قديما كنا نسمع قدماءنا يرددون “لعندو باب واحد الله يسدو عليه “، بما يحمله هذا المثل المغربي من حكمة عميقة ، جعلت المغاربة في الماضي القريب يعددون ابواب منازلهم، خصوصا بالقرى والمداشر ، فسرنا نسمع “الباب القدامي” “الباب الوراني” “باب الدويرية” .. وغيرها من الأبواب التي تعرفها ساكنة البوادي والمداشر خصوصا .
هذ المثل قد تنقّل لعلاقات المغرب الخارجية، وأكسبته نقاطا إسترتيجية. على المستوى الدولي، جعلته أكثر حزما في التعاطي مع شركائه التقليديين، حيث الإنتصار لمفهوم رابح رابح ، ورفض لي الدراع بإستغلال القضايا الإسترتيجية للمناورة كلما تعلق الأمر بمصالح المغرب، حيث أصبحت المملكة أكثر تحصّنا أمام هذه المناوات، من خلال العمل الإستباقي والفهم العميم لمجريات الأمور على المستوى الدولي، الذي يعرف بروز قوى صاعدة جديدة وتغيرات جيوسياسية وإقتصادية كبيرة مبنية على المصالح.
وكان الملك كان واضحا في خطاب ثورة الملك والشعب وأكد بما لا يترك مجالا للقاش أن السياسة الخارجية للمغرب قد تغيرت جدريا في تدبير المملكة لأمورها الإسترتيجية حيث هناك خطوة كبيرة في إتجاه تقييم الصداقات والشراكات الدولية، إذ دعا جلاته “شركاء المغرب التقليديين والجدد، والتي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”، مشددا أن ملف الصحراء “هو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
هذا التطور في السياسة المغربية الخارجية ستظهر واضحة في تصريح سابق لمحمد صديقي وزير الفلاحة والصيد البحري وعبر بوابة وكالة المغرب العربي للأبناء الوكالة الرسمية للمملكة، أكد فيه أن المغرب سيفاوض بإمكانيات جديدة وبقاعدة جديدة على مستوى تجديد إتفاقية الصيد البحري مع الإتحاد الأوربي. وبعد أن أكد الوزير أنه “ولحد الآن ليس هناك أي مؤشر عن كيف ستمر الأمور” أفاد المصدر الحكومي، أن المغرب مستعد لأي احتمال، مبرزا في ذات السياق أن قطاع الصيد البحري بالمملكة له إمكانيات تتعلق بالتصدير والتثمين، والعالم اليوم مفتوح. وهو ما يتيح التفاوض بإمكانيات جديدة وبقاعدة جديدة.
ومع هذه التوجهات يواصل المغرب تحقيق المكاسب الدبلوماسية، حيث قضت محكمة الاستئناف بلندن، يوم الخميس، برفض نهائي لطلب استئناف تقدمت به منظمات غير حكومية داعمة للانفصاليين “WSC”، يخص قرارا سابقا للمحكمة الإدارية برفض طلبها الساعي إلى إبطال اتفاق الشراكة الذي يربط المغرب ببريطانيا. وهو الإتفاق الذي كان قد وقع في لندن يوم 26 أكتوبر 2019، ودخل حيز النفاذ في فاتح يناير 2021.
و يمكن هذا التطور المملكتين من التموقع بشكل مستدام في شراكة مهيكلة، معتدة بآليات للتعاون عملية وممأسسة، ومحمولة بطموح مشترك، إذ الاتفاق يمثل ضمانة للمقاولات المغربية والبريطانية التي تنخرط في علاقات اقتصادية وتجارية في مختلف قطاعات التعاون. وهو ما يفتح أفاق جديدة للتعاون بما في ذلك في قطاع الصيد البحري، خصوصا وأن السوق البريطانية تبقى واعدة، ومن شأنه أن تقدم خيارات أخرى على المستوى الإقتصاد الأزرق تفتح الباب أمام صادرات المنتوجات البحرية المغربية لتتموقع داخل هذه السوق الإسترتيجية بالقارة الأوربية .
إلى ذلك وافقت اللجنة الروسية المغربية المشتركة للمصايد على اجتماع مخصص لمتابعة اتفاقية الصيد البحري. بعد الإجتماع الذي عقد بين روسيا والمغرب في الرباط يومي 16 و 17 مايو 2023 ، بحسب بيان صادر عن الوكالة الفيدرالية للصيد البحري. ووقف الطرفان خلال هذه الجلسة على الجوانب المتعلقة بصيد السفن الروسية في المناطق البحرية المغربية. كما ناقشا تنفيذ قرارات الدورة السابقة للجنة املشتركة. واختتمت المباحثات بتوقيع بروتوكول اتفقا فيهعلى مجالات التعاون الرئيسية لعام 2023. حيث رحبت اللجنة المشتركة بنتائج العمل المشترك في مجال البعثات البحثية لدراسة حالة المخزونات البحرية الصغيرة في منطقة المحيط الأطلسي بالمغرب. وكذلك في مجال تنظيم تدريب الطلاب المغاربة في المؤسسات التعليمية القطاعية الروسية، لتدريب العاملين في مجال الصيد البحري.
وتقدم هذه الإشارات إذ أضفنا إليها التقارب المغربي الإسباني والبرتغالي، والإنفتاح الكبير على الصين والهند ، والعلاقات الإستراتيجية اليوم مع الولايات المتحدة الأمريكية.. وغيرها من مكاسب الديلوماسية المغربية المتشعبة والمتنوعة والمتجددة اللهم لا حسد ..، خيارات كبرى أمام صناع القرار في تدبير الإتفاق القادم ، حيث ان الضغط اليوم لم يعد على المفاوض المغربي، وإنما على تمثيلية الإتحاد الأوربي التي تعرف توجسا داخليا بخصوص مستقبل الإتفاق، وهي تعلم أن اليوم ليس كالبارحة، وأن الطرق التقليدية في تدبير الضغط، أصبحت واهية لا تنفع مع مفاوض مغربي، صار يعرف كيف يرد على الإبتزازات ، بالنظر لما يحمله في يده من إمتيازات ثمرة إنفتاحه على قوى جديدة، برؤيا إسترتيجية سواء في المنطقة المتوسطية ، أو القارية والدولية عموما .