يعيش حوالي 700 مليون من الرجال والنساء والأطفال في مختلف أرجاء العالم، في فقر مدقع (الذي يقاس حاليا بعدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من دولارين يوميا)، وينتمي معظمهم إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء، حسب آخر إحصائيات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن أكثر من 40 في المائة من السكان، هناك يعيشون تحت خط الفقر؛ فيما يعيش نحو مليار طفل عبر العالم في فقر.
يأتي الحديث على هذه الأرقام في سياق إحياء العالم اليوم الخميس 17 أكتوبر 2019 اليوم العالمي للقضاء على الفقر، كموعد سنوي يكبر فيه الرهان على محاربة الهشاشة والفوارق الإجتماعية ، والتفكير العميق في إيجاد حلول لمجابهة التحديات والمعاناة اليومية والظروف المأساوية لنحو 10 في المائة من ساكنة العالم.
ووفق المتتبعين ومعه الهيئات المهتمة بتتبع الشان الغدائي في العالم ، فإن البحر ومعه قطاع الصيد، يمكن أن يلعبان دورا كبيرا في معالجة إشكالية الفوارق وضمان نوع من التوازن، لاسيما وأن غالبية دول الصيد أصبحت اليوم تراهن على تحقيق منهج النظام الإيكولوجي في إدارة المصايد لكي” تساهم في الأمن الغذائي طويل الأجل، وفي التنمية البشرية، وضمان الصيانة الفعالة والاستخدام المستدام للنظام الإيكولوجي وموارده ” (إعلان ريكيافيك). ووهو نفس التوجه اللذي يحدد الركائز الكبرى للإقتصاد الأزرق.
وبالعودة إلى علان أكادير الذي تمت صياغته في ختام ندوة “الحزام الأزرق، أرضية للعمل من أجل استدامة الصيد البحري وتربية الأحياء البحرية في إفريقيا” مطلع هذه السنة بمدينة أكادير، فقد أوصى بإرساء آليات مؤسساتية ومالية مناسبة لتنفيذ وتنشيط أرضية للتعاون في إطار شراكات تشجع الابتكار التكنولوجي والاجتماعي وتبادل الممارسات الجيدة والمشاريع الاجتماعية، بهدف زيادة المكاسب السوسيو-اقتصادية والبيئية كإحداث فرص العمل، والتكوين، وتشغيل الشباب، والأمن الغذائي، والقضاء على الفقر، والحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية البحرية والتكيف مع التغير المناخي.
كما دعا ذات الإعلان إلى الاستثمار في الاقتصاد الأزرق، لاسيما الصيد البحري وتربية الأحياء البحرية المستدامة والمبتكرة والواقية للمحيطات، وزيادة التمويلات ذات الصلة، من خلال إدراج آليات التمويل المبتكرة وتيسير الحصول على التمويلات الدولية، خاصة صناديق المناخ (صندوق التكيف والصندوق الأخضر). ناهيك عن تعزيز تطوير البحث والابتكار من أجل التشجيع على بروز اقتصاد أزرق يرتكز على المعرفة العلمية المستدامة، وكذا لخلق “شركاء في المجتمع” يساهمون في تنفيذ وتنشيط أرضية للتعاون في إطار مبادرة الحزام الأزرق.
وتتزايد القناعات بشكل أكبر اليوم في الأوساط المهتمة بالدور الاستراتيجي الذي يمثله اقتصاد المحيطات وتربية الأحياء البحرية في إفريقيا، من حيث التغذية والنمو الاقتصادي وفرص الشغل والابتكار، وأن التنمية المستدامة في الصيد البحري وتربية الأحياء البحرية يمكن أن تمثل حلا للتحديات المستقبلية بشأن الأمن الغذائي والتغذية في العالم، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخاصة تلك التي تهدف إلى القضاء على الجوع والفقر.
وكان المؤتمرون من ممثلي الدول الإفريقية والمنظمات المهتمة المشاركون في ندوة الحزام الأزرق بأكادير، قد إعترفوا بالتحديات التي يفرضها التغير المناخي وتهديداته بشأن توازن الأنظمة الإيكولوجية الساحلية والبحرية، وتأثيراته على الصيد البحري وتربية الأحياء البحرية ومصادر التشغيل والأمن الغذائي للعديد من الأشخاص في إفريقيا، حيث أعرب المشاركون عن قناعتهم بأن المحيط يعد عاملا أساسيا للحفاظ على الحياة، مع التأكيد على أهمية الأنظمة الإيكولوجية للمحيطات في التخفيف من التأثيرات المرتبطة بالتغير المناخي والتكيف معه.
وتبرز الجاجة الملحة اليوم نحو العمل على تعزيز الاقتصاد الأزرق، خاصة ما يتعلق بالحفاظ على الموارد والأنظمة الإيكولوجية البحرية كمقاربة مندمجة من أجل تحقيق التنمية المستدامة للمحيطات، وكذا الحاجة إلى إبراز فرص جديدة للتنمية الاقتصادية بتخطيط وتناغم، وفي إطار مقاربة شاملة تجمع بين الخدمات الاقتصادية والاجتماعية ذات الصلة بالبحر والمحيطات، وتعزيز للتعاون والتقارب بين المبادرات لفائدة تطوير الصيد البحري وتربية الأحياء البحرية المستدامة، بما يضمن إعادة تركيب الإقتصادات المحلية وإعطائها دينامية جديدة، في خلق فرص تسمح بتقليص الفوارق الطبقية، عبر الإرتقاء بالمواطن الإفريقي نحو غد أفضل .