية، السنة : 1985.
صلاح الدين عامر: ” القانون الدولي الجديد للبحار “، دار النهضة العربية القاهرة، السنة: 1983.
أبو الخير أحمد عطية: ” الالتزام الدولي بحماية البيئة البحرية والمحافظة عليها “، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق جامعة عين شمس، السنة: 1995.
اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
A.Kiss : « Le Droit international de l’environnement », Pedone, paris, 1989,pp.105-118.
A.E.Boyle : « Marine pollution under the law of the sea convention », AJIL, 1985/2, p.367.
أنس المرزوقي باحث في القانون الدولي العام
نشر في الحوار المتمدن-العدد: 5328 – 2016 / 10 / 30
للإطلاع على المقال في مصدره من هنا