حملت رياح الحركة الإنتقالية والترقيات الواسعة التي أعلنتها وزراة الداخلية أمس الإثنين، محمد بن علي بوصحيب، رئيس الدائرة الحضرية لميناء أكادير، إلى مصالح وزارة الداخلية، بعد سنوات من الدينامية التي ميزت علاقة رجال السلطة بميناء المدينة بالوسط المهني والإداري، حتى أن مرحلة الرجل طفت على السطح كواحدة من أنجح المراحل في علاقة السلطة بمهنيي الصيد. غير أن التنقيلات هي ألية من الأليات التي تعتمدها الوزارة الوصية بهدف تثمين مواردها البشرية بهيئة رجال السلطة، تماشياً مع مبادئ المساواة، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات، التي تشكل جوهر الخدمة العمومية.
ويعد محمد بن علي بوصحيب من الكفاءات المهمة التي بصمت على حضور قوي بميناء أكادير، حتى أن الفاعلين المهنيين ظلوا يضعون أيديهم على قلوبهم مع أي ترويج لحركة إنتقالية قد تنقل “المايسترو ” كناية على الدينامية التي يتحلى بها رجل السلطة، خارج اسوار الميناء ، خصوصا وأن محمد بن علي بوصحيب تبنى في سياسته التدبيرية المفهوم الجديد للسلطة إنسجاما مع التوجيها الملكية السامية . غير أن تسونامي التنقيلات كان قويا هذه المرة بعد 592 من رجال السلطة، وهو ما يمثل 23% من إجمالي الأفراد العاملين بالإدارة الترابية حسب بلاغ صادر عن وزارة الداخلية أمس الإثنين .
وكان جلالة الملك قد دعا في نص الخطاب السامي الذي وجهه جلالته بتاريخ 12 أكتوبر 1999 إلى المسؤولين عن الجهات والولايات والعملات والأقاليم من رجال الإدارة وممثلي المواطنين لمفهوم جديد للسلطة حيث قال جلالته “نريد في هذه المناسبة أن نعرض لمفهوم جديد لسلطة وما يرتبط بها مبني على رعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية، وتدبير الشأن المحلي والمحافضة على السلم الاجتماعي. وهي مسؤولية لا يمكن النهوض بها داخل المكاتب الإدارية التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين ولكن تتطلب احتكاكا مباشرا بهم و ملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان، وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة.”
فهذه التوجيهات السامية بدت واضحة إلى حد بعيد في كاريزما الرجل ، خصوصا في الأزمة الصحية الآخيرة، حين إنخرطت السلطات المينائية بأكادير في تقديم خدماتها لمهنيي الصيد البحري بكل أصنافه، لضمان دينامية النشاط المهني وتوجه البحار لمختلف موانئ الجنوب ، حيث شكلت باشوية الميناء الوجهة الأكثر طلبا لبحارة الصيد، الراغبين في الالتحاق بالموانئ التي يشتغلون بها. فيما تجندت الباشوية لتوفير وثائق التنقل لنحو 6000 بحار عائدا من مصيدة الأخطبوط في عز أزمة كوفيد 19. حيث جندت الباشوية كامل مواردها البشرية وأطقمها لتوفير خدماتها للبحارة، من خلال إنجاز رخص التنقل الاستثنائية الفردية، وكدا الجماعية وفق الشروط المعمول بها.
ومع هذه المجهودات الإستثنائية والخرافية التي قادتها باشوية ميناء أكادير، تحولت هذه الآخيرة مع أزمة كورونا في البلاد مرصدا يجسد المظهر الأساسي لنشاط الصيد البحري على المستوى الوطني، وتحول الميناء إلى مركز إشعاع لتحفيز النشاط المهني، من حيث الفعالية والنجاعة، وعنصرا أساسيا ضمن عناصر الحكامة الإدارية المفعمة بالحيوية التي رفعت التحديات، وساهمت في تحقيق تدبير جيد وتوقعي مسبق، للتغيرات التي افرزتها أزمة كورونا، من خلال حكامة وقدرة غاية في الإنسيابية على مسايرة التطورات المستجدة. وهي المجهودات التي أثمرت إستمرارية النشاط المهني، الذي ساهم في تموين الأسواق والوحدات الصناعية بالمادة الأولية.
ولقيت هذه المجهودات أصداء طيبة على المستوى الوطني وصل صداها للقصر الملكي ، حيث أنعم جلالة الملك محمد السادس نصره الله على محمد بن علي بوصحيب بوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة، تقديرا لتضحياته وتفانيه في خدمة العرش والوطن. وهو الوسام الذي تم توشيحيه به من طرف سعيد امزازي، والي جهة سوس ماسة عامل عمالة أكادير إداوتنان في غمرة احتفالات الشعب المغربي بالذكرى الـ 68 لعيد الاستقلال المجيد.
وكان بلاغ وزارة الداخلية، الصادر أمس قد الإثنين أن الحركة الإنتقالية تندرج في في إطار مجموعة من التدابير، التي تأتي في إطار التنزيل السنوي لاستراتيجية وزارة الداخلية الهادفة إلى الإعداد والكشف الدوري عن أجيال جديدة من المسؤولين الترابيين، قصد تعيينهم بمختلف عمالات وأقاليم المملكة من أجل قيادة التغيير ومواكبة مختلف الأوراش التنموية وتحسين المعيش اليومي للمواطن. حيث سجل البلاغ أنه تم الإعداد لهذه الحركة من خلال تطبيق نظام المواكبة والتقييم الشامل ب 360 درجة، المبني على مقاربة أكثر تثمينا للموارد البشرية وأكثر موضوعية في تقييم المردودية، تجعل من المواطن شريكا في تقييم الأداء.
وأضاف أنه من خلال إعمال معايير الاستحقاق والتقييم الشامل للأداء، أسفرت هذه الحركة الانتقالية عن ترقيات في المهام شملت ما مجموعه 96 من نساء ورجال السلطة بالإدارة الترابية. كما شملت التنقيلات رجال السلطة الذين قضوا، كقاعدة عامة، أكثر من ثلاث سنوات بنفس العمالة أو الإقليم، بالإضافة إلى رجال السلطة الذين تستدعي ظروفهم الصحية أو الاجتماعية، تقريبهم من المراكز الاستشفائية. ومن أجل ضخ دماء جديدة بدواليب الإدارة الترابية، يضيف البلاغ، تم تعيين خلال هذه الحركة الانتقالية الأطر الجديدة المتخرجة من المعهد الملكي للإدارة الترابية والبالغ عددها 124 خريجا وخريجة.
ومن جهة أخرى، وفي إطار تحفيز رجال السلطة على المزيد من العطاء، والاعتراف بما يقدمونه من تضحيات جسام خلال مختلف الاستحقاقات الكبرى التي تعرفها المملكة وخلال تدبير الأزمات، وما يضطلعون به من مهام جليلة خدمة للمواطن، خلصت أشغال اللجان الإدارية متساوية الأعضاء المختصة إزاء هذه الهيأة إلى ترقية ما مجموعه 544 من نساء ورجال السلطة إلى درجات عليا.
وحسب المصدر نفسه، قامت وزارة الداخلية، بموازاة مع هذه الترقيات والانتقالات، وفي إطار الجهود المتواصلة لتحسين مردودية ووضعية أعوان السلطة، ولا سيما من خلال فتح آفاق الترقي إلى سلك رجال السلطة من درجة خليفة قائد، بتنظيم مباراة لانتقاء المترشحين المؤهلين لولوج السلك الخاص بتكوين خلفاء القواد بالمعهد الملكي للإدارة الترابية، مبرزا أنه تم خلال هذه العملية انتقاء 133 عون سلطة، سيخضعون لتكوين متخصص بالمعهد المذكور يؤهلهم، بعد نجاحهم وحصولهم على شهادة نهاية التكوين، للتعيين في مهام خليفة قائد.
واشار بلاغ أن وزارة الداخلية ستسعى على الدوام، مستنيرة بالتعليمات الملكية السامية، إلى تكريس مقاربة ناجعة في عصرنة تدبير مواردها البشرية، غايتها الرفع من أداء هذه الموارد وتحفيزها وتوجيهها للتكيف مع المتغيرات الوطنية، واستيعاب التطورات العالمية، والمساهمة في رفع التحديات التنموية التي تواجه المملكة.
ويظل قوام هذه المقاربة، يضيف البلاغ، الحرص على الالتزام الصارم بمعايير الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص في تولي مناصب المسؤولية، وتظل غايتها الرقي بعمل الإدارة الترابية، وفق دينامية فعالة تجعل الإدارة في خدمة المواطنين، مواكبة لحاجياتهم وراعية لمصالحهم التي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، يؤكد عليها في كل المناسبات باعتبارها السبيل الأنجح لتدعيم الحكامة الترابية الجيدة.