لم يكن توقيت قرار إحداث لجن تشرف عليها غرف الصيد البحري متوقعا، حتى ان مضمونه كان مفاجئا في ظل الدعوة إلى تشكيل اللجان بتلك الطريقة و الكيفية، ما جعل تساؤلات كثيرة تفرض نفسها حول مستقبل هده اللجان ضمن النسق المهني، و علاقة هده التكتلات الجديدة بالموانئ، في ظل التحولات الراهنة إن على مستوى التراكمات أو تفاقم الوضع في أحزمة الموانئ، و مدى قدرة هده اللجان على كسب رهان الحفاظ على تدبير عقلاني، و امتصاص مختلف المشاكل. بل و أيضا حول مدى قدرتها على تماسكها بالشكل الواقعي، من خلال امتصاصها للتوتر و الاحتقان الخطير جراء العديد من المشاكل ابتداء من الأمن مرورا بالمعاملات وصولا إلى العنصر البشري بما يتطلبه من سياسة للقرب في التعاطي ما قضاياه البحرية وانتظاراته الإدارية اليومية.
إن الظرفية التي تمر منها الموانئ وفق المعطيات المتوفرة تلزمها حنكة عالية، و قرارات سياسية ملزمة عاصفة، لان انفلات الامور و تفاقمها سيؤشر على الفشل الذريع، و التوقيع على نهاية الحلم الذي سطرته وزارة الصيد البحري. فالظرفية التي تمر بها مجموعة من الموانئ، وفق المؤشرات المعروفة يمكن اعتبارها بمثابة امتحان جديد في سجل الوزير أخنوش صاحب ثالث ولاية في تاريخ هده الحقيبة، في احتواء المشاكل، وتدبير التحديات المطروحة، في أفق تقديم الحلول المساعدة على كسب المعركة التي تقودها وزارة الصيد البحري، لكسب النزال في مواجهة مختلف المشاكل التي تتفاقم داخل الموانى المغربية. الأمر الذي إرتأت معه الوزارة الوصية في شخص وزيرها، توسيع صلاحيات الغرف المهنية حتى وإن رأى البعض في الخطوة حلول انفعالية قد تضر بسمعة الوزارة نفسها.
و على الرغم من تغريدات التأييد الأولية للتمثيليات الكلاسيكية التي صاحبت الإعلان عن القرار، فإن عدد من العارفين بخبايا القطاع ، تنبأو بفشل المبادرة في ظل الصعوبة التي ستواجه اللجان، في التفاعل مع قضايا الموانئ، لانها تجهل التراكمات التي يعرفها كل ميناء على حدة. ما يفرض الامتناع عن الفرحة المبكرة، المرتبطة بالنتائج ادا ما فعلا تحققت.
فعلى الأرجح لن تنحرف نظرة الوزير كثيرا عن سياق البحث، عن حلول بديلة، حيث أصرت وزارة الصيد البحري على ان تكون لغرف الصيد البحري كلمة مسموعة، من خلال تشكيلها لجان تدبر تسيير الموانئ، لتحافظ بدلك على كرامة و كبرياء الوزارة الوصية. بل بتقديم الوزير لمقترح اللجان بغض النظر عن قانونيتها و حدودها و سقف صلاحياتها، و بغض النظر عن إحجام دور السلط المينائية من مندوبية الصيد البحري و المكتب الوطني للصيد البحري و مكتب السلامة الصحية، و تقزيم دورهم أمام مؤسسة استشارية بطبيعتها. وهي كلها معطيات تبعث على التسليم بتنازل الوزارة عن الحق في اكتساب قانونية تسييرها و تدبيرها لقطاع الصيد البحري لصالح الغرف، بل و نزعت عن هده المؤسسات الخبرة المعرفية التي اكتسبتها، باحتكاكها مع ثالوث القطاع، و خبرتها الطويلة في التعاطي مع مختلف القضايا.
فقد كان على وزارة الصيد البحري الواعية بخطورة المرحلة، الشروع في فتح نقاش وازن و مسؤول للبحث عن الذوات المهنية التائهة، و الانصياع الى القيام أولا بتقييم للاستراتجية القطاعية، و إعادة قراءة مشاكل القطاع، و تحويل بعض بنود المخطط الأزرق، من اليقينيات الراسخة المطلقة في دهون المسؤولين، الى حلول نسبية، تبعدنا عن التقوقع و الوثوقية في أساليب تدميرية و إقصائية للتجربة المكتسبة على مر السنين، المرتبطة بقوة اقتراحية بصمت صفحات تاريخ الصيد بالبلاد، حتى نوجه بوصلتنا و السير نحو فضاءات معرفية واسعة . تدفعنا كدلك إلى التنقيب في المجالات الزرقاء الدلالية عن الصيرورة و الوجود.
إن اللجان المشكلة اليوم يبقى عليها بدل أقصى الجهود، لترميم صورة الوزارة الوصية، و امتصاص الاحتقان الموجود أصلا في الموانئ المختلفة، مع تفادي وقوع المزيد من النكسات في ظل الأوضاع و الأجواء، التي تعيش عليها الموانئ. سيما أن ما يقع اليوم و ما تمر به الموانئ المغربية من فوضى و عشوائية و تهريب، يفرض إعادة ترميم العلاقة المهنية بالوزارة الوصية التي تمر حسب المراقبين، بأسوء مراحلها، نتيجة عوامل محدودة في الاستشارة المهنية لرجال البحر بشخصهم، و ليس بالتمثيليات الراهنة من غرف و كنفدراليات محدودة التمثيلية، ما يجعل من هذه الإستشارة إعداما حقيقيا للرأي المهني السليم، بعد أن تم تسييج مشاركة البحار و الربان، و ضبطها وفق سقف لا يتجاوز حدود بعض التعليمات الفوقية، في توجه مخالف للتحولات السياسية و دستور 2011، الداعي للمقاربة التشاركية و الحكامة الجيدة.
إن اعتماد استراتيجية اليوتيس في قطاع الصيد البحري، اعتبر تحولا تكتيكيا، و تصورا واضح المعالم في إطار بلورة مجموعة من الحلول الاستباقية، لإشكاليتي الفوضى و العشوائية، في قطاع ظل يحضا بأهمية كبيرة، في أفق تحصين مكتسبات محصورة، غير أن الإسترتيجية اليوم هي في حاجة أكبر للتقييم عبر اعتماد سياسة المكاشفة ودراسة الأهداف المحققة وإعمال الشفافية في التعاطي مع مختلف الخلاصات الناجمة عن سنوات تنزيل الإسترتيجية، بعيد عن الحسابات الضيقة تماشيا مع متطلبات المرحلة الجيو إقتصادية للبلاد.