تواصل خافرة الإنقاذ “المنار” التابعة لمندوبية الصيد البحري بميناء بوجدور، عملياتها التمشيطية المضنية بحثًا عن القارب المسمى “السويدية”، المسجل تحت رقم 10/3/5105، والذي اختفى بشكل غامض منذ نحو أسبوعين، في سواحل الإقليم، وعلى متنه بحّاران لم يظهر لهما أثر منذ يوم 17 يونيو، وهو تاريخ انطلاق رحلتهما المعتادة في الصيد.
ورغم الجهود المكثفة التي تبذلها السلطات البحرية، على امتداد السواحل الواقعة بين بوجدور والداخلة ومعها بعض المهنيين على متن المراكب ، لم تظهر حتى الآن أي مؤشرات على مصير القارب أو راكبيه، بينما يخيّم الصمت الثقيل على ذوي البحّارين المفقودين، الذين يعيشون منذ أيام على وقع القلق، بين الأمل والخوف، والانتظار الموجِع، وسط ترقب لما يأتي من أنباء من عرض البحر، حيث تتقاطع الأحلام مع الخطر والقلق.
وأفادت مصادر مأذونة إن عمليات البحث ما تزال جارية، بتنسيق مستمر بين خافرة “المنار” ومراكب الصيد المتواجدة في عرض البحر وكذا البحرية الملكية .. وذلك في مسعى مشترك لتعقب أي أثر يمكن أن يقود إلى القارب المختفي. ويزيد من تعقيد المهام، اضطراب الأحوال الجوية خلال الأيام الماضية، التي دفعت بالمندوبية إلى تعليق رحلات القوارب التقليدية، في إجراء وقائي يضمن السلامة، لكنه يحدّ من الإمكانات المتاحة في عملية التمشيط.
وتُشير نفس المصادر إلى أن القارب كان قد أبحر في ظروف جوية مستقرة، قبل أن تنقطع الاتصالات بشكل مفاجئ، وتتحوّل هواتف البحّارين إلى أرقام خارج التغطية، لتبدأ رحلة البحث التي لم تُسفر حتى الآن عن جديد.
وفي خضم هذا الغموض المتواصل، تداول نشطاء على مواقع التواصل أنباء عن رصد القارب قرب الداخلة، غير أن المصادر الرسمية نفت تلك الأخبار، مؤكدة عدم العثور على أي أثر أو إشارات تدعم هذه المزاعم. ويُحذّر المهنيون من خطورة مثل هذه التأويلات غير الدقيقة، والتي لا تزيد إلا من حيرة الأسر وألمها، وتربك جهود الإنقاذ والتحقيق في وقت حرج.
وفي هذا السياق، دعا عدد من مهنيي الصيد البحري إلى تعزيز عمليات البحث، عبر الاستعانة بالمروحيات التابعة للدرك الملكي، لتوسيع نطاق التمشيط الجوي، خاصة في ظل الإمكانيات المحدودة المتوفرة حاليا، في ظل تقلبات الطقس وتباعد السواحل . فيما يطرح الفاعلون سؤال جوهريا حول حضور مؤسسات التأمين المتعاقد معها من طرف القوارب في مثل هذه الحوادث، لماذا لا تتطور لتمتد أيضا لتأمين خدمات البحث والتمشيط عند وقوع فقدان مماثل. فالتمثيليات المهنية مطالبة بالترافع في هذا السياق خصوصا وأن خدمات التأمين أصبحت مطلبا أساسيا لتجديد رخص القوارب .
وتعيد حادثة اختفاء “السويدية” إلى الواجهة سلسلة من الحوادث التي شهدتها السواحل الجنوبية للمملكة، كان أبرزها في الأشهر الأخيرة اختفاء مركب صيد وعلى متنه 17 بحارًا، دون أن تتضح ملابسات ما جرى. هذه الحوادث باتت تشكّل مصدر قلق عميق داخل الأوساط المهنية، وتدق ناقوس الخطر حول الحاجة الملحة لتحديث آليات الإنقاذ، وتحسين وسائل الرصد والمراقبة البحرية.
وبعيدًا عن الأرقام والتقارير، هناك وجه إنساني قاسٍ لا يُمكن إغفاله، فهناك أسر معلّقة على خيط الانتظار، تعيش على وقع الوجع، تتشبث ببصيص أمل لا يخبو رغم صمت البحر. أطفال يسألون عن آبائهم، وزوجات يملأن البيت بالصلوات تضرعا وإبتهالا للرحمان الرحيم ، في مشهد إنساني تختلط فيه الدموع بالدعاء من أجل إستعادة المفقودين. فيما تستدعي هذه الحوادث تضامنًا حقيقيًا ويقظة مؤسساتية مسؤولة، تُنصت للوجع وتتحرك بحسّ إنساني، قبل أن يكون حسا أمنيًا أو مهنيا.