مما لا شك فيه أن علاقة الإنسان المغربي بالبحر قديمة قدم ظهور الإنسان بهذه المنطقة من العالم و لا أدل على ذلك أكثر من وجود عدة بقايا للإنسان بقرب من الشواطئ أشهرها موقع سيدي عبد الرحمان قرب مدينة الدار البيضاء وموقع تمارة الصخيرات ولكن السؤال المطروح أيت تتجلى هذه العلاقة ؟ وما هي خاصيتها ؟
*محمد عبد الجليل الهجرواي
إن الإجابة بكل تدقيق عن هذا السؤال شيء صعب، وذلك راجع لقلة المعطيات الأثرية وإنعدام النصوص المكتوبة . ولكن رغم ذلك هناك بعض المؤشرات الأثرية التي توحي لنا بنوعية هذه العلاقة التي يمكن تصنيفها في محاور تهم إسهام البحر في صناعة وتكوين كهوف لجأ إليها الإنسان القديم ، ومحور البحر كمصدر للقوت اليومي و محور آخر يهم منتوجات البحر كأدوات للزينة، بالإضافة إلى محور رابع يهم منتوجات البحر كأدوات للزخرفة ، فضلا عن تنقلات الإنسان عبر البحر
- 1 إسهام البحر في صناعة وتكوين كهوف لجأ إليها الإنسان القديم :
عرفت الشواطئ كمثيلاتها في مختلف بلاد المعمور عدة حالات مد وجزر . وذلك خلال مختلف العصور الجيولوجية ، ومن نتائج المد وإصطدام الأمواج بالصخور وتفاعل الأملاح والمواد الكيماويةن تفتت ثربة هذه الصخور وتكوين مغارات ذات أحجام وأشكال مختلفة . وقد إستغل الإنسان القديم عند نزوح البحر هذه المغارات كأمكنة لجأ إليها وجعل منها مسكنا له، كما أتخدها في بعض الحالات أماكن لدفن موتاه. ومثالا على ذلك نخص بالذكر مغارة المناصرة قرب شاطئ تمارة.
فمنذ حوالي 100000 سنة عرفت الشواطئ المغربية مدا يعرف بالمد الوولوجيي، تكونت من جرائه عدة مغارات على إمتداد شاطئ المحيط الأطلسي ، منها مغارات الهرهورة 1 و2 ومغارات دار السلطان 1 و2، ومغارة أولاد بوشيخة الملقبة سابقا بمغارة المهربين ومغارة المناصرة… ولقد عرفت هذه المغارات تعاقب عدة حضارات منذ تكوينها، نخص بالذكر الحضارة الموستيرية ، ثم العتيرية وحضارتي العصر الحجري الأعلى ، والحديث. وفي كل مرة كان لعامل الرياح والإنسان دور هام في تنقيل الرمال البحرية التي جاءت لتغطي بقايا هذه الحضارات وتحتفظ بها لنا كخير دليل على وجودها.
- 2 البحر كمصدر للقوت اليومي:
كان البحر وما يزال من أهم مصادر القوت اليومي للإنسان ، وسؤالنا هو هل إستغل إنسان ما قبل التاريخ بالمغرب منتوجات البحر لسد حاجيات قوته اليومي ، ومتى بدأ ذلك ؟ لقد تم العثور بعدة مواقع آشولية على اصداف بحرية كان الإنسان ولا ريب يتغدى بها. وخلال الحضارة الموستيرية والعتيرية ثم العصر الحجري الأعلى والحديث تكاثرت هذه اللقى وتعدد
وهكذا نجد على طول شواطئ المحيط الأطلسي من مدينة الجديدة إلى شمال المملكة ، طبقة جيلوجية تعود إلى مرحلة العصر الحجري الحديث ، يبلغ سمكها أحيانا أزيد من متر ، بها بقايا لأصداف بحرية وأسماك محشوة بداخل تربة غنية بالرماد . ذلك ما يجعلنا نستنتج بان إنسان هذه المرحلة كان من محبي البحر والمواظبين على إستغلال منتوجاته.
- منتوجات البحر كأدوات للزينة:
إستعمل الإنسان القديم الأصداف البحرية ، وكذا بعض عظام الحيوانات، فثقبها وزخرفها وجعل منها حليا يتزين بها ، وهكذا ثم العثور خلال سنة 1992 بمغارة المناصرة، على فقرة لسمك البالين مدفونة قرب هيكل عظمي يعود تاريخه إلى حوالي 4500 سنة.
4 منتوجات البحر كأدوات للزخرفة
إستعمل إنسان ما قبل التاريخ منتوجات البحر كذلك لزخرفة بعض أدواته ، وكمثال على ذلك زخرفة الأواني الفخارية خلال العصر الحجري الحديث، فأطلق على هذه الحضارة إسم حضارة الكارديال (نسبة لأصداف الكارديوم ). هذه الحضارة ظهرت بشبه الجزيرة الإبيرية منذ حوالي 6000 سنة ، ثم إنتقلت إلى شمال المملكة حيث تعرف بعدة مواقع قرب مدينتي طنجة وتطوانن ومؤخرا أكتشفت كذلك بمعارة المناصرة قرب مدينة الرباط.
5- تنقلات الإنسان عبر البحر:
من بين المعطيات التي تبرهن على وجود علاقة بين الأمم والشعوب والقبائل تشابه العادات والتقاليد والدوات المستعملة ، فقد عرفت مختلف دول البحر البيض المتوسط منذ أزيد من 100.000 سنة الحضارة الأشولية نسبة إلى موقع أشول بفرنسا ، وتتميز هذه الحضارة بالمحافر الحجرية (Biface) أضف إلى ذلك أننا نجد بإفريقيا الفؤوس الحجرية (Hachereau) حيث ظهرت هذه الأدوات وتطورت . وعلى خلاف باقي المناطق الأوربية عثر بشبه الجزيرة الإبيرية على هذه الفؤوس الحجرية كذلك.
هذا وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على وجود علاقة وتواصل بين شمال إفريقيا وشيه الجزيرة الإبيرية ، ذلك ما يجعلنا نستنتج بأن أول عبور لمضيق جبل طارق كان من الضفة الجنوبية إلى الضفة الشمالية خلال الحضارة الآشولية، أي منذ ازيد من 100000 سنة.
رغم ضآلة المصادر والمعطيات المتوفرة لدينا فيما يخص فترة ما قبل التاريخ، يظهر جليا بأن الإنسان القديم كانت له علاقة مع البحر، في عدة مجالات كمصدر للقوت اليومي ، وإستغلال منتوجاته لجعلها حليا يتزين بها…ومما لا شك فيه أنه كان يتوفر على أدوات وتقنيات خاصة لإصطياد السمك لم تكشف بعد التنقيبات والأبحاث الأثرية عن أسرارها ، كما قد تكون له علاقة روحية مع البحر وأمواجه كإختياره لمواقع قريبة منه لدفن موتاه وكمثال مقبرة الصغيرات حيث تم العثور على أزيد من 100 هيكل عظمي ومازالت التنقيبات لم تكشف عن المجموع.
- نشر في البحر في تاريخ المغرب منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية سلسلسة الندوات رقم7