تداول نشطاء عبر مواقع التواصل الإجتماعي مؤخرا وثيقة موقعة من طرف عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، يوسع من خلالها صلاحيات الكاتبة العامة لقطاع الصيد البحري بالتوقيع بدله في مختلف القرارات الإدارية والتنظيمية داخل القطاع.
وخلفت الوثيقة عددا من ردود الأفعال في أوساط النشطاء ومعهم متبعوا الشأن البحري، خصوصا أن الوثيقة تعود لشهر ماي المنصرم، ما أثار الأسئلة بخصوص الوافدة الجديدة على قطاع الصيد البحري مباركة بوعيدة، كاتبة الدولة في قطاع الصيد البحري، والتي تعد من حيث التراتبية أعلى مكانة من منصب الكاتبة العامة، حيث يكاد المنصب الأول أن يسمو لدرجة وزيرة في القطاع.
ورغم أن المنصب الجديد شكل نوعا من الفوبيا، محملا في عمقه بأسئلة عميقة في ظل وجود وزير وصي يملك سلطة القرار السياسي، وهو الذي راكم من التجربة في ذات المنصب سنوات طوال خبر معها وضع الحنطة، حتى وإن ظلت أصابع الاتهام تشير إلى الرجل بكونه اهتم بالفلاحة أكثر من اهتمامه بقطاع الصيد، لكن المطلع على القرارات والبرامج المنزلة منذ سنة 2007 سيجد بان الفترة عرفت تجديدا واسعا لمقتضيات التسيير ومعها الترسانة القانونية لقطاع الصيد البحري، بالإضافة إلى خص القطاع بإسترتيجية واضحة المعالم والأهداف في أفق 2020 مهما إختلفت بشأنها الأراء والتعليقات.
وبالعودة إلى الوثيقة الموقعة من طرف أخنوش، فإنها تحيلنا على النقاش الذي صاحب الإعداد للتشكيلة الحكومية، حيث تردد إسم زكية الدريوش كوزيرة محتملة لقطاع الصيد البحري، في ظل التقة التي تحضى بها الكاتبة العامة لدى وزير الصيد البحري، حتى ان كثيرون إختارو تلقيبها بالصندوق الأسود لأخنوش، وهي التي كانت صارمة في السهر على تنزيل مجموعة من المخططات والبرامج التي وجدت طريقها للتنزيل، رغم ما حملته الظرفية من مواجهات، وصلت إلى حدود قيام بعض المهنيين بإعمال سياسة التجييش وتغذية الساحة بالإشاعة، في حرب مهنية إدارية أستبيح فيها كل شيء قبل أن تتلاشى دوافعها مع الوقت، بعد تمسك الإدارة الوصية بمنهجيتها في تنزيل إجتهاداتها، التي خلخلت كثيرا من التوازنات البيمهنية.
تقة اخنوش في كاتبته العامة على رأس إدارة الصيد، جعلته حسب كثير من المتتبعين ينصرف آمنا إلى قطاع الفلاحة، خصوصا بعد يقينه من كون البنية إلإدارية لقطاع الصيد البحري، تكاد تضاهي تكنة عسكرية في نظامها وصرامتها، ما يفسر نذرة الخرجات الإعلامية لمختلف مكونات الإدارة، التي أصبحت مرتبطة بالموسمية والمناسباتية، إذ أصبحنا ننتظر أخنوش لسنتين حتى يخرج علينا في ندوة صحفية، على هامش معرض أليوتيس ليطلعنا على تطور القطاع، فيما ظلت خرجاته أو خرجات كاتبته العامة، محدودة على رأس الأصابع.
ولأن المنصب الجديد خرج من النفق المسدود، بعد ان ظل مطلبا قويا لمهني الصيد البحري بإعتبار الأهمية الإقتصادية للقطاع ضمن النسيج التنومي للبلاد، رغم إنتصار أطر السياسة لثنائية الفلاحة والصيد البحري في حقيبة واحدة، لكونهما يشتركان في مجموعة من الملفات عند المفاوضات التي تربط المغرب بشركائه الخارجيين، فإن تلحيف قطاع الصيد البحري بملحفة الجنوب، ووضع بوعيدة على راسه، حمل في طياته مفاجأة كبيرة لدى مهنيي الصيد، وهي القادمة من وزارة الخارجية، ما يعطي الإنطباع مند الوهلة الأولى أن إختيار مباركة بوعيدة للمنصب يأتي لتحصين العلاقات الخارجية للمغرب، من نافذة تعزيز الشراكات في قطاع الصيد البحري، خصوصا أن عزيز أخنوش كان قد اكد أثناء تسليم السلط لكاتبة الدولة، أن خبرة مباركة بوعيدة في مجال العلاقات الدولية والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ستشكل قيمة مضافة لملف الصيد البحري.
ومن يعرف مباركة بوعيدة التي تنتمي لأسرة عارفة بخبايا قطاع الصيد، سيستنتج أن المرأة التي جيء بها إلى وزارة لا تقل شأنا عن وزارة الخارجية ضمن المنظومة السياسية للبلاد، لن تقبل بلعب دور الكومبارس كما يروج له البعض لحاجة في نفس يعقوب. وإنما المرأة تعي جيدا ما ينتظرها من توجيه لمدافعها نحو أعداء الوحدة الترابية والمشوشين على علاقات المغرب الخارجية في قطاع الصيد البحري، بنوع من اليقظة والإستباقية. وذلك بعدما خبرت العلاقات الخارجية بمدها وجزرها، خصوصا أن المغرب مقبل على تجديد الإتفاق الذي يربطه بالشريك الأوربي في قطاع الصيد البحري، سيما بعد القرار الأخير للمحكمة الأوربية الذي أنتصر للمغرب على حساب دفوعات الانفصاليين ومن يساندهم بالبرلمان الأوربي. وهي كلها معطيات تفرض التكامل بين المعطى الإداري والغطاء السياسي.
ومن خلال ما أوردناه في هذا الجانب، فإن علاقة كاتبة الدولة في قطاع الصيد البحري والكاتبة العامة بذات القطاع، ستكون متكاملة بشكل نموذجي إلى حد بعيد، لأن الكاتبة العامة ستحرص على إعطاء دينامية للعمل الإداري فيما ستبحث بوعيدة إلى جانب إشرافها على القطاع وتتبع سياسته العمومية ، عن الفتوحات السياسية لتجنيب البلاد كيد المتآمرين، بعيدا عن الحسابات الضيقة التي تحاول جهات الترويج لها من أجل تحقيق مآرب شخصية، بعد أن تم تضيق الخناق على مختلف النوافذ التي كانت تمتاح منها لسنوات خلت، وكدا تغيير توجهات إدارة الصيد في تعاطيها مع تدبير القطاع، بنظرة تراهن على الإستدامة وتسمية الأشياء بمسمياتها.
وقد شكل هذا التوجه مصدر إزعاج لبعض المتحكمين في القطاع، بعد ان بدأو يفقدون إمتيازاتهم تباعا في علاقتهم بالوزارة الوصية وأطرها، حيت تطور الأمر في كثير من الأحيان إلى ملاسنات، وإظهار الغضب جراء بعض التصرفات الطائشة التي جعلت الكاتبة العامة ترفض لقاء عدد من هذه الوجوه. ما حدا بهؤلاء إلى العمل على إستمالة وجوه جديدة منذ تعيين حكومة “العثماني”، والعزف على وثر الإصلاح، مع الوسوسة في أدان القادمين الجدد بالحضوة ودرجة القرب، التي أصبحت تربط الوزير ببعض موظفيه، بل أكثر من ذلك الترويج بكون هذه الأطر أصبحت تقوم بوظائق الوجوه الجديدة، حتى يتم خلق نوع من البلبلة، داخل القطاع الواحد، ومعه غرس بدرة الإنتقام التي ستدكي روح التطاحنات بين أعضاء الفريق خدمة لأجندة مكشوفة التواريخ.
ولأن صاحب الشأن في قطاع الصيد البحري يعي جيدا أصول اللعبة، فقد إستبق تحركات بعض الوجوه التي إعتادت الإصطياد في الماء العكر. فقلد كاتبته العامة مهمة التوقيع بدله في مختلف القرارات الإدارية والتنظيمية داخل القطاع ودون حاجة الرجوع إليه، حتى يقطع الشك باليقين في درجة النضج الحاصل لدى المرأة في تعاطيها مع قضايا القطاع. يحدث هذا في إنتظار قرارات أخرى قالت عنها مصادر مطلعة انها ستكون حاسمة، في تحديد مجالات تدخل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، حتى لا يبقى هناك خلط في الأوراق بين المركزين الإداري والسياسي بالنسبة لمهني القطاع في تعاطيهم مع كلا الشخصيتين، بما يضمن نوعا من التوازن وصيانة الأدوار المنوطة بكلا المنصبين الذين يفترض فيهما التكامل والتفاعل لا الصراع والتطاحن، كما يعمد البعض إلى إفتعاله.