قراءة متقاطعة تناقش ما بين السطور في بيان “COMAIP” !

0
Jorgesys Html test

بقلم :عبد الخالق جيخ* 

في خضم أجواء مشحونة يشهدها قطاع الصيد البحري بالمغرب، أصدرت الكونفدرالية المغربية لأرباب السفن الصناعية لصيد الأسماك السطحية (COMAIP) بلاغًا وُجّه إلى الرأي العام الوطني، اتسم بنبرة دفاعية قوية تجاه ما اعتبرته حملة “ممنهجة” تستهدف سمعة أسطول سفن RSW الوطني عبر وسائل الإعلام الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي.

البلاغ، الذي حمل بين سطوره رسائل واضحة إلى خصوم خفيين ومعلنين، اعتبر أن الاتهامات الموجهة لهذا النمط من الصيد مبنية على “معلومات مغلوطة ومغرضة”، مشيرًا إلى أن الجهات التي تغذيها “معلومة وممولة ومعروفة”، دون تسمية صريحة، مما يفتح باب التأويل واسعًا حول الخلفيات والرهانات التي تتحكم في هذه الحملة المفترضة.

ولا يمكن قراءة هذا البلاغ بمعزل عن السياق المتوتر الذي يعيشه قطاع الصيد البحري، خاصة عقب التصعيد الكلامي الذي شهده اجتماع رسمي جمع قطبين رئيسيين داخل القطاع، حيث تبادلت الأطراف اتهامات تمس جوهر الثروة السمكية الوطنية، وتحديدًا مصير المخزون السمكي في الأقاليم الجنوبية.  وتُوِّج هذا التوتر بتحرك ميداني من طرف مدير الصيد البحري، السيد عبد الله المستتر، الذي قام بزيارة استثنائية لميناء الداخلة،  للتحقق من جدية الاتهامات المرتبطة بمراكب الصيد السطحي، في خطوة تؤشر إلى مدى حساسية المرحلة التي يمر بها القطاع، وتنامي الحاجة إلى مراجعة النمط التدبيري الحالي.

كما لا يمكن تجاهل تزامن هذا التحرك مع تفجّر ما بات يُعرف بقضية “الترامْبا”، بعد ضبط معدات صيد محظورة على متن أحد مراكب أعالي البحار، عشية انطلاق موسم صيد الأخطبوط، ما أضاف مزيدًا من التوتّر إلى مشهد يزداد تعقيدًا. وقد ظهر هذا التوثر في خرجة الكونفدرالية ، حيث تضمّن البلاغ إشارة واضحة إلى الفرق بين الشباك السطحية والشباك القاعية التي تعمل في أعماق البحر وتستعملها مراكب استهداف الرخويات ضمن أسطول أعالي البحار، موضحًا أن الشباك القاعية تحرث قاع البحر وتؤثر على الأنظمة البيئية، في حين أن الشباك السطحية لا تحتك بالقاع، وأن التطور التكنولوجي جعل أثرها البيئي محدودًا للغاية.

ورغم النبرة الحادة التي طغت على البلاغ، إلا أنه حرص على استعراض جملة من النقاط التقنية التي تراهن الكونفدرالية على أنها كفيلة بتفنيد “الادعاءات” المتداول: تهم المشروعية الدولية للشباك السطحية، حيث أكدت الكونفدرالية أن تقنية الشباك الجرّافة السطحية (RSW) تحظى باعتراف قانوني دولي، ويتم استخدامها في دول متقدمة مثل النرويج والمملكة المتحدة وروسيا، بالإضافة إلى دول آسيوية وأعضاء من الاتحاد الأوروبي. كما نبهت الكونفدرالية إلى ركن الإنتقائية والتكنولوجيا البيئية حيث شدد البلاغ على أن السفن الحديثة مجهزة بأنظمة ذكية من سونارات وكاميرات تسمح بتمييز الأنواع قبل الصيد، مما يُتيح نوعًا من الانتقائية يحد من الصيد العرضي ويقلل من الأثر البيئي.

وناقش البلاغ أيضا المسؤولية القانونية التي يتحملها المجهز في حالة المخالفة،  وهي نقطة تم توظيفها للتأكيد على وعي المهنيين بمخاطر التجاوزات، حيث يُحمّل القانون المغربي المجهز كامل المسؤولية الجنائية، حتى في حال ارتكب الربان المخالفة. وآخيرا لفت البيان إلى موضوع الإلتزام بالاستدامة وحماية البيئة ، حيث أكدت الكونفدرالية أن أسطولها ملتزم باحترام القوانين البيئية والاقتصادية، وتعمل على الحفاظ على مناصب الشغل داخل منظومة مهددة أصلًا بالهشاشة.

وبالرغم من الطابع التقني الذي صبغ عددًا من نقاط البلاغ، إلا أن اللغة المعتمدة تكشف عن أزمة ثقة حقيقية داخل القطاع، تُجسّدها العلاقة المتشنجة بين مكونات الفاعلين المهنيين، وتنامي الخطابات الاتهامية التي تُحيل ضمنيا إلى صراع مصالح أكثر منه اختلافًا بيئيًا أو تقنيًا صرفًا.

وفي خلفية هذا النقاش المحتدم، تلوح بوادر وعي جنيني لدى بعض الفاعلين، يتجلى في المشاورات غير الرسمية التي تمّت – حسب معطيات خاصة – مع عدد من ربابنة هذا الصنف من السفن، في ما قد يشكل خطوة أولى نحو انخراط هؤلاء في النقاش العمومي، شريطة أن يتم ذلك في إطار مؤسساتي، وبتكريس فعلي لتمثيلية جمعية ضباط الصيد كفاعل شريك في بلورة السياسات العمومية البحرية.

إلى ذلك فإستمرار التراشق عبر البلاغات والتدوينات يهدد بتمييع النقاش وإبعاده عن جوهره الحقيقي، أي كيف يمكن ضمان استدامة الثروة السمكية الوطنية في ظل الضغوط البيئية، والتحديات الاقتصادية، وتضارب المصالح داخل القطاع؟ وفي هذا الإطار، لا بد من التأكيد على أن الأسئلة البيئية لا تُواجه بالردود الإعلامية فقط، بل تقتضي آليات علمية محايدة، ومراقبة ميدانية شفافة، ونقاشًا مؤسساتيًا يُعلي من صوت المصلحة العامة بعيدًا عن التراشق والتخوين.

وفي قادم الأيام، سنعود لتفكيك مضامين هذا البلاغ بمقاربة موضوعية، تتجاوز منطق الاصطفاف، وتراهن على التحليل الهادئ المبني على المعطيات، في أفق إعادة بناء الثقة بين الفاعلين، وترسيخ مقاربة تدبيرية تشاركية تضع الثروة السمكية في صميم الأولويات الوطنية.

*عبد الخالق جيخ : فاعل كنفدرالي سابق ، ناشط جمعوي في قطاع الصيد ، مدون مهتم بقضايا الصيد البحري 

Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا