حل عيد الشغل للمرة الثانية في اجواء تسيطر عليها تداعيات كوفيد 19 ، التي منعت التجمعات، وأبقت النقابات حبيسة مكاتبها في تواصل إفتراضي، بعد أن منعت الإحتفالات التي ظلت تصدح بأصوات الشغيلة المهنية بشوارع المملكة، حيث بدت الحالة عادية صباح اليوم اللهم تطويق رجال الأمن والسلطات لمقرات بعض النقابات التي لم تستسغ منع التجمعات المرتبطة بإحتفالات عيد الشغل .
وفي قطاع الصيد مجال إختصاصانا ، بدت غالبية موانئ المملكة خالية من الحركة على مستوى مراكب الصيد الساحلي وأعالي البحار، اللهم مهنيي الصيد التقليدي خصوصا قوارب البلانكر العائدة من الرحلات الطويلة والسويلكة التي واصلت نشاطها بميناء أكادير، حيث شكلت مصدر تزويد التجار بالأسماك السطحية الصغيرة التي يكثر عليها الطلب بالأسواق المحلية. لكن أفول حركية عيد الشغل لم تمنع البحارة ومعهم مهنيي الصيد من التذكير بمطالبهم المختلفة، في قطاع ظل يعتبر من طرف مختلف التكثلات الإقليمية والعالمية، كواحد من أصعب القطاعات على الإطلاق، حيث تتراكم الإكراهات في أبعادها الإجتماعية والإقتصادية، وتتجدد المشاكل في إرتباطها بالصعوبات الإنتاجية والتسويقية، ما يجعل مختلف النقابات البحرية تكاد تكون موحدة في مطلب إخراج مدونة بحرية عصرية إلى حيز الوجود لصيانة الحقوق وتعززي المكتسبات .
وتكمن خلفية الإجماع على إخراج مدونة الصيد للوجود ، في سنوات الإنتظار الطويلة والترقب، لإصدار أول نص قانوني ومهني جامع وشامل، من شأنه أن يعيد تنظيم القطاع بصورة تستجيب من جهة لتطلعات الشغيلة البحرية، وتتماشى من جهة ثانية مع التحديات الكبرى التي بات يفرضها الاشتغال في قطاع يدر على خزينة الدولة مداخيل هامة حتى في إصعب وأحلك الوقات كما وقع في عز أزمة كوفيد 19، كما أكد ذلك وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، الذي أكد أن الصيد البحري أصبح يتوفر على ميكانزمات وتصورات واضحة، قادرة على الاستجابة لمتطلبات الإنتاج في أصعب الظرفيات. مبرزا أن فترة الحجر الصحي أثبتت الأهمية المركزية لقطاع الصيد البحري، وأظهرت قدرة القطاع على مواجهة أكبر الأزمات، وكذا توفره على قدرة عالية على امتصاص الصدمات.
قناعة أخنوش أكدها أيضا تقرير للبنك الدولي الذي سجل ضمن خلاصاته بعد تشخيص هشاشة قطاع الصيد في المغرب وتأثير كوفيد 19 ان القطاع أظهر مدى مرونته في مواجهة أزمة كوفيد 19. رغم ان الأزمة أثرت على جميع فروع قطاع الصيد إن وبشكل غير متساوي بين الأنواع التي يتم صيدها، ووجهة المنتج، والحلقة المعنية من سلسلة القيمة ، حيث تم الحفاظ على جهد الصيد واستمر توريد السوق المحلية وعانت الصادرات من إنخفاض طفيف. وبشكل عام قاومت العمالة والدخل في القطاع صدمة الإغلاق بشكل أفضل من القطاعات الإقتصادية الأخرى .
لكن ذات التقرير ، رصد في إحدى خلاصته أن المشغلين في القطاع لا يتمتعون جميعا بنفس القوة التفاوضية وبنفس القدرة على الضغط والتأثير. حيث أوضح في ذات السياق أن تعاونيات وجمعيات الصيادين الحرفيين بشكل عام، لا تزال ضعيفة التنظيم ، ولها تأثير ضئيل على اتخاذ القرارات، من قبل السلطات العامة المسؤولة عن قطاعها، وكذلك تأثير ضئيل نسبيا على أعضائها . كما إستنتجت ذات الوثيقة أن أزمة كوفيد 19 أظهرت أنه لا تزال هناك جيوب من الهشاشة في الصيد التقليدي. كما أن عقود التأمين على المخاطر المهنية المتعلقة بانشطة الصيد البحري تغطي الحد الأدنى من المخاطر، حيث أن إجراءات تقديم الإثباتات تبقى معقدة. ويصعب تنفيذها بسبب تفشي الأمية بين عدد كبير من الصيادين التقليدين.
