لماذا يؤجل وزير الاقتصاد والمالية رفع الحيف عن مهنيي الصيد البحري؟

0
Jorgesys Html test

كتبها يوسف بنجلون رئيس غرفة الصيد البحري المتوسطية 

كشفت المناقشات التي دارت بين مختلف الفرق البرلمانية ووزير المالية والاقتصاد حول قضية حذف الضريبة على القيمة المضافة على معدات وآليات الصيد البحري وجود مشكلة ما لا ندري مكانها بالتحديد.

فالقضية – كما يعلم الجميع – صارت بديهية لا تستدعي أكثر من اتخاذ القرار لرفع الحيف الذي تحمل كلفته مهنيو الصيد البحري لمدة سنة كاملة بما تعنيه هذه الكلفة من الإجهاز على كثير من المكتسبات التي جاء بها مخطط أليوتيس للنهوض بالقطاع وتحديثه وإعادة هيكلته.

نريد أن نعرف بالتحديد اين المشكلة؟ ولماذا يريد السيد وزير المالية والاقتصاد أن يؤجل قبوله للتعديل الذي تقدمت به فرق الأغلبية مع الفريق الاستقلالي المعارض إلى مجلس المستشارين وليس بمجلس النواب؟

لا نحتاج أن نذكر بأن مطلب حذف الضريبة على القيمة المضافة على معدات وآليات الصيد البحري ليس منة للحكومة على مهنيي الصيد البحري، وليس امتيازا أو إعفاء ضريبيا حتى لا يفهم بأن المهنيين يمارسون الضغوط بشتى الوسائل من أجل الظفر به، وإنما الأمر يتعلق بحيف حقيقي نزل على مهنيي الصيد البحري من جراء فرض ضريبة حيادية لا يملكون معها حق الاسترجاع، ولا يملكون أيضا حق الزيادة في أسعار المنتوج البحري لأن الأمر هنا يتعلق بكلفة اجتماعية وسياسية لا تستطيع اي حكومة تحملها.

لا نمل من حكاية القصة من أولها إلى آخرها. في البداية كان الاتفاق بين جميع مكونات مهنيي الصيد البحري، وهي بالمناسبة أول مرة يحصل فيها مثل هذا الاتفاق بحكم الاختلاف والتباين الشديد الحساسية الذي طبع مكونات مهنيي الصيد البحري، وهي المرة الأولى الذي تتفق فيه غرف الصيد البحري الأربعة التي تمثل الهيئات الدستورية التي تقوم بدورها الاستشاري مع الوزارة الوصية للنهوض بقطاع الصيد البحري.

في البدء كان اللقاء مع وزير الصيد البحري، الذي عبر عن تجاوبه وتفهمه لمطالب المهنيين، بل وعد بأن ينقل مطالبهم إلى رئيس الحكومة وأن يرتب لقاء معه بهذا الغرض يجمع مختلف تشكيلات المهنيين، وهو الأمر الذي حصل بالفعل، فتم استقبال المهنيين من قبل رئيس الحكومة واستمع لمطلبهم العادل وتفهمه، ووعد بأن يقوم بمساعيه من أجل تسويته.

وقبل ذلك، كان للمهنيين أيضا فرصة اللقاء مع مدير مديرية الضرائب السيد عبد اللطليف زغنون، فاستمع إلى مطالبهم العادلة، وابدى تفهمه للموضوع، وطلب منهم إعداد ورقة تقنية في الموضوع لمساعدته على تضمين مطلبهم لمشروع قانون المالية الجديد، ولهذا السبب قام المهنيون بإعداد دراسة علمية مستوعبة توضح الأسباب التي توضح أن فرض الضريبة على القيمة المضافة على معدات وآليات الصيد البحري لا أساس قانوني له، بحكم أن المهنيين لا يملكون حق الاسترجاع.

