شهدت الدنمارك، خلال الأسبوع المنصرم، بروز فضيحة سرعان ما تدحرجت مثل كرة الثلج حول حصص الصيد البحري تحوم حولها شبهة ارتكاب “مخالفات” ترجع إلى أكثر من اثني عشر سنة.
وشجبت الطبقة السياسية، مثل وسائل الإعلام، ما يسميه البعض ب”فضيحة الفساد” المتعلقة بحصص للصيد منحت، منذ أكثر من عقد من الزمن، لمرشحين مفترضين امتلكوا تراخيص للصيد عن طريق وثائق زائفة ثم أعيد بيعها للصيادين.
وبدأ الحديث عن هذه الفضيحة بعد نشر تقرير صادم من قبل هيئة تدقيق الحسابات الوطنية التي أدانت وزارة البيئة والغذاء.
وانتقد التقرير الوزارة ومسؤوليها على الطريقة التي تم بها منح تراخيص حصص الصيد وعملية تدبيرها، مشيرا إلى أنهم اتخذوا موقفا مناقضا لموقف البرلمان الذي طالب أعضاؤه، منذ مدة، بإدخال تغييرات على هذا النظام لتحقيق توزيع أكثر عدلا للحصص المتمركزة بين أيدي بعض أقطاب الصيد الكبرى.
وبعد أن أشارت بالخصوص إلى قرائن “يمكن أن تدل على مخالفات”، طالبت الهيئة من الشرطة إجراء تحقيق حول هذه القضية التي قد توجه ضربة لصورة بلد بمنأى حاليا عن قضايا الفساد.
وسبق لرئيس الوزراء لارس لوك راسموسن، أن أعلن عن تدابير تهم فصل وزارة البيئة والغذاء عن قطاع الصيد البحري الذي أصبح تحت إشراف وزارة المساواة والتعاون الشمالي.
وبرر راسموسن هذا التغيير بعدم رضاه عن أداء وزير البيئة والغذاء، إبسن لوندي لارسن، في مجال الصناعة المرتبطة بالصيد البحري، في سياق تدخل فيه المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مرحلة حرجة.
قائلا إن ” تدبير حصص الصيد التي قيل إنها + قابلة للتفاوض + لم تكن مرضية منذ عدة سنوات، وأنا بحاجة للقيام بالحصيلة”.
وأضاف أن “صناعة الصيد البحري تواجه تحديا كبيرا في سياق البريكسيت لأن عددا كبيرا من الأسماك توجد في المياه البريطانية”، مشيرا إلى أن بلاده ستعمل على “تعزيز التحالفات الدولية” التي تضمن خروج السوق الدنماركية قوية من المفاوضات.
ولم تكن هناك حاجة لمثل هذه القضايا في بلد مثل الدنمارك، الذي يعد رائدا في مجال الاستدامة ومهتم بشكل كبير بالبيئة، ومن المنتجين والمصدرين الكبار لتوربينات طاقة الرياح.
ووجد وزير البيئة والغذاء الدنماركي نفسه مرة أخرى في دائرة الضوء، بعدما نجا خلال مارس الماضي، حينما طالب ستة أحزاب برأسه لاتهامه بالكذب على البرلمان أو على الأقل “حجب المعلومات” حول توزيع حصص الصيد.
وبغض النظر عن قضية الحقيبة الوزارية، يقول كاتب افتتاحية بصحيفة “يولاندس بوستن”، فإن هذه “الفضيحة خطيرة بحيث يبدو من المهم إجراء مراجعة خارجية، لمعرفة ما إذا كان من المناسب القيام بمتابعة قضائية لواحد أو العديد من الوزراء الثمانية المعنيين بها”.
وأكد أنه “يجب علينا أيضا إجراء مراقبة مستقلة لتحديد الحاجة من عدمها لاتخاذ أي إجراء قانوني ضد المسؤولين المرتكبين للجرم، من أجل، على الخصوص، ضمان إتاحة إمكانية تقديم شهادات أمام الرأي العام”، معتبرا أنه حان الوقت لكي يحاول البرلمان التحديد الواضح للمسؤوليات التي تقع على عاتق الإدارة.
وسارت صحيفة (بوليتيكن) في نفس الاتجاه حينما أكدت أنه من الضروري توضيح المسؤوليات السياسية، وماذا يعرف الوزراء؟ وما هي المعلومات التي تلقوها من المسؤولين؟ وما هو دور مهنيي الصيد؟ في هذه القضية.
واعتبر كاتب الافتتاحية أنه “إذا ارتكبت مخالفات خلال عدة سنوات، فإن ذلك يدل على انعدام الكفاءة الصارخ ووجود ثقافة معيبة في العمل”.
وأضاف أنه “إذا كان السكان يثقون لحد الآن في الدولة لكي تديرهم بطريقة قانونية ومنصفة”، فإن هذه الثقة “قد تتعرض، من الآن فصاعدا، للخطر”.
ووصف الحزب الاشتراكي الديمقراطي (المعارضة)، من خلال المتحدث باسمه سيمون كوليروب، هذه القضية بأنها “فضيحة ومن غير المقبول تماما أن تتطور الإدارة بهذه الطريقة. ويجب أن يكون هناك تحرك سياسي حازم. نريد أن توزع الحصص بين الكثير من الصيادين ويقوم البرلمان بمراقبة مرنة مع تبني حكامة في قطاع الصيد البحري”.
وقد تغير تدبير حصص الصيد البحري، خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بين ثمانية وزراء، من بينهم خمسة من الحزب الليبرالي (اليمين)، وهو من أغلبية الائتلاف الحكومي الحالية، وثلاثة وزراء من الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وفي سياق هذه الفضيحة، دخلت على الخط منظمة “أوسيانا” غير الحكومية باتهام الدنمارك باعتبارها أحد المساهمين الرئيسيين في الإفراط في صيد سمك القد في بحر البلطيق الغربي، والتي كانت تصر دائما على حصص أعلى بكثير من تلك الموصى بها علميا.
واعتبرت المنظمة غير الحكومية أن الدنمارك خصصت أغلب حصص الصيد إلى عدد قليل من “ملوك الحصص” وبالتالي من حق الجميع التعبير عن الغضب، داعية الحكومة ووزرائها إلى العمل لفائدة الصيد العمومي والمستدام وليس مصلحة بعض شركات الصيد الصناعي على المدى القصير.
وذكر بلاغ للمدير التنفيذي ل”أوسينا أوروبا”، لاسي غوستافسون، أن “رئيس الوزراء لارس لوك راسموسن اتخذ خطوة في الاتجاه الصحيح بسحب حقيبة الصيد البحري من إسبن لوندي لارسن”، داعيا إلى ضرورة توقيف العلاقات المشبوهة بين الوزارة وصناع الصيد البحري.
وفي الوقت الذي يضع فيه مسؤولو الأحزاب الكبرى تقييما لأنشطتهم في فترة الصيف، فإن قضية حصص الصيد البحري تنبء بنقاشات حادة مع دخول سياسي يبدو ساخنا.
البحرنيوز : و.م.ع