وأوصى التقرير بضرورة تعزيز مكاسب الإنتاجية، وزيادة متوسط دخل الصيادين من خلال ضمان الإدارة المثلى للثروة السمكية ، مع العمل على تأهيل الصيادين من خلال التدريب والإنتظام في جمعيات وتعاونيات، وكذا توجيه شريحة الصيادين المعرضين للخطر والمتعددي الأنشطة، نحو مهن تضمن لهم دخلا أكثر إستقرارا. فيما دعت الوثيقة إلى تحسين تغطية وجودة مزايا الضمان الإجتماعي، بما يتماشى مع إصلاح نظام الحماية الإجتماعية الذي أعلنه جلالة الملك في غشت الماضي، والذي يمهد إلى تعميم الخدمات. وهو مطلب ينسجم إلى حد بعيد مع المطالب المتكررة لبحارة الصيد الداعي إلى إصلاح الأعطاب البنيوية، لنظام الضمان الاجتماعي في علاقته بمهنيي القطاع، وخاصة البحارة، مع ضمان الاعتراف بالأمراض المهنية، و تمتيعهم بحقهم المشروع، في الاستفادة من خدمات المصحات الخاصة، دون قيد أو شرط. بالإضافة إلى النظر بجدية في تسيير شروط استفادتهم من السكن الاقتصادي والقروض البنكية .
وبالعودة إلى مطلب إعتماد مدونة واضحة المعالم في قطاع الصيد البحري ، فإن هذا المطلب هو يبرز في ظل ما تعانيه المنظومة القانونية المتعلقة بالصيد البحري، من تقادم يصعب مامورية التأقلم معها،كما ان النصوص القانونية الحديثة تبقى مشتتة، ما يصعب من مأمورية ضبطها بين جميع المتداخلين، بدأ من السلطات و كذا المطبقين، وصولا للسلطات الساهرة على تدبير قطاع الصيد البحري. حيث يرجع فقهاء القانون والمختصين في الدراسات القانونية، التشتت الذي تعرفه النصوص القانونية في الصيد البحري ، إلى كثرة الدوريات والتعديلات على النصوص المتقادمة، حيث هناك نصوص مدونة منذ سنة 1916 و 1919 و 1922، وكذا سبعينيات القرن الماضي ، فيما مدونة الصيد البحري، التي تم الإعلان عنها وتم تعديلها في وقت سابق ، ظلت حبيسة رفوف البرلمان في سنة 2001.
وإلى جانب مطلب إخراج مدونة الصيد البحري للوجود، يبرز الطلب القديم الجديد ضمن مطالب الشغيلة البحرية ، الداعي إلى تمكين البحارة من تمثيلية كاملة في الغرف المهنية، بإعتبارهم حلقة مهمة في إنتاج السمك، إذ تراهن شريحة البحارة على مراجعة القانون المنظم لغرف الصيد البحري ، وضمان تواجدهم الضمني بالمؤسسة الدستورية، وكذا مجالس المؤسسات الفاعلية في قطاع الصيد كالمكتب الوطني للصيد والمعهد الوطني للبحث في ال ما من شأنه تقديم قيمة مضافة، و قوة اقتراحية قادرة على تقديم بدائل معقولة ، في كثير من القضايا الشائكة التي تطرح للنقاش المسؤول، خصوصا أن مجموعة من القوانين الملزمة للبحارة هي تعرض على أنظار الغرف قبل البث فيها من طرف الوزارة الوصية.
ولأن الأزمة الصحية تدعو للقلق كانت الحكومة قد قررت في بلاغ لها ، منع جميع الاحتفالات الميدانية ذات الصلة بالعيد السنوي للعمال يوم فاتح ماي 2021، تفاديا لكل ما من شأنه خرق حالة الطوارئ الصحية، خاصة المخاطر التي قد تشكلها على مستوى التجمعات بالفضاءات العامة. كما أضاف البلاغ الصادر عن الحكومة أنه ” وإذ تشيد الحكومة بروح المسؤولية والانخراط القوي للمركزيات النقابية في مواجهة التداعيات السلبية لهذه الجائحة، فإنها تهيب بالجميع مواصلة المجهودات المبذولة والالتزام، على غرار السنة الماضية، بجميع التوجيهات المعلنة والتدابير المقررة، حفاظا على النتائج الإيجابية التي تم تحقيقها في مواجهة هذا الوباء الخطير منذ ظهوره ببلادنا”.
وبحسب تقرير لحصيلة الحكومة، فإن هذه الأخيرة تعمل منذ بداية ولايتها على تنفيذ سلسلة من الإجراءات للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وتقليل الفوارق الاجتماعية برسم الفترة 2017-2021. وفي هذا الإطار، تشير الوثيقة إلى العديد من الإجراءات التي اتخذت لصالح أجراء القطاع الخاص وموظفي الدولة، من أهمها الزيادة العامة في أجور الموظفين (تتراوح ما بين 400 و500 درهم)، والتي طُبقت على ثلاث دفعات، آخرها صرفت في يناير 2021.