دعا محمد الناجي الأستاد الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة البيطرة، شعبة الصيد البحري والأحياء المائية وزارة الصيد البحري إلى القيام بدراسة معمقة للسوق لمعرفة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، ومعها الأنماط والدوافع الإستهلاكية، في أفق وضع إسترتيجية حقيقية للمنتوجات البحرية ، مسجلا أن آخر دراسة قامت بها الوزارة الوصية حول إستهلاك المنتوج السمكي بالسوق المحلي تعود لأزيد من عقدين من الزمن .
و في إتصال هاتفي مع محمد الناجي صرح الأستاد بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة للبحرنيوز ، أن سوق السمك المحلي يتوفر على خصوصية الموسمية، إذ هناك مواسم تعرف إرتفاعا في الإستهلاك بشكل كبير، كما هو الشأن لشهر رمضان و فصل الصيف، كذلك هناك موسمية مرتبطة بالعرض خاصة في الشتاء عندما يكون العرض قليلا يرتفع الثمن لكونه يتأتر بتعاقب فصول السنة. وهو الأمر الذي يجعل من القيام بدراسة مطلبا ملحا، باعتبارها ستكشف سلوكيات المستهلك. وذلك في إطار تدبير السوق وحكامته، حيت ستمكن الدراسة من معرفة دوافع الاستهلاك عند الأسر المغربية للإقتراب من ماهية السلوكيات، والأوقات التي يرتفع فيها الطلب على الأسماك ، كشهر رمضان وفصل الصيف خاصة في المناطق الساحلية.
وأكد الخبير في الإقتصاد البحري، أن هناك تمايز بين الجهات من حيث الإستهلاك، فكلما توجهنا من الجنوب نحو الشمال، كلما كان هناك تأثير للعادات الغذائية الليبيرية. إذ تجد مثلا أنه في الشمال تستهلك الأسماك أكثر من الوسط والجنوب . كما تستهلك الأسماك في المناطق الساحلية أكثر من الداخلية، وهي معطيات أبرزتها مجموعة من الدراسات .
وأوضح الناجي الذي تحدث في ندوة تحت موضوع ” السوق الوطني للمنتوجات البحرية و الأحياء المائية أي منتوج لأي مستهلك ” يوم السبت 15 أبريل 2017 بالرباط، أن هناك دراسة تم إنجازها في إطار برنامج تحدي الألفية سنة 2011 من طرف مجموعة من الباحثين ، على عينة تفوق 2500 أسرة شملها الإستطلاع، سلطت الضوء على أن المغاربة يستهلكون عموما الأسماك السطحية أو ما يعرف بالسمك الأزرق بنسبة تفوق 80 في المائة، فيما أن 90 في المائة من المغاربة يستهلكون السمك الطري مقارنة بالسمك المجمد والمعلب الذي يبقى إستهلاكه جد محدود .
وسجلت الدراسة من حيث توفر المنتوج أن نصف المستجوبين يقولون بأن المنتوج غير متوفر، فيما ذهبت نسبة مهمة إلى كون العرض غير متنوع و يقتصر على عدد قليل من الأنواع السمكية . كما أفادت الدراسة ان الأسر المغربية تقتني الأسماك مرة واحدة في الأسبوع، حيث حصر المصدر متوسط إستهلاك الفرد من الأسماك في 13.5 كلغ للفرد سنويا كمتوسط، مع العلم ان المتوسط العالمي سنة 2011 كان محددا في 16 كلغ للفرد ، في وقت ذهبت فيه الإحصائيات الأخيرة لمنظمة التغذية والزراعة “الفاو” إلى تحديد المتوسط العالمي في 20.2 كلغ سنويا. كما أشارت الدراسة أن أكثر من نصف العينة المشمولة بالدارسة، تعتبر سعر الأسماك مرتفعا.
وأضاف محمد الناجي المستشار لدى عدة هيئات وطنية ودولية من بينها الفاو، أن الاشتغال على مثل هذه المواضيع في منظمات عالمية يتم التمييز فيها بين ما يسمى بالوفرة الاستهلاكية والوفرة المادية، حيث أن السمك في النقطة الأولى يجب أن يصل للمستهلك عبر شبكة لوجستيكية متسلسلة، كالتبريد والتجهيزات التجارية وأسواق الجملة، بالإضافة إلى محلات تجارية وأسواق بلدية وغيرها من البنيات التي تضمن إيصال السمك للمواطن . وهو ورش أول يتطلب الاشتغال عليه بشكل قاعدي . فعدد من المدن لا تتوفر على أسواق بلدية مخصصة للسمك، تراعي شروط الصحة والسلامة . فهناك أسواق للجملة موجودة بعدد من المدن ، لكن مابعد مرحلة البيع داخل هذه الأسواق تباع المنتوجات البحرية، في أسواق غير مهيكلة أو في محلات غير مؤهلة .
وزاد الخبير في إقتصاد البحر أن الورش الثاني المرتبط بالوفرة الاقتصادية والمقصود بها تمكين المواطن من القدرة على إقتناء الأسماك، عبر تحسين دخله ، بحيث القدرة الشرائية مرتبطة بالدخل من خلال تحسين الوضعية الاقتصادية للمملكة، لكن هذا ورش يبقى كبير ، في المقابل يجب تكييف أثمنه الأسماك مع دخل المواطن العادي ، إنطلاقا من الاشتغال على مجموعة من القضايا ذات البعد التنظيمي، خصوصا الجانب التشريعي. إذ هناك قانون خاص ينظم تجارة السمك بالجملة، لكنه يقف عند هذه الأسواق ولا يصاحب السمك في وصوله إلى المستهلك.
وقال الناجي أن هناك فراغ تشريعي و قانوني نتج عنه نوع من التسيب و الفوضى و عدم الوضوح و عدم الشفافية في قطاع غير مهيكل ، والذي يبقى من نتائجه الريع كنتيجة حتمية لإتساع هوامش الربح و تعدد المتدخلين والوسطاء ، و هذا من بين الإشكالات الكثيرة في قطاع الصيد البحري، بحيث أن السردين يخرج من الميناء بدرهمين و يباع ب 15 درهما عند وصوله للمستهلك، لكون المهنة غير مضبوطة قانونيا، بشكل تنظيمي محكم، مما يساهم في ارتفاع هامش الربح بسبب تعدد الوسطاء والمضاربات قبل وصول المنتوج السمكي للمستهلك، وهي معطيات تصعب من مأمورية إقتناء الآخير لحاجياته من الأسماك، ما يضطره إلى البحث عن أسماك بأثمنة محدودة، وهنا تنشط عملية تجارة الأسماك المهربة والمستوردة والتي عادة ما تفتقد للجودة.
وأكمل الناجي أن هذه الأوراش تعتبر أوراش كبرى، و يجب العمل عليها من أجل إنزال تكلفة الأسماك التي تصل للمستهلك، و هنا يجب توفير نماذج من الحكامة و مقاربات جديدة من خلال شراكة حقيقية بين القطاع الخاص و العام، عبر خلق صيغة للعمل تساهم في تضافر الجهود مابين الوزارة الوصية ومختلف المتدخلين، وكدا إعادة إحياء نقط البيع والتوزيع التي كانت قد سبقت تاريخها في وقت سابق، لكنها إختفت بشكل يطرح العديد من علامات الإستفهام. كما نبه المصدر إلى عدم الاقتصار على حملات ترويجية تحتاج اليوم لنوع من التقييم، حتى وإن اثبتت أهميتها. فالمواطن المغربي يقول الناجي، لم يعد في حاجة لمن يعرفه بأهمية تناول الأسماك اليوم في عصر المعلومة، وإنما هو في حاجة للسبل الكفيلة بتحقيق حاجياته من هذه المادة الحيوية في ظروف مساعدة .
فالدولة مدعوة اليوم إلى المساهمة في هده الأوراش يقول أستاد الصيد البحري والأحياء المائية ، بحيث تضمن على الأقل وصول مجموعة من الأسماك للمستهلك، بأثمنة معقولة. وهو توجه ممكن و غير مستحيل. فليس من الصعب يشير المصدر، ضمان وصول الأسماك السطحية سيما السردين الذي يعتبر مطلبا أساسيا للأسر المغربية ، لمختلف أنحاء المغرب بسعر لا يتعدى 6 إلى 7 دراهم على طول السنة. أما الأنواع الأخرى فنحن لا نتحدث عنها هنا ، في ظل المنافسة التي تلهبها الأسواق الأجنبية. إذ يبقى من الصعب ولوج المستهلك لأسماك مثل الكلمار و الكروفيت و الانواع ذاث القيمة المرتفعة في الظرفية الحالية.