وأكثر من ذلك، لقد قدم المهنيون إشارة جد إيجابية للحكومة حين رفضوا الانخراط في إضراب 28 أكتوبر مع أن الدواعي لخوض مثل هذه الخطوة النضالية موجودة، وفي مقدمتها قضية فرض الضريبة على القيمة المضافة على معدات وآليات الصيد البحري، لكن للأسف لم يتم التقاط هذه الإشارة بالشكل المناسب وعبر وزير المالية والاقتصاد عن موقف غير مفهوم لا ندري بالضبط أي دلالة يريد أن يطبعها به.

ثمة خياران لا ثالث لهما، إما تثبيت وضعية الحيف والاستمرار في فرض الضريبة على القيمة المضافة على معدات وآليات الصيد البحري، أو التراجع إلى الوضع الطبيعي الذي كان معمولا به في السابق والذي يتطابق مع المعايير القانونية والجبائية، لكن تسويف وزير المالية والاقتصاد وتأجيله الاستجابة لهذا المطلب إلى مجلس المستشارين يفتح خيارات أخرى لا ندري بالضبط متجهاتها.

فإذا كان وزير الاقتصاد والمالية يريد أن يستبقي ملفات يريد أن يستعملها في حلبة التفاوض حينما تضع المعارضة تعديلاتها في مجلس المستشارين، فهذا وإن كان يدخل في ديناميات العملية السياسية إلا أنه يحمل في المقابل رسالة سيئة إلى مجلس النواب من جهة وإلى الأغلبية الحكومية من جهة أخرى، إذ لا يعقل أن يتم الاشتغال بمنطق تفضيلي مع المؤسسة التشريعية، ولا يفهم أن يتم تبخيس تعديلات الأغلبية الحكومية لفائدة تثمين تعديلات مفترضة تأتي أو لا تأتي من مجلس المستشارين؟

القضية لم تكن تستدعي هذا التعقيد، فالسؤال البسيط الذي يتطلب الإجابة عنه من قبل وزير المالية والاقتصاد هو: هل مطلب مهنيي الصيد البحري عادل أم لا؟ هل وقع حيف عليهم بفرض ضريبة على القيمة المضافة لا تسترد أم لا؟ هذا هو السؤال الذي يستدعي الجواب، ويستدعي أن تترتب عنه المواقف اتجاه التعديلات التي تتقدم بها الفرق البرلمانية أغلبية أم معارضة.

وزير المالية والاقتصاد ركب رأسه لوحده، كما ولو كان الأمر يدخل في سياق مكابرة وعناد غير مفهوم لا يتلاءم مع المساعي الهادئة التي قام بها المهنيون والتي تم التجاوب معها بشكل إيجابي من قبل وزير الصيد البحري أولا ثم رئيس الحكومة.

ما الرسالة التي يريد السيد وزير المالية والاقتصاد توجيهها إلى المهنيين بتأجيله البث في مطلب الأغلبية البرلمانية بحذف الضريبة على القيمة المضافة إلى مجلس المستشارين؟ هل يريد أن يستحثهم على تصعيد الموقف وهم الذين اختاروا من البدء التهدئة واختيار الحوار والتفاوض العقلاني، أم يريد أن يتحدى الجميع بما في ذلك رئيس الحكومة بالإصرار على تثبيت الوضع السابق وتأجيل التفاوض حوله إلى مجلس المستشارين.

نعم صدر عن السيد وزير المالية والاقتصاد التزام بتسوية المشكل في مجلس المستشارين؟ لكن ما الفرق بين مجلس النواب ومجلس المستشارين؟ ولماذا لا يسويه الآن بقبول التعديل كما فعل في تعديلات أخرى تقدمت بها بعض الفرق واستجاب لها بشكل سلس؟

نتمنى أن يتم مناقشة الموضوع بميزان العدالة لا بميزان التفاوض السياسي، وأن يتم النظر إلى المؤسسة التشريعية على اساس أنها العقل التشريعي الذي يراعي المصلحة والعدل في التشريع، وأن يتم التعامل مع تعديلاتها وفق هذا المنظور، فالعدالة إذا تبينت مداخلها، والحيف إن تم التأكد من حصوله، فرفعه وتثبيت الوضع العادل مطلب لا يقبل التأجيل ولا المساومة ولا التفاوض.

Jorgesys Html test Jorgesys Html test

أضف تعليقا

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا