تستعدّ مجلة الأطلس للدراسات التاريخية بتخصيص ملف علمي حول « المغاربة والبحر » بحيث سيشارك فيه مجموعة من الباحثين والأكاديميين بورقات عليمة، يستعرضون فيها الطريقة التي فكّر فيها المغاربة في البحر، ودلالات هذا الفضاء الأزرق في المخيال الشعبي المغربي الذي نسج عبر تاريخه صداقة كبيرة جعلت المغرب أحد أبرز البلدان التي عُرفت في الحقبة الحديث باهتمامها بالبحر.
وتروم إدارة المجلة من وراء اختيار موضوع “المغاربة والبحر” ملفا للعدد القادم (رقم 2024/06 من “مجلة أطلس للدراسات التاريخية حسب ما جاء في توطئة الملف إثارة أسئلة وطرح قضايا جديدة في هذا الموضوع، وتعميق النقاش حول الأسئلة والقضايا التي سبق طرحها وتناولها من قبل، وذلك بقصد المساهمة من منطلق اهتمامات المجلة في الكشف عن عمليات التفاعل التي حصلت بين المغاربة والبحر، من خلال التمثلات التي في أذهانهم، بخصوص معايشتهم للمجالات البحرية، وما تشكل لديهم بخصوصها من عادات وسلوكات وتصرفات، وما ترتب عن ذلك من تقاليد وأعراف في شتى المجالات.
فالرهان هو الوقوف على جوانب من الثقافة البحرية التي كونها المغاربة منذ القديم عن البحر، وركوبه وثرواته وأنشطتهم اليومية المتصلة به، ومختلف أوجه العلاقات التي نسجوها معه. مع نفض الغبار عن ذاكرة البحر في تاريخ المغرب والمغاربة، والتعريف بمزيد من الوقائع والأحداث التي ارتبطت بالمجال البحري في التاريخ الحضاري للمغرب، وكذا التعرف على المؤهلات البحرية للمغرب، وما توفره من ثروات وخيرات طبيعية تتميز بالوفرة والجودة والتنوع، وعلى مختلف التقنيات التي استعملها المغاربة في التعامل مع البحر وثرواته.
وتقترح المجلة على سبيل الاستئناس، محاور تهم تأثير الجغرافيا والموقع الجغرافي في علاقة المغاربة بالبحر، والاقتصاد البحري في تاريخ المغرب: الموارد والتجارة والحرف والنقل وتقنياته والإنتاج في البحر عند المغاربة، وكذا المغرب ومجاله المتوسطي ومحيطه الأطلنتيي: البحر مجال للاتصال والتواصل، أو مجال للنزاع والصراع. كما تقترح هيئة التحرير على الباحثين ، العمارة والمنشآت البحرية المغربية (في المدن والبوادي) ودورها في تاريخ المغرب: المظاهر والخصوصيات. والبحر في الثقافة والحضارة المغربية: الموروثات الثقافية والحضارية البحرية، وكذا البحر في السياسة والدبلوماسية والحرب في تاريخ المغرب. والقضايا التشريعية المتعلقة بالبحر والمغاربة في الفقه والمذهب المالكي. والبيئة والمشاكل البيثية المرتبطة بالبحر في تاريخ المغرب،
وتعتبر إدارة المجلة أن موضوع المغاربة والبحر يشكل ورشا بحثيا مفتوحا، لاعتبارات متعددة، منها ما سبق أن أكده كثير من الباحثين في هذا الشأن حينما ذهبوا إلى القول بأن ما نجهله عن علاقة المغاربة بالبحر يفوق بكثير ما نعرفه عنه، ثم هناك مصادر دفينة وأرشيفات جديدة حول البحر، لم توظف أو تستثمر بالمرة أحيانا، أو أنها استغلت بشكل انتقاني ومحدود في أحيان أخرى. ومن بين تلك الاعتبارات كذلك الإتجاه المتنامي لدى بعض الباحثين اليوم إلى تنويع مصادر البحث والكشف عن أوجه التكامل فيما بينها، والانفتاح على مقاربات وعلوم مساعدة أخرى، الأمر الذي يؤدي، في كثير من الأحيان، إلى تجديد في السؤال والمنهج وإلى إعادة طرح ذات الموضوع وبناء مداخله وفرضياته من جديد.
وأشارت التوطئة أن المغرب يحظى بموقع جغرافي منفتح على واجهتين بحريتين حيويتين هما البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وهو ما أهل المغاربة لأن يتعايشوا مع البحر منذ ما قبل التاريخ، حيث ظلّ الاتصال بينهما قائماً ومستمراً، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق الصيد والتجارة والسفر. وقد لعب البحر في حياتهم وعلى امتداد أطوار التاريخ أدواراً حضارية مختلفة، سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية وصحية. ولذلك فبقدر ما غمر مجال المغرب وإنسانه بكثير من الثروات الغذائية والمعدنية والسياحية، وما رافقها من فوائد تجارية، ومزايا مناخية وطبية، فإنّه شكلّ أيضاً مصدراً لأخطار وتحدّيات مختلفة. فالبحر في تاريخ المغرب، لم يكن مجرد مساحة مائية، بل كان مجالاً للعيش والبقاء ومصدراً للنزاع والصراع ، وأداة للتواصل والتفاعل مع الجوار الجغرافي القريب والبعيد ».
بالإضافة إلى ذلك، شكل البحر بالنسبة للمغاربة ثروة ثقافية، حيث ظل دوما حاضرا في مجمل التطورات الحضارية التي عرفها المجتمع المغربي، وساهم في تشكيل هويته الجماعية، وفي رسم معالم الحضارة المغربية الممتدة عبر العصور، إذ وحسب نفس المصدر، « تشهد الوثائق على اختلاف أصنافها ومرجعياتها على عمق هذه العلاقات واستمرارها وامتدادها في الزمان والمجال. فالباحث اليوم يمكن أن يستند إلى الرصيد الوثائقي الموجود في كتابات المؤرخين التقليديين، كما يمكن له أيضاً أن يوظف ما تبقى من موروثات تاريخية مرتبطة بالحبر، ليس تلك المتعلقة بالجوانب المادية للإنسان فحسب، وإنّما أيضاً تلك المرتبطة بحياته المعنوية وذلك من خلال مظاهرها وتعبيراتها المتنوعة، الإنتاجية والاجتماعية والمعمارية والذهنية والنفسية ».