غرسوا لنأكل و نغرس لياأكلو ، هكذا هي دورة الحياة ، و هكذا تستقيم وتتطور المجتمعات. وبما أن عملية الغرس تتطلب خبرة ومجهودا يستثمرهما الفلاح للعناية بمغروساته و الحفاظ عليها، فإن هدا الأخير، ظل على مر العصور، يبحت عن الحلول لكل صغيرة و كبيرة تصادفه خلال دورة الانتاج. وما نراه الآن من تطور في المجال الزراعي، ماهو إلا تمرة مجهود فكري و بدني اسثتمرهما الفلاح ، لتحسين ظروف عمله و الظفر بمحصول جيد، يحفزه على العطاء و الاستمرارية.
ومن المعلوم ان قطاع الصيد البحري ببلادنا ،عرف أيضا تطورا ملحوظا ابتداء من العقود الآخيرة للقرن الماضي، تمثل أساسا في زيادة مهولة لعدد وحدات الصيد بالنسبة للأساطيل الثلاث، والإنفتاح على التكنلولوجيا البحرية، التي ساعدت كثيرا على رصد و تحديد المواقع الآهلة بالأحياء البحرية. وبالتالي زيادة حجم المصطادات، التي بلغت ذروتها في العقد الأخير من القرن الماضي. حيث أن الوضع لم يدم طويلا ، إذ مع مطلع القرن الحالي، ظهرت على السطح بوادر ندرة المصطادات، التي خلقت نوعا من التوجس و التساؤل حول مستقبل المهنة .
ورغم المؤشرات التي تتطلب اتخاذ تدابير آنية للوقوف على مكامن الخلل و معالجته ، إلا أن حركيّة الصيد ضلت مستمرة ، إن لم نقل ازدادت حدتها، شعارها ” البير لي نشرب منو غير إتردم” ضاربة بعرض الحائط مبدأ الاستدامة و الاستمرارية التين وضعتهما وزارة الصيد ضمن أولوياتها في مختلف المخططات المرصود لتطوير القطاع في إطار الإستراتيجية القطاعية أليوتيس .
وبالعودة إلى الماضي القريب فهناك سنوات عجاف، لازالت بوادرها تخيم على قطاع الصيد البحري ببلادنا، رغم ما نلمسه من تقدم و نجاح مخططات لأنواع سمكية محدودة كالاخطبوب مثلا، إلا أن العديد من الأصناف البحرية، قد باتت تعاني شيح الإنقراض و آخرى في طريق الاستنزاف، و هو الأمر الذي يستدعي تدارك الوضع، بضخ إستثمارات جدية في المخططات الأحيائية البحرية وتوسيعها لتغطية مختلف الأنواع . فرغم صعوبة المهمة إلا أنها كفيلة بتجنيب القطاع مجموعة من التحديات التي ما هي إلا تحصيل حاصل لمجموعة من السلوكيات الإنسانية من جهة وما فرضته الظروف المناخية من جهة آخرى..
و لنجاح المخططات لابد أولا من تشخيص دقيق للسلوكيات، التي ساهمت في هذا الوضع، كمراجعة استيراد الشباك الممنوعة عالميا كالشباك السرطانية، و الشباك ذات الأعين الصغيرة، و تجنب الصيد في المناطق الصخرية بالنسبة لمراكب و سفن الجر. مع إتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بردع المخالفين ، وإجبارهم على احترام المقاييس المعتمدة رسميا في الشباك المستعملة، و احترام الحزام الساحلي بميل بحري على الأقل، لتعود الحياة إلى هذا الملكوت الذي سئم العبث بأحشائه .
فلا يسعنا أمام هذه المعطيات الا ان نقف وقفة تأمل نحو المستقبل، مستحضرين المسؤولية الجماعية ورافعين شعار الحكامة في هيكلة وتدبير المصايد، التي هي مصدر عيشنا ، فلا حياة لمجتمع بحري بدون بحر.
رأي كتبه للبحرنيوز: *يوسف فيدة رئيس الجمعية المغربية لتنمية الصيد البحري التقليدي.
أود اخي يوسف أن أشير إلى نقطة مهمة تجاوزتموها في هذ المقال الرائع و هي تتعلق بالعنصر البشري و هو الحلقة المهمة في قطاع الصيد فلا تنمية مستدامة بدون مهني واعي بمد المسؤولية الملقات على عاتقه و مدى ارتباطها بالمحافظة على المخزون السمكي من الاستنزاف