في رواق مشتركٍ بيْن غرفة الصيْد البحري الأطلسية الجنوبية وجامعة غُرف الصيّد البحريّة بالمعرض الدوليّ للصيد البحري (أليوتيس) الذي احتضنتْه مدينة أكادير الأسبوع الماضي، تكّرّر، طيلة ايّام المعرض، مشهدٌ مُعبّر عنِ افتقاد موائد المغاربة إلى الأنواع الجيّدة من الأسماك، وفواكه البحر عموما.
فَعَلى امتداد أيّام المعرض، يصطفّ عشراتُ الزوار أمامَ الرواق، منتظرينَ بصبْرٍ دوْرهم لتذوّق طَعْم الأخطبوط، والذي تُقدّم قطعٌ منْه في صحْن صغيرٍ مجّانا للزوار، ويتكرّرُ المشهد نفسه في رواق آخرَ متخصّص في عرْض فواكه البحر.
وعلى الرّغم من أنّ السواحلَ المغربيّة تمتدّ على مسافة 3500 كيلومتر، إلّا أنّ المواطنَ المغربيّ لا يستهْلك من الثروات البحريّة للمغربِ إلّا القليل، هذا من ناحية حجْم الاستهلاك، أمّا من حيث النوعية فالاستهلاك يقتصرُ غالبا على الأسماك الرخيصة.
في المعرض الدوليّ للصيد البحري بأكاديرَ يتوقّف كثير من الزوار عنْد أروقة عرْض الأسماك، ومنها الغاليّة، ويتأملونها بعيون تنبعث منها الدهشة، وهناك من يأخذُ معها صوراً للذكْرى، وتُعْرض بالمعرض أسماك لا يرَاها المغاربة إلّا في التلفزيون.
يقُولُ أحَدُ المرشدين في رواق غرفة الصيد البحري الأطلسية الجنوبية وفدرالية غرف الصيد البحرية، إنَّ أنواع السمك المعروضة في الرواق، تُبَاعُ في الأسواق المغربيّة، لكنْ ليْس كلّ الأسواق، بل المتاجر الكبرى فقطْ، والسببُ يعودُ إلى غلاء أسعارها، فهناك أسماك يصلُ سعْر الكيلوغرام الواحد منها إلى 300 درهم، وغالباً ما تضلّ هذه الأنواع من الأسماك طريقها نحو السوق الأسواق المغربية وتُصدّر إلى الأسواق الخارجيّة.
هُنا يبرُز سؤال: ما سَببُ ارتفاع أسعار الأسماك في السوق المغربية؟ سببُ ذلك، حسب سعيد زرهون، عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية لضباط الصيد في أعالي البحار هو غياب الشفافية في عملية بيْع الأسماك داخل الموانئ قبْل خروجها إلى السوق، إضافة إلى مرورها على أيْدي الوسطاء قبْل الزبون، والنتيجة أنّ الرابح الأكبر هم الوسطاء، والمتضرّر هو المستهلك، إضافة إلى البَحّارة العاملين على متْن سُفن الصيّد.
وأوضح زرهون قائلا “أنا كبحار أرى أنّ الحوت يُباع بثمن هزيل، ولكن في الجانب الآخر كمستهلك أرى أنه يباع بثمن غالٍ”، وأضافَ أنّ ثمنَ الكيلوغرام من سمك الكروفيت قدْ يُباعُ في السوق بـ80 درهما، بيْنما ثمنه داخلَ الميناء لا يتعدّى 25 درهما للكيلوغرام، وهو ما يعني أنّ الثمن يتضاعف ثلاث مرّات، حتّى في المدن الساحلية، التي لا تفْصل بين موانئها والأسواق سوى كيلومترات معدودة.
وخَلْفَ أسعار السّمك الملتهبة التي يكتوي بلَظاها المواطنون في الأسواق، ثمّة أرباحٌ كبيرة يجنيها مُلّاكُ سُفن الصيّد في أعالي البحار والوسطاء، فداخل الموانئ –يقول سعيد زرهون- يعْمد أصحاب السّفن والسمّاكين إلى “تْطياح الثمن”، لأنّ الثمن الذي يُباعُ به السمك داخل الميناء على ضوئه يدفع مالك السفينة الرسوم على ما باع من سمك، والشيء ذاته بالنسبة للسمّاك، وكلما كان الثمن منخفضا كلّما كانت الرسوم أقل، ليدخل الوسطاء على الخطّ بعد خروج السمك من الميناء.
هذه الوضعيّة تجْعل المواطنَ المغربيَّ لا يصله من خيْرات السواحل البحريّة التي تصل إلى 3500 كيلومتر سوى الأسماك الرخيصة، مثل السردين، والذي يعجزُ المواطنون عن اقتنائه، هو أيضا، في أحيان، حينَ يرتفع سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى 20 درهما؛ وعن المسؤول عن هذه الوضعية قالَ سعيد زرهون “المسؤول الأول هو وزارة الفلاحة والصيد البحري، ومكتبُ الصيد”.
ضعْف استهلاك المواطنين المغاربة للأسماك يتّضح بشكل جليّ في الفرْق بين متوسط الاستهلاك المحلّي ونظيره العالمي، فإذا كان متوسط الاستهلاك العالمي من الأسماك يصل إلى 17 كيلوغراما في السنة، فإنّ المواطنَ المغربي لا يستهلكُ سوى ما بين 10 و 12 كيلوغراما من الأسماك سنويا.
واعترف وزيرُ الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش في ندوة صحافية في اليوم الأول لافتتاح معرض “أليوتيس” بمدينة أكادير بوجود ضعْف على مستوى استهلاك المغاربة للأسماك، وقالَ “هُناك عمل نقوم به في هذا الإطار”، وكانت الوزارة قدْ أعدّت برنامج “حوت بلادي”، لتشجيع المواطنين المغاربة على استهلاك منتوجات البحر بمختلف أشكالها.
غيْرَ أنّ زائرةً لمعرض الدولي للصيد البحري “أليوتيس” بأكادير قالتْ تعليقا على برنامج “حوتْ بْلادي”، إنّ البرنامجَ حتّى وإنْ استطاع جعْل المغاربة يستهلكون المعدل العالمي من الأسماك، والمحدد في 17 كيلوغراما في السنة، إلّا أنّه لن يحقّق “المساواة” بيْن المغاربة، ما دامَ أنّه يركّزُ فقطْ على نصْح المغاربة باستهلاك السردين، وأضافت بلهجة ساخرة “ينصحوننا باستهلاك السردين ويعدّدون منافعه الصحيّة، كما لوْ أنّ الأسماك الغالية خاليّة من أيّ فوائد صحيّة”.
هسبريس – محمد الراجي